في لبنان التاريخ لا يكتب بل يستعاد. ليست المرة الاولى التي تشهد العلاقات الدبلوماسية بين لبنان والسعودية، توتراً، الا أن التصعيد الأخير للمملكة أعاد اللبنانيين بالذاكرة أكثر من 50 سنة الى الوراء، إبان حرب الأيام الستة بين العرب واسرائيل، حينما شهدت العلاقات بين الرياض وبيروت أزمة مماثلة لما يحصل حالياً.
بعد نحو نصف قرن من أزمة لبنان-السعودية السابقة، تشهد بيروت في الأيام الأخيرة، تصعيداً غير مسبوق، تمثّل بالطلب من سفرائها لدى السعودية والبحرين والكويت والامارات بالمغادة، توازياً مع استدعاء هذه الدول لسفراء في العاصمة اللبنانية.
ما يحصل شكّل تضامناً خليجياً مع السعودية، التي أعلنت حكومتها عن الإجراءات الجديدة، على خلفية تصريحات اعتبرتها المملكة "مسيئة إليها"، أدلى بها وزير الاعلام اللبناني جورج قرداحي، قبل توزيره.
أزمة 1967
بعد "النكسة" أو حرب العرب مع إسرائيل، هدّدت السعودية في عام 1967، عبر وزيرها للشؤون الخارجية عمر السقّاف، بطرد جميع اللبنانيين من البلاد واستدعاء أصحاب رؤوس الاموال السعوديين من لبنان، ومنع الحجاج من زيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة. حصل ذلك، على خلفية انتقادات وجهتها صحيفة لبنانيّة للسياسات السعوديّة، وصدر بيان فوري آنذآك طالب الحكومة اللبنانية بالحياد والعمل على "ضرب الأيدي العابثة التي تستهدف تمزيق أواصر الاخوة والمحبة بين البلدين".
في تلك الحقبة شهد العالم العربي انقساماً حاداً، بين مؤيد لحركة الرئيس المصري حينها، جمال عبد الناصر، وبين آخرين داعمين للمملكة.
واعتبرت السعودية يومها، أن حركة عبد الناصر تشكل "خطراً" على المنطقة، وتهديداً لها في لبنان، بظل قرب رئيس الجمهورية اللبناني حينها، شارل حلو، من نظيره المصري عبد الناصر.
أما اليوم، فإن المملكة تواجه "المد الإيراني" الذي تعتبره أيضاً، من أبرز المخاطر الإقليمية. مثلما تخوّفت قبل عقود، من "المد الناصري" في المنطقة.
لكن عملياً، فإن السعودية لم تفجر اليوم، علاقاتها مع لبنان بالكامل، لا سيّما وأنها أكدت مراراً، خلال الأيام القليلة الماضية، صونها لأبناء الجالية اللبنانية لديها، على اعتبارهم من "أبناء الوطن". ولم تتخذ المملكة أي اجراءات تصعيدية صارمة، مثل التي اتخذتها في عام 1967، على الرغم من تضامن عدد من دول الخليج مثل البحرين والكويت والامارات معها.
تفصيل يمني
وفي حديث خاص لـ "جسور"، أكد الصحافي والكاتب إيلي الحاج، أن الصراع في عام 1967، كان محتدماً على مستوى المنطقة بين "الناصريين" و"المملكة العربية السعودية".
وشهد لبنان وفق الحاج، "اصطفافات بين مؤيد ورافض"، كما تجري العادة، لكن "للمفارقة كان اليمن آنذآك يشهد حرباً داخلية، فيما كان عبد الناصر غارقاً في الشأن اليمني لدرجة وصفه ثورة اليمن بثورة مصر؛ بينما كانت السعودية في المقابل تساند الحكم الملكي في اليمن".
أما عن أوجه الشبه بين الأزمة الحالية بين السعودية وعدد من دول الخليج ولبنان، وبين أزمة عام 1967، فيرى الحاج في حديثه لـ"جسور"، أن "الخلاف في تلك الفترة كان سياسياً، فبعد خروج لبنان من ثورة عام 1958، رُسّخت مبادئ رئيس الجمهورية اللبنانية حينها، فؤاد شهاب، ولم تكن الدولة اللبنانية وقتذاك، تحت سيطرة الحكم الناصري، مثلما تُسيطر إيران اليوم، على الدولة من خلال حزب الله".
وأكد الحاج، أن "الأزمة التي يشهدها لبنان حالياً، مع دول الخليج، ليست أزمته بالذات، بل هي بأبعادها، أزمة بين السعودية وإيران. وقال: "عملياً لا دولة لبنانية حتى تختلف معها السعودية، فخلافها مع حزب الله ذراع إيران في لبنان".
واستذكر الحاج، دور المملكة خلال اجتياح الكويت عام 1990، من قبل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، حينما هبت المملكة لمساندة الكويت وشعبها، في معركة التحرير. وبرأيه فإنه "بعد أن تركت دول الخليج اللبنانيين الثائرين على سطوة حزب الله، يمكن أن السعودية تحاول اليوم، العودة لمساندة اللبنانين، كما فعلت مع الكويتيين".
"نكسة 2021"
وعن تشابه الأزمة الحالية بين السعودية ولبنان، مع أزمة عام 1967، علّقت الصحافية والكاتبة السياسية روزانا بو منصف، في حديث لـ "جسور"، قائلة: "لكل ازمة ظروفها وحيثياتها وإطارها المختلف، ومن خلال قراءة مواقف دول الخليج التي تصدر تباعاً، نرى أن تصريح الوزير قرداحي كان القشة التي قسمت ظهر البعير".
وتابعت بو منصف "نحن لا نحتمل ترف الإساءة لأي دولة ايا تكن"؛ و"الدولة اللبنانية لم تعالج الأزمات المستجدة بالعمق بل بالشكل فقط، ففي الفترة الماضية شهدت العلاقات بين لبنان والسعودية، توترات مستمرة كان أبرزها تصريح وزير الخارجية السابق شربل وهبة الذي أفضى إلى استقالته. لكن الحكومة الجديدة التي حملت عناوين تغييرية، لم تستطع مواجهة التحديات بحزم، وتعطلت عند أول مفترق طرق مع مقاطعة وزراء الثنائي الشيعي للجلسات وانفجار حوادث الطيونة".
ورفضت بو منصف تصوير الأزمة الدبلوماسية الحالية، على أنها اقتصاص سعودي من إيران على الرغم من تأثر لبنان بالكباش الإقليمي، باعتبارها أن "تصرح وزير الخارجية السعودي عن لقاءات ودية تجري بين المملكة وايران أخيراً، وتصوير الازمة وكأنها اقتصاص سعودي من لبنان وحزب الله غير صحيح، إذ ان السلطة اللبنانية نفسها لا تراعي مبدأ النأي بالنفس والحياد، ولا تأخذ يعين الاعتبار ان لبنان دولة صغيرة تعاني ما تعانيه من أزمات داخلية واقتصادية مروعة".
وعن المنحى المحتمل للأزمة، رأت بو منصف في حديثها لـ"جسور"، أن "الازمة الحالية اتخذت منحى خطيراً، في ظل انكفاء الدولة اللبنانية عن اتخاذ اجراءات جدية للمعالجة اذ اقتصرت المواقف على العواطف فقط"، وتابعت "لا أظن أن استقالة الوزير قرداحي تكفي في الوقت الراهن، على الرغم من أن موقفه صرّح به قبل توزيره، إلا أنه كان بإمكانه استدراك الموقف عوضًا عن رفع السقف اكثر".
تأثر لبنان بالصراعات الإقليمية المحيطة به، كان ولا يزال إحدى مشكلاته، بظل اعتماد السلطة اللبنانية سياسة "النأي بالنفس" ورقيا فقط. وهو ما يدفع إلى السؤال عن خواتيم الأزمة اللبنانية - الخليجية الحالية،وما ينتظر اللبنانيين في الفترة المقبلة.
بعد نحو نصف قرن من أزمة لبنان-السعودية السابقة، تشهد بيروت في الأيام الأخيرة، تصعيداً غير مسبوق، تمثّل بالطلب من سفرائها لدى السعودية والبحرين والكويت والامارات بالمغادة، توازياً مع استدعاء هذه الدول لسفراء في العاصمة اللبنانية.
ما يحصل شكّل تضامناً خليجياً مع السعودية، التي أعلنت حكومتها عن الإجراءات الجديدة، على خلفية تصريحات اعتبرتها المملكة "مسيئة إليها"، أدلى بها وزير الاعلام اللبناني جورج قرداحي، قبل توزيره.
أزمة 1967
بعد "النكسة" أو حرب العرب مع إسرائيل، هدّدت السعودية في عام 1967، عبر وزيرها للشؤون الخارجية عمر السقّاف، بطرد جميع اللبنانيين من البلاد واستدعاء أصحاب رؤوس الاموال السعوديين من لبنان، ومنع الحجاج من زيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة. حصل ذلك، على خلفية انتقادات وجهتها صحيفة لبنانيّة للسياسات السعوديّة، وصدر بيان فوري آنذآك طالب الحكومة اللبنانية بالحياد والعمل على "ضرب الأيدي العابثة التي تستهدف تمزيق أواصر الاخوة والمحبة بين البلدين".
في تلك الحقبة شهد العالم العربي انقساماً حاداً، بين مؤيد لحركة الرئيس المصري حينها، جمال عبد الناصر، وبين آخرين داعمين للمملكة.
واعتبرت السعودية يومها، أن حركة عبد الناصر تشكل "خطراً" على المنطقة، وتهديداً لها في لبنان، بظل قرب رئيس الجمهورية اللبناني حينها، شارل حلو، من نظيره المصري عبد الناصر.
أما اليوم، فإن المملكة تواجه "المد الإيراني" الذي تعتبره أيضاً، من أبرز المخاطر الإقليمية. مثلما تخوّفت قبل عقود، من "المد الناصري" في المنطقة.
لكن عملياً، فإن السعودية لم تفجر اليوم، علاقاتها مع لبنان بالكامل، لا سيّما وأنها أكدت مراراً، خلال الأيام القليلة الماضية، صونها لأبناء الجالية اللبنانية لديها، على اعتبارهم من "أبناء الوطن". ولم تتخذ المملكة أي اجراءات تصعيدية صارمة، مثل التي اتخذتها في عام 1967، على الرغم من تضامن عدد من دول الخليج مثل البحرين والكويت والامارات معها.
تفصيل يمني
وفي حديث خاص لـ "جسور"، أكد الصحافي والكاتب إيلي الحاج، أن الصراع في عام 1967، كان محتدماً على مستوى المنطقة بين "الناصريين" و"المملكة العربية السعودية".
وشهد لبنان وفق الحاج، "اصطفافات بين مؤيد ورافض"، كما تجري العادة، لكن "للمفارقة كان اليمن آنذآك يشهد حرباً داخلية، فيما كان عبد الناصر غارقاً في الشأن اليمني لدرجة وصفه ثورة اليمن بثورة مصر؛ بينما كانت السعودية في المقابل تساند الحكم الملكي في اليمن".
أما عن أوجه الشبه بين الأزمة الحالية بين السعودية وعدد من دول الخليج ولبنان، وبين أزمة عام 1967، فيرى الحاج في حديثه لـ"جسور"، أن "الخلاف في تلك الفترة كان سياسياً، فبعد خروج لبنان من ثورة عام 1958، رُسّخت مبادئ رئيس الجمهورية اللبنانية حينها، فؤاد شهاب، ولم تكن الدولة اللبنانية وقتذاك، تحت سيطرة الحكم الناصري، مثلما تُسيطر إيران اليوم، على الدولة من خلال حزب الله".
وأكد الحاج، أن "الأزمة التي يشهدها لبنان حالياً، مع دول الخليج، ليست أزمته بالذات، بل هي بأبعادها، أزمة بين السعودية وإيران. وقال: "عملياً لا دولة لبنانية حتى تختلف معها السعودية، فخلافها مع حزب الله ذراع إيران في لبنان".
واستذكر الحاج، دور المملكة خلال اجتياح الكويت عام 1990، من قبل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، حينما هبت المملكة لمساندة الكويت وشعبها، في معركة التحرير. وبرأيه فإنه "بعد أن تركت دول الخليج اللبنانيين الثائرين على سطوة حزب الله، يمكن أن السعودية تحاول اليوم، العودة لمساندة اللبنانين، كما فعلت مع الكويتيين".
"نكسة 2021"
وعن تشابه الأزمة الحالية بين السعودية ولبنان، مع أزمة عام 1967، علّقت الصحافية والكاتبة السياسية روزانا بو منصف، في حديث لـ "جسور"، قائلة: "لكل ازمة ظروفها وحيثياتها وإطارها المختلف، ومن خلال قراءة مواقف دول الخليج التي تصدر تباعاً، نرى أن تصريح الوزير قرداحي كان القشة التي قسمت ظهر البعير".
وتابعت بو منصف "نحن لا نحتمل ترف الإساءة لأي دولة ايا تكن"؛ و"الدولة اللبنانية لم تعالج الأزمات المستجدة بالعمق بل بالشكل فقط، ففي الفترة الماضية شهدت العلاقات بين لبنان والسعودية، توترات مستمرة كان أبرزها تصريح وزير الخارجية السابق شربل وهبة الذي أفضى إلى استقالته. لكن الحكومة الجديدة التي حملت عناوين تغييرية، لم تستطع مواجهة التحديات بحزم، وتعطلت عند أول مفترق طرق مع مقاطعة وزراء الثنائي الشيعي للجلسات وانفجار حوادث الطيونة".
ورفضت بو منصف تصوير الأزمة الدبلوماسية الحالية، على أنها اقتصاص سعودي من إيران على الرغم من تأثر لبنان بالكباش الإقليمي، باعتبارها أن "تصرح وزير الخارجية السعودي عن لقاءات ودية تجري بين المملكة وايران أخيراً، وتصوير الازمة وكأنها اقتصاص سعودي من لبنان وحزب الله غير صحيح، إذ ان السلطة اللبنانية نفسها لا تراعي مبدأ النأي بالنفس والحياد، ولا تأخذ يعين الاعتبار ان لبنان دولة صغيرة تعاني ما تعانيه من أزمات داخلية واقتصادية مروعة".
وعن المنحى المحتمل للأزمة، رأت بو منصف في حديثها لـ"جسور"، أن "الازمة الحالية اتخذت منحى خطيراً، في ظل انكفاء الدولة اللبنانية عن اتخاذ اجراءات جدية للمعالجة اذ اقتصرت المواقف على العواطف فقط"، وتابعت "لا أظن أن استقالة الوزير قرداحي تكفي في الوقت الراهن، على الرغم من أن موقفه صرّح به قبل توزيره، إلا أنه كان بإمكانه استدراك الموقف عوضًا عن رفع السقف اكثر".
تأثر لبنان بالصراعات الإقليمية المحيطة به، كان ولا يزال إحدى مشكلاته، بظل اعتماد السلطة اللبنانية سياسة "النأي بالنفس" ورقيا فقط. وهو ما يدفع إلى السؤال عن خواتيم الأزمة اللبنانية - الخليجية الحالية،وما ينتظر اللبنانيين في الفترة المقبلة.