لا تزال أزمة سد النهضة تتفاعل بين مصر والسودان وإثيوبيا. ووزير الري والموارد المائية الأسبق، الدكتور محمد نصر الدين علام، يؤكد لـ "جسور" أن "مستقبل المفاوضات غير مبشّر".
رغم تصاعد التوترات السياسية والأمنية في السودان، فإن رد الفعل المصري كان وفق مراقبين على المستوى الرسمي "فاتراً"، وهو ما أثار تساؤلات بشأن القراءة المصرية لتطورات الأزمة الحالية لدى الجار الجنوبي، الذي يمثل عمقا إستراتيجيا، ويتشابك مع مصر في ملفات حيوية ومصيرية، على غرار أزمة سد النهضة الإثيوبي. فما هو مصير المفاوضات أمام هذا الواقع؟ وماذا عن احتمالات انهيار "سد النهضة"؟
مستقبل المفاوضات
لعل أبرز ما أكده وزير الري والموارد المائية السابق، الدكتور محمد نصر الدين علام، في حديث لـ "جسور"، أنّ "مستقبل المفاوضات كما يبدو حتى الآن غير مبشر"، لافتا إلى "أنّ حوادث السودان هامة جدا لمصر لأنها تمس أمنها القومي، لهذا تدرس القاهرة خطواتها وتصريحاتها بشكل حذر كون معظم القوى متواجدة فى السودان وتبحث عن مصالحها تحت مسميات الديموقراطية، والأمور الداخلية فى الخرطوم متعددة التوجهات".
وفي سياق حديثه، أشار علام، إلى أنّ الأمر يحتاج في الوقت الراهن إلى التريث لفهم أهداف التحركات الداخلية والاقليمية والدولية مع حرص شديد على الثوابت.
وعن مستقبل المفاوضات بشأن سد النهضة الإثيوبي في ظل الحوادث الجارية في السودان، أوضح علام لـ "جسور"، أن "مصر وإثيوبيا هما الأطراف المحورية حول أزمة السد، ولن تغيرا أيّاً من مواقفهما عقب الحوادث الأخيرة"، مشيرا إلى أنّ "كلًا من مصر وإثيوبيا حددتا مصلحتهما الأمنية والاقتصادية بصورة طويلة الأمد، وبالتالي لن يحدث تغيير، بسبب حدوث أي تغييرات بالسودان".
وأوضح علام أن الخطورة فى الأزمة السودانية الحالية تكمن في تعدد الأطراف المتداخلة فيها إيجابا أو سلبا، ومن ثم فإن الانقسام الداخلي أخطر من مواجهة أي مشكلة خارجية .
الأمن القومي المصري
في المقابل، شدد علام على التأثير المباشر للمتغيرات السودانية الراهنة على مصر، فمصر والسودان يمثل كل منهما عمقًا إستراتيجيًا للثاني، من منطلق الثوابت التاريخية والجغرافيا السياسية والروابط الحضارية، والجوار والحدود المشتركة.
وحذَّرت تقارير صحافية من تداعيات عدم الاستقرار في السودان، بما يؤثر بصورة مباشرة على مصر، سواء عبر تدفق اللاجئين والهجرة غير الشرعية وحدوث عمليات إرهابية، مشيرًة إلى أن أي توتر يخلق بيئة حاضنة للإرهاب الذي ينتقل إلى دول الجوار كما حدث في ليبيا من قبل.
وفي ضوء هذه المخاوف، يقول علام لـ"جسور"، إنّ "مصر حريصة على استقرار السودان، وتراقب الحوادث الراهنة بدقة، باعتبارها ذات تأثير مباشر على الأمن القومي المصري".
تهديد مشترك
التحسن المفاجئ بين القاهرة والخرطوم أخيرا، عزاه مراقبون إلى أنه يعود بطبيعة الحال لوجود تهديد مشترك يتمثل في الدور الإثيوبي والتعنت في أزمة سد النهضة، إضافة إلى تغير الإدارة السودانية وتولي الجيش الحكم، فاًصبح الشخصان سواء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وقائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، يمثلان القوات المسلحة بالبلدين، وهما أقرب لبعضهما خصوصا في ظل التحديات المشتركة التي يواجهانها.
وتعقيبًا على الإعلان الإثيوبي برفض تدويل ملف السد، توقعت مصادر أن تشهد الفترة المقبلة مزيدا من التصعيد الكلامي والتلويح بتحشيدات عسكرية على الحدود، ما يستدعي تدخل أطراف خارجية، واعتبرت المصادر أن خيار شن حرب شاملة أو قيام مصر بعملية عسكرية مباشرة في إثيوبيا هو أمر مستبعد لأن إثيوبيا قطعت شوطا كبيرا في بناء السد.
"انهيار" سد النهضة
وحذّر أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية المصري، الدكتور عباس شراقي، في تصريح سابق، من عواقب وخيمة في حال انهيار سد النهضة، مشيرا إلى أنه "في حال انهياره سيكون فناء للشعب السوداني الذي يعيش على النيل الأزرق، ولن يضار إثيوبي واحد".
وأوضح شراقي أن مخاطر انهيار سد النهضة فيها تكلفة على الدولة المصرية، لأنه إذا انهار السد ستكون مخاطره على السودان، وسوف تصل إلى السد العالي.
وأضاف، أن السد العالي قادر على تخزين 162 مليار متر مكعب، وبه مفيض توشكى، ويمكن توسعة هذا المفيض لتمرير مليار متر مكعب، حيث إن لدينا قناة جانبية للسد العالي لم يتم استخدامها حتى الآن.
وفي هذا الإطار، تابع وزير الري والموارد المائية المصري السابق، محمد علام، في حديثه لـ "جسور" قائلاً، "إن لم تنته القضية باتفاق قانوني للتشغيل والملء يضمن حقوق مصر المائية، ستزداد مخاطر تواجد السد وبقائه، عندها سنكون أمام كارثة حقيقية ستشكل خطرا كبيرا على مصر والسودان".