في إطار المساعي الحكومية لمواجهة أزمة الكهرباء الخانقة في العراق وحل مشكلة انقطاع الكهرباء المتكرر، بدأت السلطات العراقية المعنية تتحرك خلال السنوات الأخيرة نحو الطاقة البديلة أو ما يعرف بالمتجددة لمعالجة أزمتها المزمنة.
وعلى الرغم من أن العراق غني بالموارد الطبيعية ويمتلك خامس احتياطي من النفط عالمياً، إلا أنه يعاني منذ أكثر من 3 عقود من تراجع الأداء في كفاءة المنظومة الكهربائية والتي غالباً ما تكون سبباً في اندلاع الاحتجاجات الغاضبة وخصوصا خلال موسم الصيف.
تفاصيل مبادرة المركزي
وفي التفاصيل، وقّع محافظ البنك المركزي العراقي، مصطفى غالب مخيف الإعمام المرقم 1 في 2022/1/3 الخاص بالضوابط التي ستتيح للمواطنين والمؤسسات المختلفة شراء منظومات الكهرباء المتولدة من الطاقة المتجددة ضمن موارد مبادرته من خلال المصارف.
وتأتي هذه المبادرة، انسجاماً مع توجهات الدولة للالتزام بمقررات مؤتمر باريس للمناخ، إذ أطلق البنك المركزي مبادرته للتحول إلى الطاقة النظيفة ضمن هذا الإطار، حيث تشكلت لجنة رأسها نائب المحافظ، ضمّت في عضويتها ممثلين عن وزارتي البيئة والكهرباء والجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية، فضلاً عن ممثلي القطاع الخاص من الخبراء والمستثمرين.
سوء إدارة
وتعليقا على إصدار البنك المركزي ضوابط تمويل منظومات توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة، بيّن الكاتب والمحلل السياسي العراقي، علي البيدر، في إتصال مع "جسور"، أنّ معضلة الطاقة بشكل عام في العراق هي بسبب سوء الإدارة والإستخدام، متحدثاً عن خصوصية في موضوع الكهرباء وهي إنخفاض تكاليف رسوم التيار الكهربائي، الأمر الذي أدى إلى إستغلاله من قبل المواطن الذي يقوم بتشكيل جميع الأجهزة من دون ترشيد، كون الكهرباء في العراق تقريبا شبه مجانية من قبل الدولة.
لذلك يقول البيدر إن الخطوة التي إتخذها البنك المركزي يمكن أن تعالج أزمة الكهرباء لكن بشكل هامشي، مؤكدا أن أزمة الكهرباء في البلاد لا يمكن أن تتحسن ما لم يتم منحها لشركات إستثمارية على مستوى التوزيع، وبالتالي نستطيع أن نحقّق الترشيد اللازم للكهرباء إضافة إلى الموارد التي ستقدمها للدولة كما الزيادة المتوقعة في نسبة الإنتاج.
ويتطلع العراق إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة من إجمالي الطاقة المنتجة مع نهاية هذا العقد، وذلك لمعالجة مشكلات الإمداد وتحقيق الأهداف المناخية، ويتميز العراق الذي انضم هذا العام إلى اتفاقية باريس للمناخ، بحسب الخبراء بأن لديه أعلى مستويات الإشعاع الشمسي في المنطقة.
خطوات جديّة
وكان العراق قد تحرك أخيرا، نحو توقيع مشاريع واتفاقيات مع شركات عالمية لإنتاج نحو 7.5 ميغاوات من الطاقة المتجددة إلا أن أغلبها يحتاج إلى نحو 6 سنوات حتى تدخل فعلياً في رفد شبكات المنظومة.
وعن هذا الشأن، رأى الباحث في الشأن السياسي والإقتصادي، نبيل جبار العلي، أن مبادرة البنك المركزي العراقي الحالية تأتي إستكمالا لقرارات سابقة أصدرها المركزي ودرسها مع كل من وزارتي الصحة والبيئة، لافتا في حديث لـ"جسور"، إلى أنّ هذه الدراسة التي بدأت من شهر يونيو/ حزيران الماضي رشحت عنها مجموعة من القرارات في سبتمبر/أيلول المنصرم.
وحاليا، يحاول البنك المركزي بحسب العلي، البت بخطوات جديّة في قضية منح قروض خاصة بالطاقة المتجددة، مرجّحا أن لا تتعدى قيمة مجموع القروض التي يمكن أن يمنحها المركزي 3 تريليون، وفي الحقيقة لن تشكل أكثر من إنتاج مجمل المنظومات التي ستكون أكثر من الألف ميغا، وهي تمثل بحدود 5 بالمئة من الإنتاج الحالي المقدّر بـ 20 ألف ميغاواط .
تكاليف باهظة
بدوره، أكد الأكاديمي والخبير الإقتصادي، عبد الرحمن نجم المشهداني، أنّ قطاع النفط المسبّب الاول للتلوث في العراق وليس إنتاج الكهرباء، كون البلاد تحوّلت في إنتاج معظم محطاتها إلى إعتماد الغاز بدلا من النفط الخام في توليد الطاقة الكهربائية والدليل على ذلك استيراد بغداد من طهران.
المشهداني وفي حديث لـ"جسور"، أوضح أنّ موضوع إعتماد المنازل على الألواح الشمسية لإنتاج الطاقة لا يزال غير مجد، فالتكاليف لا تزال مرتفعة ومتوسط إستهلاك المنازل اليومي يبدأ من 10 إلى 15 أمبير عدى عن إستخدام الطاقة الكهربائية في التدفئة والتبريد، وعندما يتم إستخدام أجهزة التكييف يرتفع إجمالي إستهلاك المنازل العراقية من 35 إلى 50 أمبير.
وعن مبادرة البنك المركزي قال المشهداني إنها تتحدث عن عروض محدودة التأثير لإنشاء منظومات بـ 5 أو 10 أمبير، وهي فقط للإنارة وهذا غير كاف.
إتفاقيات وبرتوكولات دولية
وواجهت البلاد مطلع يوليو/تموز الماضي، أزمة توفير الطاقة بعد هجمات منظّمة استهدفت أبراج نقل الطاقة في عدد من المحافظات، وسبّبت انهياراً كاملاً للمنظومة الكهربائية في البلاد، دفعت الحكومة إلى تكليف قوات الجيش مهمة حماية الأبراج.
المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية، أحمد العبادي، يقول إن العراق يطمح من خلال مشاريع الطاقة النظيفة إلى تحقيق 7 آلاف و500 ميغاوات كمرحلة أولى.
وذكر العبادي أن وزارة الكهرباء أبرمت اتفاقيات وبرتوكولات دولية عدة لإنجاح المشروع الحكومي الخاص بالطاقة الكهربائية ومن بينها التعاقد مع شركة "بور شاينا" الصينية، وشركة "توتال" الفرنسية لتزويد الشبكة الوطنية بألف ميغاوات، إضافة إلى التعاقد مع شركة "مصدر" الإماراتية لتزويد 4 محافظات عراقية بألف ميغاوات كمرحلة أولية ومن ثم الانتقال الى محافظات أخرى.
وأخيرا، وقّعت وزارة الكهرباء العراقية مع شركة (Ascot) النرويجية اتفاقا لإنشاء محطات كهروشمسية بطاقة 525 ميغاوات بحسب العبادي.
ومع أن العراق انفق أكثر من 80 مليار دولار على تحسين وضع الطاقة الكهربائية في العراق خلال 18 عاماً، إلا أن مستوى الإنتاج لم يتجاوز 17 غيغاوات، فيما تبلغ الحاجة الفعلية للبلاد نحو 26 غيغاوات ومؤهلة للتصاعد على نحو مضطرد.