بعد ثلاثة أشهر على الانتخابات التشريعية التي جرت في 10 تشرين الأول/أكتوبر، لا تزال الأزمة العراقية تتواصل مع إرتفاع منسوب التوتر السياسي في البلاد، من دون مخرج حقيقي.
ووصلت الامور في الجلسة الافتتاحية للبرلمان في 9 كانون الثاني/ يناير، حد العراك بين النواب، وينعكس هذا التوتر على عملية تشكيل الحكومة التي قد تتعثر، وسط إصرار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على تشكيل حكومة أكثرية، وتمسك آخرين بحكومة توافقية تتمثل فيها جميع القوى الشيعية وما بينهما يلوح شبح الحرب الأهلية.
أغلبية أم توافقية؟
يقف عند طرفي الأزمة في العراق معسكران، الأول يجمع العديد من الأحزاب الشيعية، وضمنها حزب رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وحزب تحالف الفتح، والذي تعرض لهزيمة ثقيلة بالانتخابات النيابية قبل الطعن في النتائج في الشارع وفي القضاء.
وعلى الضفة الأخرى يقف الزعيم الوطني الشيعي مقتدى الصدر الذي فاز بـ73 مقعداً من أصل 329 في الانتخابات التشريعية، وينوي تشكيل ائتلاف مع حلفاء من الطوائف الدينية الأخرى، وتحديداً مع نواب الكتلتين السنيتين الرئيسيتين، "عزم" و"تقدُّم"، وممثلي الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه الرئيس الأسبق لإقليم كردستان العراق مسعود بارزاني.
وعلى الرغم من الفوضى التي سادت جلسة مجلس النواب العراقي في 9 يناير/كانون الثاني، انتصر مقتدى الصدر، في الجولة الأولى من المعركة بينه وبين منافسيه الشيعيين، فقد نجح بالفعل في إعادة انتخاب رئيس مجلس النواب المنتهية ولايته محمد الحلبوسي .
ويبدو بحسب خبراء أن التيار الصدري وحلفاءه مصممون على الذهاب إلى النهاية في هذه العملية، أي أن يفرضوا مرشحهم لمنصب رئيس الوزراء وأن يشكّلوا بمفردهم "حكومة أغلبية" وسيجد اللاعبون الآخرون أنفسهم مستبعدين بحكم الأمر الواقع من العملية.
وأمام ما تقدّم، رأى رئيس قسم الصحافة في جامعة أهل البيت، الدكتور غالب الدعمي، في حديث لـ"جسور"، أنّ المشهد العراقي يتعقّد أكثر فأكثر ومن المحتمل أن يشهد إضطرابات، كاشفا عن إنقسام داخل "الإطار التنسيقي" فبعض أعضاء "كتلة القانون" ربما سينسحبون من الإطار وينضمون إلى "التيار الصدري"، وهناك فعاليات سياسية أخرى أيضا في الإطار ستنسحب بدورها.
وأكد الدعمي أنّ الحكومة ستشكّل وفق منظور الأغلبية وليس التوافقية، مشيرا إلى أنّ المشهد السياسي سيشهد إختفاء فعاليات سياسية إلى الأبد في العراق وظهور قوى سياسية أخرى جديدة.
ثمار تفاهم؟
من جهته، أكّد المستشار في المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية، الدكتور الناصر دريد، أنه لا مجال للتوافق والتفاهم حتى الآن بين "الإطار التنسيقي" و"التيار الصدري"، كون مقتدى الصدر يريد ويسعى لإبعاد الإطار من التشكيلة الحكومية المقبلة، وظهر هذا الأمر واضحا في جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب.
وحاليا، يرى دريد في حديث خاص لـ"جسور"، أنّ السياقات التي تقود إلى جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية أيضا تؤدي الغلط نفسه،وإذا تدخّلت إيران بشكل فاعل وقوي في قضية توحيد الخلافات فربما ستنجح، رغم أن الصدر لا يزال مصممًا على المضي قدماً برأيه.
أما حالة الإنقسام بحسب دريد، فهي ليست على مستوى الشارع، بل فقط بين الأحزاب الشيعية، فحتى الجمهور الشيعي لا يشعر بهذا الإنقسام ولا يهتم به، ويبيّن المستشار في المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية، في هذا الإطار، أن هناك أقليّة تتبع "الإطار التنسيقي" وأكثر منها بقليل يتبع الصدر، فيما الأغلبية تقف ضد هذه الإنتماءات، لهذا هي لا تشعر بأنها منقسمة بل على العكس هناك توحّد إلى حد ما في كل طروحات المواطن العراقي بغض النظر عن طائفته ودينه، وراء المطالبة بالإصلاح وتحسين الأوضاع البائسة التي يعيشها.
حرب أهلية؟
وعن سيناريو الحرب الأهلية، يقول المحلل السياسي والباحث الأمني، علي البيدر في حديث لـ"جسور" ، إنّ المراقب للمشهد العراقي حاليا، يجد أن طرفي الأزمة أي "الإطار التنسيقي" و"التيار الصدري" يمتلكان الأسلحة وأي شرارة قد تحدث بين هذين الطرفين من المحتمل أن تؤدي إلى إنزلاق أمني كبير في البلاد، مؤكدا أنه على الحكماء التدخل سياسيا في هذه القضية وإقناع الخاسرين بضرورة اللجوء إلى المعارضة السياسية حصرا من دون التصعيد الأمني، كذلك على مؤسسات الدولة أن تضع خطط إستراتيجية إستباقية تحسبا لأي خطوة قد يتخذها أي طرف .
و كل ذلك بحسب البيدر سينعكس سلبا على سياسة العراق والأمن المجتمعي وعلى واقع الشعب العراقي، وهذه المراحل المتقدمة من الإنهيار الأمني ربما قد تدفع إلى تفتيت العراق كدولة أو إحداث إنقسامات طائفية بحتة لذلك تمنى معالجة الأزمات قبل تطورها.
إنشقاقات وصدامات مسلّحة!
وعلى الضفة الأخرى، يرى الخبير القانوني والباحث في الشأن السياسي، نجم اليعقوب، أنّ التوترات السياسية كبيرة جدا بين "التيار الصدري" و"الإطار التنسيقي" وذلك نتيجة الإختلاف على من هو صاحب الإستحقاق لتشكيل الكتلة الأكبر التي سينبثق عنها إختيار شخصية رئيس الوزراء.
وحاليا يبيّن اليعقوب في حديث لـ"جسور"، أنّ هناك تفسيرا للمحكمة الإتحادية لسنة 2010 كعرف لتشكيل الكتلة الأكبر وإختيار رئيس الوزراء من قبلها تتمسك به قوى "الإطار التنسيقي" وايضا هناك قرار للمفوضية قانون رقم 9 لسنة 2021 والذي يعتبره "التيار الصدري" بمثابة إستحقاق لتشكيل الكتلة الأكبر وإختيار شخصية رئيس وزراء وهناك نوايا كبيرة جدا من قبل "التيار الصدري" للإعتراض على بعض القيادات الموجودة ضمن الإطار تُسبّب إختلافات بين الطرفين المتنازعين.
وأضاف اليعقوب أنّ العراق يشهد توترات سياسية، فضلا عن لجوء بعض الجهات إلى أعمال عنف أو قد يكون هناك إحتمال بشأن وجود طرف ثالث يريد أن يخلط الأوراق بين الطرفين المتنازعين، وهناك إحتمال كبير لوجود صدامات مسلحة حيث يمتلك الطرفان أجنحة مسلحة منذ العام 2005 وحتى الأن، وعملية تمسك "التيار الصدري" بحكومة أغلبية وطنية يدفع بالأطراف إلى توتر قد يصل إلى حد إستخدام السلاح بين الطرفين، وهذا ما لا نرجوه.
وإستبعد اليعقوب عبر "جسور"، أن يتمكن "التيار الصدري" من تحقيق أهدافه بأغلبية وطنية لكون القوى السياسية الأخرى موافقة بشكل كبير على تشكيل حكومة توافقية سار العرف السياسي على تشكيلها ولا ترغب بحكومة أغلبية وطنية تحت تصرّف التيار الصدري، لافتا إلى أنّ مجريات الجلسة الأولى وما حدث فيها يؤشر إلى ظهور إنشقاقات كبيرة بين القوى السياسية التي أعطت وعودا "للتيار الصدري" على أنها ستكون حاضرة معه في تشكيل الحكومة، ومن ثم قد يلجأ بعض الأطراف أو النواب إلى الإنشقاق عن التحالف السني أو الكردي واللجوء إلى الإتفاق مع "الإطار التنسيقي" بعد إختيار رئيس الجمهورية مما سيتسبّب بمشاكل كبيرة في صفوف "التيار الصدري" وعدم إمكانية تحقيق مشروعه بحكومة أغلبية وطنية كما يريد.