بعد ثماني سنوات على المعارك الضارية مع تنظيم داعش الإرهابي في العراق، لا زال يمثل هذا التنظيم جرس إنذار واضح للدولة والمؤسسات العراقية والمجتمع الدولي، ويؤكد أن خطره لا يزال مصدر تهديد أساسي لأمن البلاد واستقرارها وكذلك للسلم والأمن الإقليميين.
ففي الفترة الأخيرة، شهد بعض المحافظات العراقية مثل ديالى وصلاح الدين ونينوى والأنبار زيادة ملحوظة في عمليات التنظيم حيث قام بشن عدد من الهجمات في قضاء الرطبة بمحافظة الأنبار غربي البلاد خصوصا على الطريق السريع بين العراق والأردن، مستهدفاً قوات الأمن العراقية والمواطنين.
وفي هذا الإطار، قامت خلية الإعلام الأمني، الجمعة، بقتل ثلاثة إرهابيين بضربة جوية نفذتها طائرات أف 16 العراقية في الأنبار وذلك بناءً على المعلومات الاستخبارية الواردة من مديرية الاستخبارات العسكرية وبالتنسيق مع قيادة العمليات المشتركة.
أسباب جغرافية وسياسية
وتعليقا على هجمات داعش الأخيرة، رأى مستشار المركز العراقي للدراسات، الناصر دريد، أنّ وجود داعش في محافظة الانبار يعود لسببين: جغرافي وسياسي.
وفي اتصال مع "جسور"، شرح دريد أنّ السبب الجغرافي يعود لكبر مساحة الأنبار ووسع المساحات الصحراوية فيها وانتشار الملاجئ البعيدة من التجمعات البشرية التي ممكن أن تشكل المخابئ الطبيعية التي تحمي تجمعاته، خصوصا وان التنظيم الإرهابي أدرك خطأه في الاقتراب من المدن الكبيرة في إحداث هجمات إجرامية.
أما السبب السياسي لوجود داعش في العراق، فيقول دريد إنه يعود لأسباب ولادة داعش التي ما زالت موجودة حتى اليوم، فالتنظيم مثل "الفيروس" وُجد من رحم التمييز الطائفي والظلم والمعاناة والفشل في معالجة مشاكل المواطنين اليومية.
تعزيز القوات
وأضاف دريد أن القوات المسلحة عززت القطعات الأمنية في قضاء الرطبة بعد سلسلة عمليات داعش الأخيرة التي استهدفت الطريق السريع بالقضاء، لافتا إلى أنّ القطعات الأمنية في قضاء الرطبة تم تعزيزها بالحشد العشائري، وسيتم زجهم في المرحلة اللاحقة لتفتيش الصحراء المحيطة بالرطبة، مؤكداً أن المدينة آمنة ومستقرة بوجود قيادات أمنية من عمليات الأنبار الفرقة الخامسة، والحشد الشعبي والعشائري، وقوات الشرطة المحلية.
وبين دريد، أن تنظيم داعش عبارة عن عصابات تنشط ليس لها أي مكان أو موقع، وليس لها أرض تقاتل عليها، وهي تتخفى بين الناس، لافتاً إلى أن القوات الأمنية باشرت عملية عسكرية منذ فترة قليلة باسم "الإرادة الصلبة" المرحلة الثانية، وبإشراف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي زار المدينة.
وشدد مستشار المركز العراقي للدراسات، على ضرورة مواصلة الضغط على داعش، وتوفير كل الدعم للقوات الأمنية للقيام بمهامهما، مشيدا بجهود القوات الأمنية الأخيرة في تفكيك خلايا إرهابية، واعتقال عدد من الإرهابيين.
من جهته، أكد نائب قائد العمليات المشتركة في العراق الفريق الأول عبد الأمير الشمري في وقت سابق أن الانتهاء من داعش في بلاده بات قريبا جدا، وأعلن عن استعداد العراق للتعاون مع جميع الدول لمكافحة الإرهاب.
وفي خلال مشاركته في الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لمحاربة داعش في مدينة مراكش المغربية، أضاف الشمري أن القوات الأمنية تلاحق عناصر التنظيم في المناطق النائية والجبال البعيدة عن المناطق السكينة، وأشار إلى أن العراق مستعد للتعاون مع جميع الدول لمكافحة الإرهاب والجريمة بمختلف صورها.
إثبات وجود
بدوره، تحدث الكاتب والمحلل السياسي، علي البيدر في تصريح لـ"جسور"، عن ارتباط محافظة الأنبار بداعش فهي تشكل نقطة استراتيجية لتحركه والقيام بعملياته الإرهابية كون جغرافيتها وانشراح أراضيها يشكلان نقطة سهلة لتمدد التنظيم.
وأضاف البيدر، أن التنظيم يسعى من وراء تصاعد وتيرة عملياته الأخيرة في العراق خصوصا في الأنبار لإثبات أنه لا يزال موجوداً على الرغم من الهزائم المتكررة التي تعرض لها وعلى الرغم من الضربات الأمنية ضد عناصره واغتيال قادته وتدمير الكثير من بنيته الأساسية من الأسلحة والمتفجرات والعتاد العسكري، وأنه قادر على توجيه ضربات أمنية في الداخل العراقي، وكذلك توجيه رسائل للخارج وقوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة.
كذلك يقول البيدر إنّ التنظيم يسعى من وراء هذه الهجمات المتكررة إلى توجيه رسائل دعم معنوية لمناصريه بأنه لا يزال موجودا على الأرض وذلك لاستقطاب عناصر جديدة بعد الخسائر الكبيرة في صفوفه، مبينا أنّ داعش استغل قيام الإدارة الأميركية بتقليص عدد قواتها في العراق لجمع صفوفه وتعويض خسائره البشرية والعسكرية حيث تراجعت الضربات الجوية الأميركية ضد أهداف ومواقع التنظيم من جراء انشغال العالم وواشنطن حالياً بالحرب الأوكرانية.
700 مليون دولار لمحاربة داعش
وفي خلال افتتاح الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي المناهض لتنظيم "داعش" في مدينة مراكش بالمغرب، أعلنت وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، التزام الولايات المتحدة بدعم عدد من الدول في الشرق الأوسط وإفريقيا في حربها على التنظيم.
وقالت نولاند إن الولايات المتحدة ستخصص 700 مليون دولار لدعم سوريا والعراق، 350 مليوناً لسوريا ومثلها للعراق، من أجل ضمان الاستقرار في المناطق التي تم تحريرها من قبضة "داعش".
وقالت نولاند إن "إفريقيا شهدت نحو 500 هجوم إرهابي في 2021، خلفت الكثير من الضحايا"، وأشارت إلى أن "الإرهاب يشكل تهديداً حقيقياً في غرب إفريقيا والساحل".
وكان المشاركون في الاجتماع الوزاري للتحالف العالمي ضد داعش، شددوا على ضرورة مواجهة تهديد تنظيم داعش، لا سيما في إفريقيا، من خلال تعزيز قدرات مكافحة الإرهاب للأعضاء الأفارقة ومراعاة التحديات والتهديدات التي يطرحها تنامي لا سيما الجماعات الانفصالية، التي تعد عاملا لزعزعة الاستقرار والهشاشة في المنطقة.