لا زال المشهد السياسي العراقي وبناءً على مجريات الأحداث الحالية يؤكد أنه يمرّ بمنعطف خطير من دون التحرك باتجاه الحل، وأصبح التعقيد والضبابية في الصورة أكثر ما يميّز الوضع الحالي، خصوصا في ظل العجز عن إيجاد مخرج رغم تعدد المبادرات.
ومع إعلان الإطار التنسيقي إصراره على التمسّك بمرشحه لرئاسة الوزراء محمد شياع السوداني، رغم اعتراض التيار الصدري عليه، وتأكيد زعيم ائتلاف دولة القانون ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ألا انتخابات مبكرة إلا بعد استئناف مجلس النواب لجلساته، يرى متابعون في حديث لـ "جسور"، أنّ الوضع السياسي الحالي معقّد ومخيف ما لم تُعالج بعض المواقف المتشددة التي تحاول أن تعتاش على إطالة الأزمة على حساب معاناة العراقيين والبقاء في السلطة خدمة لمصالحها ولدافع غير وطني وانتماء إقليمي قد يأخذ البلد إلى متاهات دامية تسمح بتدخلات خارجية تنهي وحدة البلد، وربما تشهد الأيام القليلة المقبلة مواجهات لا يمكن السيطرة عليها كما حصل في السابق.
تحذير من "كسر الإرادة"!
وكان المالكي الذي يملك الأغلبية النيابية ضمن التحالف الشيعي، أوضح أن القوى السياسية أبدت موقفها الداعم لقرار القضاء، وأعلنت رفض حلّ البرلمان والانتخابات المبكرة المقترحة، وهذا يعني ألا داعي بعد للحديث في هذا الموضوع المحسوم دستورياً وقضائياً وسياسياً، ويجب مغادرته، في رسالة واضحة لزعيم التيار الصدري، السيد مقتدى الصدر، الذي يؤكد على أنه لا تسوية للأزمة العراقية إلا بحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة.
وأثار كلام المالكي ردود فعل من بينها لقيادات في الإطار، حيث حذّر زعيم كتلة "النصر" ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، من "أي مسار يقوم على كسر الإرادة"، قائلا “إن أي مسار يقوم على كسر الإرادة، سيكون وبالاً على الشعب والدولة"، حاثا على "اتفاق سياسي يفضي إلى اعتبار المرحلة الراهنة انتقالية، تبدأ بتشكيل حكومة وتنتهي بحلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة".
إنفراج أم انفجار؟
وفي هذا الخصوص، رأى الكاتب والمحلل السياسي العراقي، داود الحلفي، أنّ التصريحات التي أطلقها رئيس دولة القانون بعيدة من الواقع التفسيري للمحكمة التي أدانت مجلس النواب ووصفته بأنه لا يمثل الشعب كونه اخترق الدستور وتجاوز المدد الدستورية وتسبّب في انهيار الأمن.
وعن الزيارة المرتقبة لرئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، ورئيس "تحالف الفتح" عن "الإطار التنسيقي" هادي العامري، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، مع الصدر في النجف، عقب الانتهاء من إحياء ذكرى زيارة الأربعين، والتي سيطرح خلالها المجتمعون 3 ملفات هي "تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، والتهيئة للانتخابات المبكرة وحل البرلمان"، أوضح داود أنّ اللقاء المرتقب قد يحمل مفاتيح لانفراج الأزمة، خصوصا مع ترحيب الصدر بهذا الوفد واستعداده لمناقشة ما في جعبته من مقترحات، أهمها حلّ البرلمان وتشكيل حكومة يتفق عليها الجميع.
وفي السياق، بيّن داود أنّ حكومة الإنقاذ الوطني هي المرجّحة، وبالتالي إبعاد الأحزاب عن المشاركة فيها، إضافة إلى إعطاء البرلمان مدة تشريعية لمناقشة بعض القوانين وتشكيل مفوضية جديدة ومناقشة قانون الانتخابات، لافتا إلى أنّ البرلمان المقبل قد يبقى لمدة 6 أشهر ويحلّ نفسه بضمانات سياسية كبيرة، وهذا هو المبدأ السائد الذي يمكن من خلاله أن تحل أزمة العراق، لتبدأ معها مرحلة الإنفراج السياسي وعملية الإستعداد للإنتخابات المبكّرة في نهاية عام 2023.
مبادرة الصدر والردود
وكان زعيم التيار الصدري، السيد مقتدى الصدر، طرح مبادرة لإنهاء الأزمة السياسية، تنصّ على إبقاء رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، في منصبه وكذلك رئيس الجمهورية، برهم صالح، لإدارة مرحلة انتقالية، وإجراء الانتخابات المبكرة، كما طالب بحل مجلس النواب، لكنّ الإطار التنسيقي رفض المبادرة بالمطلق، كونه مصرّ على تشكيل حكومة وإجراء تعديلات على قانون الانتخابات والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وبعد ذلك يذهب لحل البرلمان وإجراء انتخابات أخرى.
وهنا يؤكد الكاتب والمحلل السياسي العراقي، علي البيدر، في تصريح لـ "جسور"، أنه لا يمكن القبول بمبادرة الصدر كونها غير مجدية، ومن غير الممكن أن تتقبلها قوى "الإطار التنسيقي" لأنه عازم على تشكيل حكومة ولو ليوم واحد وأن يدخل الانتخابات بحكومته، أمّا رئيس مركز آسيا للدراسات الاستراتيجية، الدكتور قاسم بلشان التميمي، فرأى بدوره أنّ مبادرة الصدر هي نقطة خلاف أساسية بالنسبة للإطار التنسيقي، ما يعني أن الأمور ستكون معقّدة بعض الشيء، كاشفا عن أنّ جميع الكتل والأحزاب السياسية كما يبدو تتفق على إجراء الانتخابات المبكّرة، لكن الإختلاف هو حول آليات الوصول إلى إجرائها.
وأضاف التميمي لـ "جسور": "مع انفتاح الصدر على الحوار، فهذا دليل على أن هناك انفراجا سياسيا وشيكا، وبعد زيارة الأربعين سنشهد ربما على خطوة في الإتجاه الصحيح".
"رجل المرحلة"
رأي آخر عبّر عنه الكاتب والسياسي العراقي المستقل، الدكتور باسل الكاظمي، في حديث لـ "جسور"، مشيرا إلى أنّ إبقاء رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، في منصبه كما يريد الصدر هي مسألة إيجابية، لكون الكاظمي يتعامل بهدوء وحكمة، وهو على مسافة واحدة مع جميع الأطراف وحقّق الكثير من الإنجازات خلال المدة التي استلم فيها رئاسة الوزراء، فضلا عن أنه يحظى بمقبولية من الشارع العراقي، كذلك من الأطراف السياسية، فالكاظمي بحسب الكاتب والسياسي هو "رجل المرحلة"، ولا مانع من إبقائه في منصبه لحين إجراء انتخابات مبكّرة. وبيّن الكاظمي، أنّ رئيس الجمهورية برهم صالح، يتعامل بدوره ضمن سياسة واضحة، ويعي أن هناك إصرارا على إجراء انتخابات مبكّرة وتعديل في الكثير من القوانين الدستورية.
ويشهد العراق منذ الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت في العاشر من أكتوبر/تشرين الاول الماضي، شللاً سياسياً تاماً، تأزم أكثر منذ يوليو /تموز المنصرم مع نزول طرفي الخلاف الأبرز إلى الشارع واعتصامهم وسط بغداد (الصدر والإطار التنسيقي). وبلغ الخلاف أوجه مع بدء مطالبة التيار الصدري منذ شهرين بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة من أجل السير بالبلاد على طريق الإصلاحات في ظل رفض خصومه هذا التوجه، وإصرارهم على تشكيل حكومة قبل أي انتخابات جديدة.