"هو جبران... جبران تويني... الى أبد الآبدين دفاعًا عن لبنانه العظيم"، هو الذي حمل شعلة الشباب نبض الوطن، هو الصحافي الثائر الدائم، حارب بقلمه من أجل الحقيقة والكلمة الحرّة واوصله حبّه للبنان الى الاستشهاد، اغتالته يدُ الإجرام في 12 ديسمبر/كانون الأول 2005 ولكن صوته لا يزال يصدح.
في ذكرى استشهاده الـ17، أصبح لبنان أرضا مهجورة، مُتفجّرة، منهوبة، بلا سيادة ولا استقلال وكلّ الشياطين تحكُمه. ان كان جبران بيننا اليوم، ماذا كان ليقول أمام الذي يحصل؟ وهل الوصول الى العدالة في عمليّة اغتياله أبعد اليوم ممّا كان عليه من قبل؟
قضيّة جبران .. هل ذهبت معه؟
تقول ميشيل عضو مجلس إدارة ومدير عام مساعد في جريدة النهار ابنة الشهيد جبران تويني في حديث لـ"جسور" ان جبران تويني استشهد من أجل لبنان وقضيّته الذي استشهد من أجلها هي أن يكون لبنان بلدا حقيقيا ولديه مكوّنات دولة، وجيش موحّد له حصريّة السلاح في الدفاع عن نفسه، أن يكون لبنان بلدا حرّا مستقلّا وسيادته على كامل الأراضي اللبنانيّة"، وتشير الى أن "القضية لا زالت قائمة فهذا نضالنا جميعا وقضيّتنا وجبران لا زال حاضرًا بأفكاره ومقالاته وخطاباته إلا ان القضيّة التي استشهد من أجلها بعيدة كل البعد اليوم، فكم كنّا بعيدين في عام 2005، أصبحنا اليوم أبعد من تلك الفترة بالانهيار الشامل الحاصل في كل مؤسسات الدولة فضلا عن انهيار القضاء ومبدأ حصريّة السلاح وغياب السيادة والاستقلال الحقيقيين وغياب الدولة في بلد منهار اقتصاديًّا، وفي عاصمته نيترات امونيوم انفجرت وقتلت سكّان بيروت، وكل هذا الوضع يدلّ على أن قضيّة جبران لم تتحقّق وأننا بعيدون كل البعد عنها".
عدم الوصول للعدالة.. "مقصود"
وأكّدت ابنة جبران أن عدم الوصول الى العدالة في عمليّة اغتياله "مقصود وهناك جهات لبنانيّة معروفة عطّلت التحقيق، ورقة واحدة وأُغلق الملفّ، ولا نيّة في التحقيق والأشخاص الذين عطّلوه هم المتورّطون بالجريمة".
وتعتبر ميشيل انه "طالما ان هناك هكذا أشخاص يحكمون البلد فلا عدالة، لا في تفجير 4 آب/ أغسطس، ولا في اغتيال لقمان سليم (الباحث والناشط اللبناني المُعارض والذي عُثر عليه مقتولا رميا بالرصاص في جنوب لبنان سنة 2021) ، ولا في اغتيال سمير قصير (الصحافي المعارض للنظام السوري والاستاذ في التاريخ الذي استُهدف في الأشرفية في بيروت سنة 2005) ولا في اغتيال جبران تويني ولا في اغتيال كلّ الشهداء لأن الفاعل هو الذي يُعطّل القضاء".
لو كان بيننا اليوم..
"لو كان جبران بيننا اليوم ولو مهما حصل لما كان يئس" تقول ميشيل وتُضيف: "كان لديه قوّة بإعطاء الأمل ان كان على الصعيد الشخصي أو المهني، فهو الأمل والحياة، النور والقيامة، وهو تعرّض للكثير من الصعوبات في حياته العائليّة والمهنيّة وبالرغم من ذلك كان دائما يبتسم ودائما ايجابيا." وتؤكد أنه "مهما كنّا في فترة صعبة، لكان أعطى جبران الأمل وألهم الشباب وكان ليقول لهم ألا يستسلموا حتى لو الكلام أسهل من الفعل ولذلك استشهد، لأنه آمن بقضيّته لآخر نفس".
لن ننسى
ومن الجمل الأحب الى قلبها هي التي ردّدها جبران: "لا تنسوا شهداءكم كي يبقى لكم وطن ومستقبل" وتقول: "اليوم بذكرى استشهاده هي من أحلى الجمل كي لا ننسى جبران وكل الشهداء لأن الذي ليس لديه ذاكرة، ليس لديه مستقبل والذي ليس لديه ماض ليس لديه حاضر والذي لا يذكر شهداءه، لا يمكنه أن يبني وطنا حقيقيا".
العدالة.. ما الرهان؟
بدوره، وبعد سؤاله عما اذا كان الوصول الى العدالة في قضية اغتيال جبران تويني اليوم أبعد مما كان عليه من قبل، يعتبر نائب رئيس التحرير في صحيفة "النهار"، الصحافي والمحلّل السياسي نبيل بو منصف في حديث لـ"جسور" انها أصبحت أبعد إنما هي أصلا لم تكُن قريبة منذ أيام النظام اللبناني – السوري وبعد انسحاب السوريين وكل الملابسات التي حصلت، وباستمرار حرب الاغتيالات دون ردع وبعدم تحقّق اي تقدّم بأي ملفّ منها، لم نكن نتوقّع من قبل الوصول الى العدالة واليوم نحن بقناعة بأنه لن يكون هناك أي امكانيّة في تحقيق العدالة قبل قيام دولة جديدة حقيقيّة في لبنان وبكلّ المعايير".
ويوضح أن "الدولة الجديدة تبدأ بالقضاء واذا لم يتعرّض القضاء لإصلاح جذري بواقعه وبمفهوم تطبيق العدالة لناحية الأجهزة الأمنية للدولة والثقافة السياسية التي تصل الى رجال الحكم فسيكون مستحيلا أن ننتظر تحقيق العدالة القضائية في ملفّ جبران وشهداء حرب الاغتيالات". ويقول: "الشهداء اغتيلوا بظروف معروفة ومكشوفة ولكن لا يوجد في أي ملفّ من ملفهم قُصاصة ورق". وسأل: فعلى ماذا الرهان قبل ان يكون هناك دولة حقيقيّة؟ لا رهان على هذا الأمر".
ويعتبر بو منصف ان"كل الذي استشهد لأجله جبران وقُتل من أجله، لم ينته إنما عاد وتفاقم"، ويقول: صحيح ان الوصاية السورية المباشرة انتهت فإذ بنا ننتقل الى وصاية طرف داخلي يحمل السلاح ويستقوي به ويُهيمن على الدولة كلّها مع أطراف حلفاء.
الكفّ الثاني والأخطر.. الاستسلام
ويرى بو منصف ان "السيادة معدومة وربط القرار الوطني بأطراف خارجيين أسوأ من السابق والأهم الانهيار الأخلاقي والمبدئي الحاصل في ممارسة السلطة والسياسة أما الكفّ الثاني والأخطر والذي بدأت معالمه تظهر في السنوات الأخيرة هو استسلام الناس أمام الوضع ونبض الاحتجاج والانتفاض والثورة، الذي كان يُجسّده جبران تويني، يخفّ. ويقول: "الذي ذهب من أجله جبران لم يتحقّق بعد إنما تراجع ولكننا لن نيأس لأننا مؤمنون".
ويختم قائلا: "الأكيد أننا في خيبة كبيرة جدا وخذلان كبير أمام ذلك، والخوف من هجرة الشباب، الشباب الذي كان كل ما ينادي من أجله جبران، أكبر وأخطر مما كان عليه ابان سنوات الحرب".