دائمًا، وعند كل استحقاق يواكب لبنان، تصطف الزعامات السياسيّة خلف طوائفها. هكذا اعتاد هذا البلد الصغير التعامل مع أزماته منذ قِدم السنوات وحتى اليوم. وعلى الرّغم من وميض التغيير الذي عصف بالبلاد ذات تشرين، إلا أن رياح الطوائف كانت أقوى من رياح التغيير، فأعادت مختلف القوى والتيارات إلى مربّعها الطائفي.
دار الفتوى في لبنان تسعى إلى استعادة دورها المحوري الوطني الذي جسّده المفتي حسن خالد، وها هي تتحضّر إلى إقامة لقاء سنّي جامع في الرابع والعشرين من أيلول/سبتمبر الجاري، على عتبة استحقاقات مصيريّة ووطنيّة كبيرة تنتظر البلد بدءا من استحقاق رئاسة الجمهورية.
فماذا عن دور وتوقيت هذا الإجتماع؟ وهل تلقي المملكة العربية السعودية بثقلها عليه؟ هل من رسالة معيّنة إلى رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري؟
لقاء مفصلي
يجيب الصحافي يوسف دياب في حديث لـ"جسور" عن هذه الأسئلة ليقول إن "اللقاء الذي دعا اليه مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان في دار الفتوى سيكون مفصليًا، لأن دار الفتوى تريد أن تأخذ المبادرة قبيل الاستحقاقات المصيريّة، أقلّه في الشارع السني اليوم بغياب زعيم سنّي سياسي وازن مثل سعد الحريري".
دياب يعتبر أن دار الفتوى تأخذ زمام المبادرة وتحاول توحيد الموقف السنّي، وان لم تستطع ذلك فأقلّه ان تصب الأكثريّة السنيّة في الاتجاه الذي تصبو اليه الدار بأن تكون الطائفة موجودة في القرارات المصيريّة، لا أن تكون مغيّبة، لأن الطائفة السنية لها دور فاعل على صعيد القرارات الوطنية الأساسية."
هل للمملكة السعوديّة دور؟
يشير دياب الى أنه "من غير المعلوم إن كانت المملكة تقف خلف هذا اللقاء، إنما السّفير السعودي في لبنان وليد بخاري يرحّب بهكذا لقاء ويرتاح دائمًا لمواقف مفتي الجمهورية ولدار الفتوى، التي تشكل اليوم بالدرجة الأولى مرجعيّة وطنية وبالدرجة الثانية مرجعية دينيّة وسياسيّة للطائفة السنية، حتى وإن لم تكن السعودية من الداعيين له، فهي مرتاحة لمثل هذا اللقاء لأنها تعرف بأن الطائفة السنية يجب أن لا تكون مغيّبة عن هكذا قرارات مصيريّة".
سعد الحريري والدور المستقبلي
يؤكّد دياب بأن هذه المرحلة تملأ غياب سعد الحريري عن الساحة السياسية، وبالتالي يسدّ هذا الاجتماع الفراغ السياسي في الطائفة السنية الذي وبحسب المعطيات وبالاستناد إلى نتائج الانتخابات، فإن سعد الحريري لايزال اللاعب الأساسي في الطائفة وله دور وطني وبالتالي الكل يستشعر ان غيابه وغياب تيار المستقبل اليوم وانسحابه من المشهد السياسي ترك فراغًا جِد كبير".
ويضيف: هذا لا يعني انتهاء دور سعد الحريري وتيار المستقبل، بل سيكون له دور في المرحلة المقبلة لكنه يتحيّن الفرصة المناسبة للعودة إلى العمل السياسي، ويقود دفّة الطائفة السنية من جديد. حتى الآن لم تفرض الانتخابات زعامة سنيّة بديلة عنه، وهناك تعاطف سنّي كبير معه ومع الحريرية السياسية لذلك له دور مستقبلي كبير".
المفتي حسن خالد.. لا يتكرّر
وردًّا على سؤال حول تكرار تجربة المفتي حسن خالد يقول دياب: "المفتي حسن خالد لا يتكرّر، وحينما كان مفتيًا للجمهورية كان في موقع اجماع وطني وليس فقط سنّي، كان يشكّل والبطريرك صفير (البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير) ثنائي ديني ووطني لا يتكرّر، وبالطبع اليوم المفتي عبد اللطيف دريان له وزنه ودوره، لكنّ حيثيّة المفتي خالد لا تتكرّر في تاريخ لبنان".
دياب تمنّى ان يستعاد الدور الوطني لدار الفتوى الذي مثّله ذات يوم المفتي حسن خالد، لأن الشارع السني يفتقده كثيرًا، حتى أنه يذهب بعيدًا بالقول إن الدار غائبة عن استحقاقات وطنية وأساسية، بل إنها تفتقر للموقف الحاسم والبارز فيها".