مع اقتراب موعد الإستحقاق الإنتخابي في لبنان، بدأ الترويج لسيناريو "حدث أمني كبير قد يطيّر الانتخابات"، وبالرغم من أن غالبية السياسيين والمرشحين والمواطنين قاموا بتجاهله، إلّا أن لعنة ما أصابت اللبنانيين منذ ذلك الحين.
تسارعت وتيرة الأحداث المشؤومة منذ ارتفاع سعر صرف الدولار إلى أكثر من 27 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد وارتفعت معه أسعار المحروقات وجميع أنواع السلع، ولم يمرّ بعدها يوم واحد من دون أن تطارد المآسي اللبنانيين.
واكتملت مظاهر اللعنة مع وفاة عدد من اللبنانيين قبالة ساحل طرابلس غرقاً، بعدما فضلوا الموت في قعر البحر على الموت في قعر جهنم، ورافق هذه الحادثة احتجاجات غاضبة وإشكالات وحوادث إطلاق نار في طرابلس، ومحاولات ذر الرماد في العيون وإدخال طابور خامس على العلاقة المتوترة بين بعض أبناء طرابلس والجيش اللبناني، الذي حُمّل في بادئ الأمر أحد ضباطه مسؤولية ما حصل.
ومن طرابلس إلى صور في جنوب لبنان، حيثُ قرر "مجهولون" اللعب بأمن البلاد، وأطلقوا صاروخا من المنطقة الواقعة بين بلدتي القليلة - المنصوري، في اتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأعقب هذه العملية رد إسرائيلي، حيث أطلقت مدفعية العدو الإسرائيلي عشرات القذائف من عيار 155 ملم مستهدفة مناطق متفرقة في جنوب لبنان وتحديدا في وادي عين الزرقاء الواقعة بين بلدتي طيرحرفا وعلما الشعب ومنطقة وادي حسن بين بلدات شيحين وزبقين ومجدلزون والمنطقة الواقعة بين بلدتي ياطر وزبقين إضافة إلى منطقتي حامول ووادي الرب غرب طيرحرفا".
وتزامن ذلك مع تحليق للطيران المعادي فوق الحدود اللبنانية - الاسرائيلية، مع غارات وهمية ليعود الهدوء الحذر إلى أجواء المنطقة بعد الرابعة فجرا".
وفي حادث منفصل، أطلق مجهولون النار واستخدموا قذائف صاروخية في بلدة الخضر البقاعية، لتفرقة الجماهير المؤيدة لبرنامج رئيس لائحة "بناء الدولة" الشيخ عباس الجوهري (المعارض للثنائي الشيعي)، الذي كان يقوم بجولة إنتخابية في المنطقة.
ووقع إشكال أيضاً في مكتب المرشح عباس ياغي في مدينة بعلبك، ما أدى إلى إصابة أحد الاشخاص بطعنة سكين في خاصرته، وإشكال آخر في المهرجان الانتخابي الذي أقامه المرشح للانتخابات النيابية في دائرة الشمال الثانية عمر حرفوش.
الانتخابات على المحك
لكن كل هذه الأحداث التي تثبت أن البلاد باتت على كف عفريت، بحسب الصحافي اللبناني جورج شاهين، "لا علاقة لها بالتحضيرات الانتخابية، وأي طرف يحاول أن يستغل في هذا الإتجاه سيلقى الفشل"، معتبراً أننا "لا زلنا بانتظار إعلان أي طرف مسؤوليته عن الصواريخ التي أُطلقت من جنوب لبنان، وطالما لم يعلن أحد عن مسؤوليته سيبقى الشك قائماً"، سائلاً "من يحسم بأنه ليس حزب الله الذي أطلقها ردّاً على ما يجري في غزة؟ وهل تتكرر تجربة صواريخ بكيفا التي حصلت قبل فترة؟"
وتابع: "لكن من جهة أخرى، الانتخابات النيابية على المحك وخطر تأجيلها أو تطييرها سيبقى قائماً حتى فتح صناديق الإقتراع، لأننا جميعنا ندرك أن مجلس النواب تنتهي ولايته ليل 21 - 22 مايو/ أيار، وجاء تحديد موعد 15 مايو/ أيار لإجراء الانتخابات ليكون آخر المهل المعتمدة، بحيثُ أن أي إشكال ممكن أن يؤدي إلى تطيير الانتخابات، عدا عن ذلك من الواضح أن هناك نية لدى البعض بالتأجيل التقني للإنتخابات حتى سبتمبر/ أيلول المقبل وهو ما رفضته كتل نيابية وازنة".
ولفت إلى أن "استقالة كتلة نواب المستقبل ستكون فور صدور مثل هكذا قرار، وقد تلحق بها كتل أخرى ونواب مستقلون مما سيؤدي إلى شل عمل مجلس النواب واعتباره مجلسا غير شرعي، وذلك يفتح الباب على أفق جديدة مليئة بالمخاطر وفق الدلائل الآتية: ليل 21 - 22 يونيو/ حزيران، مجلس النواب سيفقد شرعيته باستقالة معظم النواب، والحكومة ستكون بمرحلة تصريف الأعمال وستتحول كل الأنظار إلى قصر بعبدا، ولا أحد يدري كيف سيتصرف رئيس الجمهورية في مثل هذه الحالة".
وأشار شاهين إلى أنه "من المؤكد أن المرشحين والأحزاب سيعملون على الانتخابات وكأنها ستجري غدا، فليس هناك أي طرف على الساحة اللبنانية تجرأ ليدعو إلى تأجيل الانتخابات أو إلغائها"، مضيفاً، "كما لا أعتقد أن هناك على الساحة اللبنانية من لا يريد للإنتخابات أن تحصل، فبرأيي القرار بتطيير الانتخابات أو تأجيلها هو محصور بأمرين لا ثالث لهما: إما واشنطن لا تريد الانتخابات ولن يكون صعبا عليها تطييرها، وإما طهران لا تريد الانتخابات وهي قادرة أيضا على تطييرها عبر أدواتها في لبنان".
ولفت إلى أن "هناك حسابات إقليمية ودولية تتصل بمواقع قوى الطرفين على الساحة الإقليمية والدولية، وهناك مواجهة لا يستهان بها بين الدولتين في فيينا على مستوى المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني، وإيران تطالب بإحياء اتفاقات سرية كانت قد عقدتها مع الرئيس باراك أوباما قبل الاتفاق النووي الذي خرج منه الرئيس دونالد ترامب.
بروتوكولات سرية
وتابع: "هناك بروتوكولات سرية جرى التفاهم عليها بين واشنطن وطهران، والإيرانيون يريدون تجديدها، ويعلمون اليوم أن الرئيس جو بايدن يدرك ذلك ويعرف أهمية وخطورة هذه الإتفاقات التي فرّغت جزءا من التفاهم الأساسي الذي عقد في فيينا في حينه، لكن حتى الآن لا يبدو أن الرئيس بايدن قد يقبل بهذه العروض".
ورأى شاهين أن "الجولة الخامسة من المفاوضات التي عقدت الأسبوع الماضي بين الوفدين الإيراني والسعودي في بغداد هي محطة مهمة، وأهميتها تكمن في أنها تأتي لرعاية التحضيرات الجارية لإتفاق يجري تحضيره لليمن، وبات معلوما أن استقالة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وتفويض السلطة في اليمن إلى مجلس قيادة يمني هو تحضير لمفاوضات تجري مع الحوثيين للمرة الأولى، كما أنه للمرة الأولى طهران مستعدة للتفاهم مع الرياض للضغط على الحوثيين للتوصّل إلى تفاهم في اليمن، وهو ما كشفه وزير خارجية إيران أثناء جولته الأخيرة في المنطقة، ولذلك سيُطلب من حزب الله تغيير استراتيجيته في هذا الموضوع، والتماشي مع التوجه الإيراني الجديد، إن قررت طهران التفاهم مع الرياض".
واعتبر أن "الدليل قد يكون صدر من الرياض قبل أيام قليلة عندما أُعلن عن مضاعفة عدد الإيرانيين المسموح لهم بالحج هذا العام في المدينة المنورة في مكة، وقد يكون هذا القرار السعودي من أولى بوادر قرار السعي إلى التفاهم بين الرياض وطهران وهو بالطبع سينعكس على الساحة اللبنانية بشكل خاص قبل غيرها من الساحات، فلبنان ضحية لعبة المحاور ولم يكن يوما خارج هذا الإطار".
وأكد شاهين أن "الخطر الحقيقي هو عندما اقتيد لبنان ليكون ساحة ملحقة بالساحة السورية أو اليمنية، وهذا الدور الذي لعبه حزب الله من خلال تورطه في حرب اليمن بعد حرب سوريا، فحتى الامس القريب كان لبنان بمنأى عن كل ما يجري في محيطه وكانت بحور الدم تجري في سوريا ولبنان ينعم بالإستقرار".
وتابع: "هذه أهداف سياسة النأي بالنفس التي حافظ عليها رؤساء الجمهورية السابقون وخصوصاً الرئيس ميشال سليمان، عندما تم التوصل إلى إعلان بعبدا وتقرر اعتماد هذه السياسة، قبل أن يلحق حزب الله الساحة اللبنانية بالساحتين السورية والعراقية ثم بالساحة اليمنية".