بعد عامين على انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة أكثر من 230 شخصاً، لا زال التحقيق يراوح مكانه، فيما يرى جزء واسع من اللبنانيين في التحقيق المتعثر مثالا للإفلات من العقاب الذي تلجأ إليه المنظومة الحاكمة التي لطالما تجنّبت المساءلة عن الفساد وسوء الإدارة بما في ذلك السياسات التي أدت إلى الانهيار المالي.
ومع تعطّل التحقيق بشكل شبه كامل منذ أوائل 2022 بسبب تقاعد قضاة محكمة يتعين أن تفصل في العديد من الشكاوى لكف يد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، يبدو أن هناك خرقا ما حصل مع الإخبار الذي تقدّم به وليم نون، شقيق الشهيد جو نون من فوج إطفاء بيروت الذي قضى بانفجار المرفأ.
الإخبار تقدم به نون أمام النيابة العامة التمييزية، وطلب بموجبه التوسّع بإجراء التحقيقات واتخاذ إجراءات عقابية، بحق عدد من قضاة كبار حاليين وسابقين، وقادة أمنيين وعسكريين، وتحديد أدوارهم في موضوع إدخال نترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت وإفراغها في العنبر رقم 12، وأن هذه الأفعال أدت إلى حدوث الانفجار، وطلب إجراء تحقيقات مفصّلة مع هؤلاء وتحديد المتورطين وتوقيفهم.
وسجّل هذا الإخبار في قيود النيابة العامة التمييزية، على أن يسلّم إلى المحقق العدلي طارق البيطار للنظر فيه فور استئنافه للتحقيق.
تبرئة "حزب الله"؟
وفي المعلومات المتداولة يأتي هذا الإخبار بعد سلسلة من التسريبات التي طالت ملف التحقيق، وفي هذا الإطار تشير مصادر لـ"جسور"، إلى أنّ "التحقيق انتقل فجأة من اتهام "حزب الله" والتركيز على من أدخل مادة نترات الامونيوم، إلى التركيز على الإهمال خصوصا وأنه خفّف احتمالية الإهمال بحق المسؤولين الأمنيين في المرفأ وحوّل التحقيق نحو مسار آخر".
وطرح هذا الإخبار علامة استفهام أخرى، بحيث تقول بعض المصادر "إن هناك جهة سياسية نافذة تضع بين أيدي أهالي ضحايا المرفأ بعض الملفات بهدف ترويجها وتغيير مسار التحقيق لتبرئة وحماية "حزب الله" من التورط في هذا التفجير"، وتكشف المصادر عينها أنّ "الوزير السابق سليم جريصاتي، هو الذي يسلّم أحد الناشطين من أهالي ضحايا المرفأ هذه المعلومات لغرض تحييد وحماية الحزب، وبالتالي يمكن القول إن الأهالي وقعوا ضحية كونهم يسعون إلى أن يستكمل التحقيق لكن ضمن شروط يبدو أنها وضعت من جديد".
وتتابع المصادر لـ "جسور"، أنّ "هناك أطرافا تحاول أن تحيّد أي مسؤولية محتملة لـ"حزب الله" لإلقائها على الجيش اللبناني، وهنا بدأ المسار مع محاولة اتهام مفوض الحكومة السابق لدى المحكمة العسكرية، القاضي بيتر جرمانوس، بأنه أجرى اتصالا في هذا الصدد".
وتضيف المصادر: "هذا يكشف من دون شكّ تدخل السياسة بمسار التحقيق وهذه الوثائق التي بدأت تظهر تباعا إلى العلن وعلى أساسها تم الإستناد إلى الإخبار المقدّم أين كانت مخفيّة منذ البداية؟".
تغيير مسار التحقيقات!
وهنا تفيد معلومات بأنّ "الطباخ في قصر بعبدا يحاول أن ينسج تغييرات ما على خارطة مسار التحقيقات كي تسلك في اتجاه آخر لضرب ونسف كل ما توصّل إليه المحقق العدلي طارق البيطار وقبله القاضي فادي صوان".
وفي هذا الإطار، تؤكد المعلومات أنه "رصد لقاء بين وليم نون مع كلّ من رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، قبل أن يتسلّم نون الملفات".
إلا أن وليم نون، شقيق شهيد فوج إطفاء بيروت جو نون، وفي اتصال مع "جسور" نفى بشكل قاطع المعلومات الواردة عن لقائه باسيل وبو صعب، كما المعلومات التي تتحدث عن مخططات تجري لتربئة حزب الله، مؤكدا بنرة حادة أن "هذه المعطيات عارية من الصحة وأن أهالي ضحايا مرفأ بيروت سيستمرون بالضغط وبأي طريقة كانت للوصول الى كشف الحقيقة الكامنة وراء زلزال الرابع من آب/أغسطس 2020".
محاولات تطويق
وعلى صعيد آخر، وبهدف تشتيت الأهالي عن قضيتهم، تشير المصادر إلى "قيام جهات معيّنة بدفع مساعدات مالية للعديد من أهالي ضحايا المرفأ، وهذا أمر ساهم بتخفيف حماسهم وأدى بطبيعة الحال إلى ازدياد المشاكل في ما بينهم وخلق انقسامات في صفوفهم".
وتقول المصادر: "بعد أنّ كانت أصابع الاتهام موجّهة نحو الداخل، يبدو أن التحقيقات باتت أمام مسار آخر، بحيث يسعى البعض لربط اسم المؤسسة العسكرية في الملف بينما يربطها آخرون بالاستحقاق الرئاسي المقبل، بهدف قطع الطريق أمام التوافق على قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، في الانتخابات الرئاسية المقبلة".
سجال عنيف!
وردا على الإخبار المقدّم من قبل أهالي ضحايا المرفأ، أوضح مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية سابقاً القاضي بيتر جرمانوس، قائلا: "خلافاً لما ورد على لسان وليم نون شقيق الشهيد جو نون، حول رفضي استلام الموضوع المتعلق بنترات الأمونيوم التي انفجرت لاحقا في العنبر رقم 12، يهمني التأكيد أنني لم أستلم أي تقرير وفقًا للأصول، يتحدث عن الموضوع المذكور، وبالتالي لم أرفض استلام ما لم أتبلغه رسميا".
وأضاف: "أنا إبن القانون وتحت سقف القانون، أقف قلبًا وقالبًا إلى جانب أهالي ضحايا تفجير العصر في 4 آب/أغسطس وأنا منهم بحكم سكني في منطقة الأشرفية، وأعلن استعدادي الدائم للإدلاء بإفادتي أمام قاضي التحقيق متى يشاء".
وفي السياق، طالب جرمانوس "بلجنة تقصي حقائق دولية كون المعلومات المتوافرة تشير الى غرفة سوداء سلطوية تقوم بإعداد طبخة لحرف أنظار الرأي العام وتضييع الحقائق كما يحصل عادة، مؤكدا أنّ في النهاية سيظهر كل خاف ولو بعد حين".
وأعلن جرمانوس تبنيّه لما جاء على لسان رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، لجهة وجوب تكليف لجنة تقصي حقائق دولية "لمعرفة الخيط الأبيض من الأسود".
في المقابل، رد عضو المجلس السّياسي في التيار الوطني الحر المحامي وديع عقل، في تغريدة له عبر تويتر، على القاضي جرمانوس، كاشفا أنه بتاريخ 28 مايو/أيار 2020، أي قبل شهرين من وقوع زلزال المرفأ اتصل الرائد جوزف النداف بالقاضي جرمانوس "صاحب الاختصاص وفقاً لقانون الأسلحة والذخائر" ورفضَ الأخير أي جرمانوس التحقيق بحجة واهية... وانفجر المرفأ".
الحجز على ممتلكات نائبين
على خط آخر، قال مصدر قضائي إن محكمة لبنانية أمرت، بالحجز موقتاً على ممتلكات عضوين بمجلس النواب متهمين بالتفجير، ومن المقرر الحجز على ممتلكات قيمتها نحو 3 ملايين دولار بموجب الأمر الذي سيتم إبلاغه رسمياً وفوراً للنائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل، اللذين وُجهت إليهما اتهامات في ديسمبر/كانون الأول 2020 في ما يتعلق بالانفجار.
ولم يتم الإعلان عن التهم تحديداً لأن التحقيقات سرية، لكن النائبين ينفيان ارتكاب أي مخالفة وامتنعا عن حضور جلسات الاستجواب، متذرعين بتمتعهما بالحصانة لعضويتهما في البرلمان.
وأعيد انتخاب زعيتر وخليل في انتخابات مايو/أيار 2022، ما أثار استياء أسر الضحايا.