بين الانقلاب العسكري الحاصل في السودان، وتواصل الحراك في شوارع المدن، تتعالى الأصوات للمطالبة بتجنب القمع والعنف، وبالإفراج عن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، غداة الانقلاب الذي نفذه قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
وتولّى البرهان السلطة بعد إعلانه، الإثنين، حل المؤسسات كافة وتوقيف وزراء ومسؤولين مدنيين، في انقلاب استنكره الغرب، فيما يواصل السودانيون الاحتجاج في الشارع على إخراج المدنيين من السلطة.
"حمدوك في منزلي"
وقال قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، الثلثاء، في خطاب اليوم الثاني بعد الانقلاب، إن "رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في بيتي وسيعود إلى منزله إذا أصبح الوضع آمنا".
الخطاب الثاني للبرهان، بعد انقلابه، أثار الجدل مثل خطابه الأول، إذ اعتُبر "إعلانا رسميا للانقلاب".
14 مدينة تعلن العصيان
مع تصاعد غليان الشارع السوداني، وتزامناً مع الدعوة إلى العصيان المدني، دعا تجمع المهنيين السودانيين إلى مواصلة التظاهرات، ونفذت 14 مدينة سودانية، عصيانا مدنيا شاملا، الثلثاء. وذلك بعد يوم من إعلان القائد العام للجيش السوداني، عبدالفتاح البرهان، حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء واعتقال عدد من الوزراء وقادة أحزاب سياسية.
وأفادت تقارير طبية بوقوع ضحايا بين قتلى وجرحى وسط المحتجين، نتيجة إطلاق القوات الأمنية الرصاص الحي على تجمعاتهم.
وفضلا عن العاصمة الخرطوم، فقد شهدت مدن عديدة تظاهرات مندّدة بما عدّته "انقلابا" نفذه الجيش بقيادة البرهان.
وعلى الرغم من أن حركة المواصلات من المدن السودانية إلى العاصمة، لم تتوقف، فإن وسط العاصمة الخرطوم يشهد توقفا شبه تام للحركة. في حين تنعدم مظاهر الحياة باستثناء افتتاح بعض المخابز والمتاجر أبوابها، أما محطات الوقود، إذ أغلق معظمها أبوابه نتيجة النقص الحاد في الوقود الذي تشهده البلاد.
ردود فعل دولية
وأعرب زعماء العالم عن قلقهم من تقارير استيلاء الجيش على السلطة في السودان.
وانضمت الولايات المتحدة إلى بريطانيا، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، الذي يضم السودان في عضويته، في المطالبة بالإفراج عن القادة السياسيين الذين يقبعون الآن قيد الإقامة الجبرية في أماكن مجهولة.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن اعتقال القادة المدنيين كان "غير قانوني" وأدان "الانقلاب العسكري المستمر"، مطالبا بموقف دولي رادع.
وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إن روسيا قلقة بشأن الموقف في السودان وتود أن ترى الوضع تحت السيطرة في أقرب وقت ممكن.
وأضاف بيسكوف "نحن قلقون بالتأكيد ونود التأكيد على ضرورة عودة الوضع إلى إطار العمل الدستوري في أقرب وقت ممكن، وندعو جميع الأطراف إلى التحلي بضبط النفس".
قلق من القمع
بدورها، حذّرت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ميشيل باشليت، السودان من خطر العودة إلى القمع.
وقالت "ستكون كارثة إذا تراجع السودان بعد أن أنهى أخيرا عقودا من الدكتاتورية القمعية".
وكان من بين من اعتقل رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، وزوجته، إلى جانب أعضاء حكومته وقادة مدنيين آخرين.
ولا يمكن الجزم، بالطريقة التي قد تستخدمها السلطة العسكرية الجديدة في السودان، لوأد تحركات الشارع. وفي حال تصاعدت الاحتجاجات واتسعت رقعتها، فإن المخاوف تتزايد من أن تلجأ السلطة، مقابل عدم تراجع الناس عن الاحتشاد، إلى استخدام العنف لتفريقهم.
انشقاق سفراء
وفي السياق، كشفت وزارة الثقافة والإعلام السودانية المنحلة، عن انشقاق 3 سفراء سودانيين وإعلانهم رفض الحوادث التي جرت في البلاد.
وقال بيان الوزراة: "نعلن انحيازنا التام إلى مقاومتكم البطولية التي يتابعها العالم أجمع، ونعلن سفارات السودان لدى فرنسا وبلجيكا وسويسرا سفارات للشعب السوداني وثورته".
يحدث ذلك، في ظل حالة انقسام واضحة في السودان، بين من يؤيدون حكم العسكر، ومن يؤيدون حكم المدنيين. ويسود الترقب الحذر في الساعات المقبلة، بشأن الاحتكام إلى الشارع من عدمه، وخطر المنذلق الذي قد تتسارع إليه الأمور.
هذا ويعاني منها المواطن السوداني، من أزمات معيشية مستفحلة، طاولت في الأيام الأخيرة رغيف الخبز، وسط اتهامات للمكون العسكري في الحكم، بأنه كان يرعى مثل تلك الأزمات، لتأليب الناس على الحكومة المدنية.