لبنان ملاذ اللاجئين من دول الجوار وتحديداً سوريا في السنوات الماضية، أصبح اليوم محطة مغادرة لأبنائه الذين ضاقت بهم سبل العيش.
وأشار تقرير نشرته وكالة الأسوشيتد برس الى "أن مئات اللبنانيين حاولوا الوصول إلى أوروبا هذا العام على متن قوارب انطلق من شواطئ بلادهم بسبب الأزمة الاقتصادية المدمرة التي وضعت ثلثي سكان لبنان في برائن الفقر" مع التأكيد أن "عمليات الهجرة عبر البحر من لبنان شهدت ارتفاعاً عام 2020 مقارنة بالسنوات الماضية".
وكانت قوارب عديدة منها واجهت الموت وتاهت جثث بعض من كانوا على متنها في عرض البحر حتى صح فيها تسمية "قوارب الموت".
حقيقة الاعداد
وعند مدى إقتران الارقام بالواقع على الارض ولمعرفة ما الذي يدفع باللبنانيين إلى اختيار الهجرة غير الآمنة معرضين أنفسهم للمخاطر والغوص في المجهول، تواصلت "جسور" مع الباحث في الدولية للمعلومات الدكتور محمد شمس الدين الذي لم ينفِ الأمر لكنه أكد "أن القوارب التي تغادر لبنان بطريق غير شرعية تتصدى لمعظمها القوى الأمنية اللبنانية، أما التي تنجح بعبور المياه الإقليمية اللبنانية فلا يتجاوز أعداد اللبنانيين على متنها العشرة في كل مرة، من بين خمسين أو ستين مغادراً من الجنسية السورية" "بالتالي لا يمكننا الحديث سوى عن عشرات اللبنانيين الذين غادروا في قوارب غير شرعية" ووجهتهم الأسياسية قبرص.
كما أفاد شمس الدين بإعتماد بعض اللبنانيين تركيا كوجهة أولى، لعدم حاجة اللبنانيين إلى تأشيرة دخول، ومنها يعمدون إلى المغادرة باتجاه أوروبا بطريقة غير شرعية وتبقى أعدادهم متدنية".
عاملان يتسببان بالهجرة
في المقابل، أكد شمس الدين أن هجرة اللبنانيين ارتفعت في السنتين الماضيتين والامر يعود لعاملين أساسيين "أولاً البطالة التي وصلت نسبتها إلى 35% مع تسجيل 480 ألف لبناني من العاطلين عن العمل، تشكل الفئات الشابة والخريجين حديثاً 70% منهم"
أما أسباب البطالة فأوضح شمس الدين أنها عديدة "منها عدم وجود فرص عمل وإقفال بعض المؤسسات من دون إعطاء الموظفين تعويضات، ومن حصل منهم على تعويض وجد أنه أضاع سنوات عمره على مبلغ فقد قيمته بعد انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية"
أما العامل الثاني الذي يدفع باللبنانيين إلى الهجرة، وفقاً للباحث فهو تراجع القدرة الشرائية للمواطن في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة"وبات يفضل المواطنون العمل في الخارج لسد حاجات عائلاتهم من خلال التحويلات المرسلة. وهذه التحويلات يعتبرها شمس الدين "سرا من أسرار الصمود لأكثر من 25% من الشعب اللبناني"
وجهة اللبنانيين الاساسية
أما عن وجهة اللبنانيين الأساسية في الهجرة فأفاد شمس الدين بأنها "أولاً أوروبا لما تقدمه من فرص عمل بالاضافة إلى دول الخليج وأفريقيا أما أميركا وأستراليا فبسبب الشروط التي تفرضها يتفادى اللبنانيون التوجه إليها".
ومع عدم إيجاد حلول لدى الدولة اللبنانية للحد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، أكد شمس الدين أن الاستنزاف البشري لن يتوقف و"هجرة اللبنانيين مستمرة في العام 2022".
عوامل تسبب الهجرة
علم النفس له أيضاً رؤيته الخاصة في موضوع الهجرة، وفي هذا الاطار أوضحت المحللة النفسية الدكتورة ريما بجاني في حديث لـ"جسور" أن أربعة عوامل أساسية تدفع باللبناني للهجرة "أولاً العقلية اللبنانية التي ترسخت عبر العصور، فاللبناني منذ الولادة يضع الهجرة أمامه ويعود ذلك لأيام الفينيقيين، ثانياً عدم حصوله على الأمور البديهية في بلده كالماء والكهرباء والدواء والتحصيل العلمي، ثالثاً عدم توفر الأمان والاستقرار وعجزه عن تحديد مستقبله لعشر سنوات مقبلة،"
أما العامل الرابع الذي أدى إلى ارتفاع أرقام الهجرة في السنتين الأخيرتين وفقاً لبجاني، فليس الانهيار الاقتصادي فقط، إذ "معظم الدول تمر بأزمات وتنجو منها" على حد قولها بل "يقين المواطن بعدم وجود أي حلول من قبل الدولة لاحتواء الأزمة، ما سيؤدي بنظرهم للمزيد من الانهيار".
وبالتالي تتابع المحللة النفسية "تضافر هذه العوامل وما يرافقها من قلق على مصير المواطن ومستقبله يتغلب على شعوره بالانسلاخ عن بيئته وما يمكن أن ينتج عنه من اضطراب واحباط وحتى اكتئاب لما يشكله الوطن من رمز للانتماء بالنسبة إليه" .
من ناحية أخرى أضاءت بجاني على ناحية أكثر إيجابية تتمثل برفض قسم من اللبنانيين خيار الهجرة "لامتلاكه القناعة والثقة بتوفر الحلول مع الأشخاص المناسبين في الحكم الذين سيعيدون لبنان إلى السكة ولو بعد حين".
وبحسب أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، انطلق أكثر من 1,570 شخصا أو حاولوا الخروج من لبنان بين يناير ونوفمبر، وتوجه معظمهم إلى قبرص.
وتشهد البلاد مزيجا من أزمات متعددة: عدم الاستقرار السياسي، ووباء فيروس كورونا، و انفجار مرفأ بيروت، كل ذلك زاد من حدة الانهيار المالي للبلاد.