يشترك لبنان والعراق في العديد من المميزات الإيجابية والسلبية في هذه المرحلة ، فعلى الصعيد الايجابي : البلدان يتميزان بالتنوع الديني والعرقي والطائفي والإثني ، وهناك مشتركات فكرية وثقافية وادبية جمعتهما وتجمعهما طيلة سنوات طويلة، والبلدان اليوم محكومان بنظام سياسي توافقي وطائفي ، وأما على الصعيد السلبي فالبلدان يواجهان مشاكل سياسية واقتصادية ومالية بسبب انتشار الفساد وفشل السلطة في ادارة شؤون البلد ، اضافة لتحولهما الى ساحة للصراعات الداخلية والاقليمية والدولية .
لكن رغم الحجم الكبير للتحديات التي واجهت وتواجه العراق في السنوات الاخيرة ، فقد نجح رئيس الحكومة مصطفى كاظمي بان يحوّل العراق الى جسر للتواصل والحوار وحل النزاعات بين العديد من الاطراف العربية والاسلامية والاقليمية والدولية، فقد رعى المفاوضات المباشرة بين ايران والسعودية والتي حققت العديد من النتائج الايجابية وان كانت تحتاج للمزيد من المتابعة ، واستضاف قبل اشهر القمة الاقليمية والدولية والتي ضمّت جيران العراق وفرنسا، وفتح الباب امام اتصالات امنية بين ايران وبعض الدول العربية ، كما استقبل العراق البابا فرانسيس في زيارة تاريخية شكّلت تطورا مهما في العلاقة بين المرجعية الدينية في النجف والفاتيكان .
طبعا لا يعني ذلك خلو العراق من المشاكل والتحديات المختلفة ولا سيما بسبب تداعيات الانتخابات النيابية الاخيرة وتشكيل الحكومة الجديدة واستكمال المسار السياسي الداخلي واخراج القوات الاميركية من العراق ومواجهة عودة تنظيم داعش الى التحرك مجددا .
وفي العراق تنشط مؤسسات متنوعة للحوار والتفكير وحل النزاعات والبحث عن كيفية مواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية ، ولا مجال لذكرها وتعدداها في هذا المقال ، لكن حتى الان نفتقد لمؤسسة مركزية عراقية تركز على موضوع الحوار وحل النزاعات تكون قادرة على لعب دور هام في العراق وعلى مستوى المنطقة.
وفي لبنان، هناك العديد من المؤسسات الناشطة في مجال الحوار وحل النزاعات والتخفيف من التوترات الطائفية والمذهبية والسياسية ، كما تنشط العديد من المؤسسات الفكرية ومعاهد الدراسات والابحاث لدراسة مختلف المشكلات في لبنان والمنطقة.
وقبل سنوات، جرى اطلاق مبادرة هامة لانشاء منتدى التكامل الاقليمي وتعزيز الحوار العربي- الايراني – التركي – الكردي وكان من اهم الداعين لهذه المبادرة المفكر اللبناني الاستاذ سعد محيو والمفكر العراقي الدكتور عبد الحسين شعبان والامير الحسن بن طلال والمفكر التونسي خالد شوكات وشخصيات متنوعة وقد حققت بعض النجاحات وتم عقد مؤتمرات حوارية في لبنان وتونس والاردن والعراق ولكن هذه المبادرة تواجه بعض العقبات العملية في هذه المرحلة.
كما اطلق المناضل الراحل الاستاذ انيس نقاش مع بعض رفاقه مشروع مجلس السلم والتعاون الاقليمي ، لكن رحيله قبل حوالي السنة ادى الى تراجع عمل المجلس، وهناك مبادرات اخرى حوارية عربية – ايرانية – تركية – كردية في العديد من العواصم العربية
كما دعا رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون لاعلان لبنان مركزا للحوار العالمي ووافقت الامم المتحدة على مبادرته، لكن لم يتم تحويل هذه المبادرة الى خطوة عملية، وجرى مؤخرا في لبنان انشاء مجموعة خاصة لحل النزاعات وقامت بأنشطة لكنها لا تزال في بداية عملها .
وهناك شخصيات عربية عدة نشطت في السنوات الاخيرة من أجل الدعوة لوقف الحروب والصراعات ، لكنها لم تحقق نتائج عملية.
ومن الواضح أن العالم العربي يحتاج لاطلاق مبادرة عربية او مبادرة عربية – اقليمية من أجل التفكير بحل النزاعات وتعزيز الحوار سواء على المستوى الوطني داخل كل قطر او بين الدول العربية او بين الدول العربية والدولة الاسلامية ، وكان من المفترض ان تتولى ذلك جامعة الدول العربية والمؤسسات التابعة لها او منظمة التعاون الاسلامي ومؤسساتها ، لكن للاسف هذه المؤسسات غرقت في الخلافات والنزاعات الداخلية والاقليمية.
فلماذا لا يتم اطلاق مبادرة عراقية – لبنانية مشتركة لانشاء مؤسسة عربية كبرى لحل النزاعات وتعزيز الحوار سواء داخل كل قطر او بين الاقطار العربية والاسلامية ، ومن خلال هذه المؤسسة يتم تجميع الطاقات العربية والانفتاح على الدول الاسلامية المحيطة والاستفادة من الهيئات والتجارب الهادفة لوقف النزاعات والصراعات بدل اللجوء للمؤسسات الاجنبية او انتظار الجهات الدولية كي تعمل لوقف النزاعات والحروب والصراعات في بلادنا.