يُصادف تاريخ الإحتفال بعيد الجيش اللبناني في 1 أغسطس/ آب من كل عام، لكن هذا العام ليس كغيره من الأعوام، فمؤسسة الجيش تطفئ شمعتها الـ77 في وقت تئنُّ ألماً بسبب الحال الذي وصلت إليه البلاد.
رواتب العسكريين الذين باتوا يتكئون على المساعدات الموقتة، أصبحت بلا قيمة، خصوصاً مع جنون أسعار المحروقات، ما يضطر أغلب العناصر لممارسة أعمال إضافية خارج دوام الخدمة العسكرية لتأمين القوت اليومي.
ظروف صعبة
لكن بحسب العميد الركن خالد حمادة، انه "بالرغم من التسهيلات التي أعطتها قيادة الجيش للعناصر في هذا الصدد، إلّا أنهم لا يمكن أن يمارسوا المهن المتاحة إن لجهة نوعية الأعمال أو لجهة الإلتزام بالمهل التي تتطلبها هذه الأعمال الإضافية، وبالتالي، هم يرزحون تحت ظروف صعبة جدّاً".
وقال حمادة في حديث لـ"جسور"، "الأداء أصبح صعباً وجاهزية الجيش انخفضت بسبب تردي الوضع الاقتصادي، وعدم إمكانية العمل على مدار الأيام كما كان الحال سابقاً، وارتفاع نسبة البطالة والفقر والجريمة في المجتمع اللبناني"، مؤكداً أنه "لا يمكن الفصل بين معاناة العسكريين والمجتمع ككل، لكن معاناة أخرى تضاف إلى ما يعانيه الجيش وهي ما تتطلبه مهمته الحساسة في هذه الظروف من دقة وحكمة ومناعة وطنية".
ووفق العميد، فإن "مؤسسة الجيش تواجه تحديات مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بالوضع الصعب الذي يعيشه لبنان، ما يحمّلها مسؤولية الحفاظ على المستوى المعنوي والإستقرار الإجتماعي للجنود من جهة، ومسؤولية الحفاظ على جاهزية الجيش بالرغم من تردي الوضعين الإجتماعي والسياسي من جهة أخرى، إضافة إلى التحديات الأمنية الإضافية التي ولّدها ارتفاع نسبة الجريمة بسبب الوضع الاجتماعي، وتردي الوضع السياسي الذي أدّى إلى ارتفاع مستوى الحساسيات الطائفية والسياسية ما جعل الجماعات السياسية في لبنان والطائفية في حال من الإستنفار والتوتر الدائم".
تحديات جمة
وتابع، "كذلك هناك تحديات يواجهها الجيش بسبب السقوط السياسي للسلطة، ما يجعل الغطاء السياسي غير متوفر، وتحديات أخرى على المستويين الإقليمي والدولي وتردي علاقات لبنان مع كل الدول لا سيما الصديقة والشقيقة منها في العالم العربي، وكون الجيش هو جزء من الدولة، فإذا انتكست علاقات الأخيرة بالدول الصديقة، سيؤثر ذلك حتماً على الجيش وموقعه".
كما أشار إلى أن "المؤسسة العسكرية تمكنت بالرغم من كل ما يحيط بلبنان من ظروف استثنائية من الاستمرار بإتمام مسؤولياتها الأمنية"، مضيفاً، "رأينا الجيش كيف استمر بتنفيذ عمليات حفظ الأمن في المناطق اللبنانية وبمداهمة أوكار الإرهاب وشبكات التهريب ومصانع الكبتاغون، وهو يحاول التعويض عن التقصير الذي تسببت به السلطة السياسية في لبنان التي لم تتمكن من الإجابة على مجموعة أسئلة أثارتها دول صديقة بعد محاولة تمرير مخدرات من الأراضي اللبنانية إلى أراضيها، ما اضطره أن يرد عليها بأدائه الأمني".
ولفت حمادة إلى أن "المؤسسة العسكرية في لبنان لا تستطيع إلّا أن تكون في هذا الموقع، فهي المؤسسة التي لا يمكن أن تهتز بنظر اللبنانيين، ويجب أن تكون دائماً على مستوى آمالهم، بالأخص وأنه بعد الإنهيار السياسي والإقتصادي لم يبقَ إلّا الأمن كصمام أمان".
ورأى أنه "إذا استمرّت الأوضاع بالتراجع، ذلك سيلقي على الجيش مسؤولية القدرة على الاستمرار في حماية نفسها والمجتمع اللبناني والمثابرة في ظل غياب السلطة".
الحظوظ الرئاسية
من جهة أخرى، أكد حمادة أن "قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون على رأس المؤسسة، وبالتالي نجاحها هو دليل على نجاحه وتحمل القيادة لمسؤولياتها، وفي هذا المجال لا يمكن إلّا تقييم كل جهد تقوم به مؤسسة الجيش من قائدها إلى كل ضباطها وجنودها، ولا بد من تقييم هذا الدور عالياً فمؤسسة الجيش تقدم نموذجاً استثنائيا في عملية تماسكها، بالرغم من انفراط عقد كل المؤسسات في لبنان وسيطرة حالة من اللامسؤولية التي تقارب أحيانا الهمجية السياسية والتراخي والتحلل الذي يواجه باقي المؤسسات".
والعماد جوزيف عون هو من الأسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية اللبنانية، وهو يحظى بقبول من الدول الغربية والعربية بسبب علاقته الجيدة معها فهو استطاع الحفاظ على استقرار المؤسسة العسكرية مع مرور لبنان بواحدة من أسوأ أزماته الاقتصادية والسياسية، كما أنه تمكّن من الحصول على دعم مالي خارجي للمؤسسة.
لكن ثمة عقبات قد تواجه ترشيحه، وعلى رأسها رفض بعض القوى السياسية له وخصوصاً التغييريون، الذين يرفضون انتخاب عسكري لهذا الموقع بعد التجارب السابقة مع رؤساء من السلك العسكري، آخرهم الرئيس الحالي ميشال عون، ومن سبقه وهما الرئيسان ميشال سليمان وإميل لحود، والثلاثة كانوا قادة للجيش.
ويبلغ عديد الجيش اللبناني 74 ألفاً، وفي عام 2017 اتخذ قرار بوقف التوظيفات في القطاع العام، إلا أنه وبإطار "التوظيفات العشوائية غير القانونية"، التي سبقت الانتخابات النيابية عام 2018 تم توظيف نحو 5 آلاف عنصر أمني معظمهم في المؤسسة العسكرية.