قبل يوم واحد من الذكرى السابعة لتدخل التحالف العربي الذي تقوده السعودية عسكريا في اليمن، شنّ الحوثيون سلسلة هجمات على المملكة، أسفرت عن اندلاع حريق هائل في منشأة نفطية لشركة أرامكو في مدينة جدة، تمكن التحالف بقيادة الرياض من السيطرة عليه.
وبحسب الأكاديمي والباحث السياسي السعودي، الدكتور نايف بن خالد الوقاع، "هذه الهجمات ليست جديدة على الحوثيين ومن يدعمهم بمستوى الحقد والعداء الصارخ، وعلى من استهدف مكة المكرمة ودمّر مدارس القرآن الكريم في صعدة واستحلّ المحرمات وسفك الدم اليمني وارتهن لولاية الفقيه، لا زلنا نتوقع منه الكثير".
وقال الوقاع في حديث لـ"جسور"،"لا شك أن الإعتداء على منشآت أرامكو يحمل رمزية محددة تتقاطع مع التمني الأميركي والأوروبي بأن تقوم السعودية بضخ المزيد من البترول لضرب الإقتصاد الروسي، وهذا ما لم تستجب له المملكة".
وتابع: "ما حصل يتماهى مع جزء من أهداف من يزعمون بأنهم يتعرضون لهجمات أميركية وإسرائيلية من جهة، لكنهم يخدمون التوجه الاميركي البريطاني الإسرائيلي الأوروبي من جهة أخرى".
ممارسات غير مسؤولة
ولفت الوقاع إلى أن "السعودية هي العبء الأكبر بالنسبة لهم في قضية الإمدادات النفطية على مستوى العالم، من حيث عمليات ضخ النفط والإنتاج ونقله وحمايته وتأمين مروره عبر المضائق كمضيق هرمز أو باب المندب أو حتى في باقي أجزاء بحر العرب".
وأضاف: "بالتالي، ان القوات البحرية السعودية تحملت الجزء الأكبر من هذا الموضوع، والدليل على ذلك أنه تم اعتراض وتدمير عدد كبير من الزوارق المفخخة الإيرانية، وسجل العالم اعتداءات حوثية على حركة الملاحة في البحر الأحمر وأخرى إيرانية في بحر العرب، ما يثبت أننا أمام ممارسات غير مسؤولة تريد أن تزيد معاناة العالم".
وبالنسبة للإجراءات التي سيتم اتخاذها، قال الوقاع، "لا شك أن التحالف العربي والسعودية لديهما معطيات كثيرة واعتبارات معينة للرد، إلّا أنهم لن يلجأوا للردود المتسرعة أو الإنتقامية غير المدروسة".
وتابع: "في اعتقادي، ان التحالف إذا أراد أن يكون فعلاً مؤثرا في عملياته الأخيرة، عليه أن يقوم بتدمير ميناء الحديدة تدميراً كاملاً أو الإستيلاء عليه وإخراج الحوثيين منه واستعادته، كذلك إخضاع عمليات الامم المتحدة في اليمن إلى الرقابة".
ورأى أن "الامم المتحدة دورها بات مشبوهاً، وهي متواطئة بتسهيل دخول الاسلحة إلى الجماعات الإرهابية الحوثية، وذلك بتقصيرها في عملية تفتيش السفن بحسب البروتوكولات المتفق عليها، وبتخاذلها في تطبيق قرارات مجلس الأمن التي اتُّخذت تحت الفصل السابع، وبالتالي نحن أمام نقطة تحول كبيرة في المنطقة".
وختاماً، أكد الوقاع أن "الرسالة ستكون قاسية ومؤلمة للحوثيين وإيران، فالسعودية قوية وتستطيع الدفاع عن مكتسباتها، لكن على الحكومتين الأميركية والبريطانية أن يدركا أيضاً أن المملكة ليست مسؤولة عن تأمين الرفاه لشعبيهما ليقوموا بشراء النفط بأسعار متدنية".
يُذكر أنه عقب استهداف منشآت "أرامكو" السعودية، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت، لتسجل عند التسوية 120.65 دولاراً للبرميل الواحد، فيما ارتفعت العقود الآجلة للنفط الخام الأميركي 1.56 دولار (1.39%) وسجلت عند التسوية 113.90 دولار للبرميل الواحد.
استهداف أرامكو
وأعلن الحوثيون على لسان المتحدث باسمهم يحيى سريع "استهداف أرامكو جيزان ونجران بأعدادٍ كبيرةٍ من الطائرات المسيرة واستهداف أهدافٍ حيويةٍ وهامةٍ في مناطق جيزان وظهران الجنوب وأبها وخميس مشيط بأعدادٍ كبيرةٍ من الصواريخ البالستية".
وفي وقت لاحق، قال التحالف بقيادة السعودية الجمعة إن محطة توزيع المنتجات البترولية التابعة لأرامكو في جدة تعرضت لهجوم وتمت السيطرة على حريق شب في خزانين بالمنشأة النفطية.
وجاء في بيان للتحالف انه لم تقع خسائر بشرية نتيجة الهجوم الذي شنته جماعة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران.
تنديد أميركي
من جهتها، نددت واشنطن بالهجمات على السعودية وقالت إنها تواصل العمل مع الرياض لتعزيز دفاعاتها في الوقت الذي تعمل فيه من أجل حل دائم للصراع في اليمن.
وقالت نائبة المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية للصحفيين، جالينا بورتر، إن "الهجمات غير مقبولة وتؤثر أيضا على البنية التحتية السعودية فضلا عن المدارس والمساجد وأماكن العمل".
وتأتي هذه الهجمات في توقيت تسجل فيه أسعار النفط ارتفاعا كبيرا على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ في 24 فبراير/ شباط، كما أن الإمدادات العالمية تشهد اضطرابات من جراء العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.
وتسبب هجوم للحوثيين على المملكة في مطلع الأسبوع الماضي في انخفاض موقت في الإنتاج في مصفاة وحريق في محطة لتوزيع المنتجات البترولية. وفي 11 مارس/ آذار استهدف الحوثيون مصفاة في الرياض مما أدى إلى اندلاع حريق محدود.
هجمات تخريبية
وكانت وزارة الخارجية السعودية قد أصدرت بيانا جاء فيه أن المملكة "تعلن أنها لن تتحمل مسؤولية أي نقص في إمدادات البترول للأسواق العالمية في ظل الهجمات التي تتعرض لها منشآتها النفطية من قبل جماعة الحوثي المدعومة من إيران".
واعتبرت الوزارة أن "هذه الهجمات التخريبية تشكل تهديداً مباشراً لأمن الإمدادات البترولية"، وحضّت المجتمع الدولي على "الوقوف بحزم" ضد هجمات المتمردين التي قد تؤدي إلى "التأثير على قدرة المملكة الإنتاجية وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها".
وأدى الهجوم الذي استهدف الأحد مرافق "شركة ينبع ساينوبك للتكرير" (ياسرف) في غرب المملكة إلى "انخفاض مستوى إنتاج المصفاة بشكلٍ موقت"، على ما أعلنت وزارة الطاقة السعودية الأحد.
وأشارت الوزارة إلى أنه سيتم "التعويض عن هذا الانخفاض من المخزون" من دون أن تحدد كمية الإنتاج التي تسبب الهجوم في توقفها. واتهمت وزارة الخارجية السعودية مجددا إيران بمواصلة تزويد الحوثيين بالمسيّرات والصواريخ، داعية المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته.
ومنذ بدء الأزمة في أوكرانيا تحض الدول الغربية منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" بقيادة السعودية على زيادة إنتاجها، لكن المملكة لم تلب هذا المطلب وقررت المضي قدما في تنفيذ تعهدات قطعتها لمجموعة أوبك بلاس التي تضم روسيا، ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم.