منذ نحو ثمانية أشهر، يعيش العراق أزمةً سياسيّة نتيجة خلافاتٍ حادّة على تشكيل الحكومة، بين الكتلة الصدرية التي فازت بالمرتبة الأولى بـ 73 نائبًا وأحزاب سياسية ممثلة فيما يعرف باسم "الإطار التنسيقي" المنافس لهذه الكتلة.
واليوم، لا يزال العراق يعاني غيابًا للمسار السياسيّ الذي من شأنه أن يُخرج العراق من أزمته الراهنة التي تفاقمت بشكل خطير بعد قرار الكتلة الصدرية الاستقالة من مجلس النواب، في خطوة قد تزيد الوضع السياسي "إرباكا"، ويتوقّع محللون أن تشعل الشارع من جديد.
مع انتهاء الأربعاء فترة الشهر التي حدّدها زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر لتجربة المعارضة، دعا الصدر نـواب كتلته الصدرية الثلاثة والسبعون المستقيلون من البرلمان وقيادات تياره لاجتماع عاجل اليـوم في مقره بمنطقة الحنانة في مدينة النجف (160 كم جنوب بغداد) كما قال مكتبه الاعلامي في بيان مقتضب مساء أمس الثلاثاء.
ولم يتم توضيح سبب الاجتماع والهدف منه والموضوعات التي سيبحثها إلا انه يأتي مع انتهاء فترة الشهر التي حدّدها الصدر في 15 الشهر الماضي بالتخلي عن مساعي تشكيل الحكومة الجديدة لمدة 30 يومًا والانتقال إلى المعارضة خلال هذه الفترة، كما يأتي بعد ثلاثة أيام من تقديم نواب كتلته البرلمانية لاستقالاتهم في اجراء تم اعتباره انسحابًا من العملية السياسية الجارية في البلاد منذ عام 2003.
توقعات لخطوة جديدة للصدر
ويترقّب العراقيون اليوم نتائج الاجتماع الذي يعقده الصدر مع نواب كتلته البرلمانية المستقيلة وقادة تياره وسط توقعات بإعلان الصدر عن خطوة ثانية تكون مكملة لاستقالات نوابه.
ومن المنتظر أن يبحث الاجتماع الموقف من الاتصالات التي بدأت بين الإطار الشيعي وقوى سياسية أخرى لبحث تشكيل الحكومة الجديدة وفيما إذا كان التيار الصدري سيقاطع هذه الاتصالات.
ويأتي اجتماع اليوم وسط معلومات عن إرسال الإطار الشيعي لوفد يضم بعض قياداته إلى النجف مقر الصدر في محاولة لإقناعه بالعدول عن قرار الانسحاب من العملية السياسية، وتقول مصادر مطلعة، إنّ مبادرات يجري الإعداد لها خلف الكواليس بغية إقناع الصدر بالعدول عن قراره الأخير باستقالة نواب الكتلة الصدرية من البرلمان، ووفق بعض تلك المصادر فإن أحد المبادرات ستكون من رئيس الجمهورية برهم صالح، في وقت خلص فيه الاجتماع المشترك الذي عقده الإطار التنسيقي الشيعي برفقة تحالف عزم السني والاتحاد الوطني الكردستاني وحركة بابليون والجهات المستقلة، إلى الدعوة للإسراع بتشكيل الحكومة والمضي بالاستحقاقات الدستورية وفق الأصول.
وفي هذا الإطار، رأى الخبير القانوني، جمال الأسدي، أنه يمكن للكتلة الصدرية التراجع عن الاستقالة، لافتا إلى أنّ موضوع العودة عن الاستقالة لا يعالجه أي نص قانوني أو دستوري، بل ممكن أن يكون إجراءا إداريًا.
وشرح الأسدي في تصريح لـ "جسور"، أنّ الاجراء الإداري يتمثّل بتقديم النائب طلبًا يطرح فيه العدول عن استقالته، على أن يحظى بموافقة رئيس مجلس النواب على هذا العدول.
عدول عن الاستقالة؟
ورغم أن قرار التيار الصدري، أربك عموم المشهد السياسي العام، وأفرح البعض، وأقلق البعض الاخر، وفرض خِيارات مختلفة، الا أنه لن يكون الفصل الأخير في سيناريو تشكيل الحكومة، ولن يكون بالضرورة بداية لنهاية الانسداد السياسي في البلاد، فمن الصعب بحسب الأكاديمي والباحث السياسي، الدكتور علاء مصطفى، توقّع سيناريو المرحلة المقبلة، لأن الأمور كلها معلّقة حتى إيجاد بديل عن الكتلة الصدرية، فسيناريو عودة الكتلة الصدرية إلى البرلمان وقرار العدول عن الاستقالة وارد بحسب ما قال مصطفى في حديث لـ"جسور" وهناك جهود يبذلها رئيس البرلمان محمد الحلبوسي لإقناع الصدر بالعدول عن الاستقالة والأنظار اليوم تتجه إلى اجتماع الحنانة، وعليه إن تراجع الصدر عن استقالته فالمشهد السياسي سيكون مختلفا وإن لم يعدل عن قرار استقالته فالمشهد سيكون بصورة أوضح أي أن الإطار سيتحمل مسؤولية تشكيل الحكومة وهناك تقارب مع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، الذي لن يعترض على المشاركة في حكومة يقودها الإطار.
وفي السياق، أكد مصطفى، أن هناك وساطات تُجرى حاليًا وتحديدًا من رئيس البرلمان محمد الحلبوسي لثني الكتلة الصدرية عن قرار الاستقالة.
سيناريوهات المرحلة المقبلة
من جهته، تحدث المستشار في المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، الدكتور الناصر دريد عن سيناريوهات ثلاثة، كاشفًا في تصريح لـ "جسور" أن السيناريو الأول يتمثل بتسارع كتلة الإطار التنسيقي الى اغتنام هذه الفرصة وأخذ مقاعد الصدريين الشاغرة وبدأ تشكيل وزارة جديدة هذه المرة تخلو من الصدريين.
أما الاحتمال الثاني، وبما أن الوضع الداخلي أصبح غامضًا ومتزعزعًا فأفضل طريقة لمعالجة هذا الوضع بحسب دريد هي العودة إلى انتخابات جديدة مع ما يستتبع ذلك من مشاكل عدة أولها قانون الانتخابات ورصد الميزانية اللازمة لإجراء هذه الاستحقاق.
وعن السيناريو الثالث، يقول دريد هو أن يبقى الوضع كما هو عليه، أي أن يتم ملئ البرلمان من جديد بأعضاء اللجنة التنسيقيّة لكن من دون الدعوة لانتخابات أقله في الوقت الراهن، ويبدو أن الحل الأخير هو الذي تريده كل الأطراف كي لا تتدهور الأمور داخليًا أكثر فأكثر يختم دريد.
محاولات تشكيل الحكومة
ويعلّق الإطار التنسيقي آماله على انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بعد العطلة التشريعية ومن ثم تكليف مرشّح الكتلة الأكبر لتشكيل الحكومة. قد يكون اختيار المرشّح لمنصب رئيس الوزراء هو الموضوع الأكثر صعوبة وتعقيدًا لتعدد الشخصيات المرشحة والمتنافسة لهذا المنصب وغالبيتهم يمثلون قيادات الإطار.
ويجري تداول العديد من الأسماء لنيل المنصب، في الوقت الذي لم يتم الاتفاق حتى الآن على الآلية التي يتم بموجبها اختيار المرشح، اذ ان قيادات الإطار تدرك جيدًا الصعوبات التي تواجه الاختيارات المحتملة لهذا المرشح أو ذاك، إضافة الى ضرورة حسم الاختيار داخل الإطار على أن يكون مقبولا لدى السنة والكرد والمجتمع الدولي.
كما أن التحديات التي تنتظر الحكومة المقبلة ستزداد تعقيدًا هي الأخرى، اذ ان التيار الصدري قد يصبح حركة شعبية معارضة وهذه الحركة لن تكون سهلة في معارضتها وعلى هذا الأساس ستواجه الحكومة ملفات صعبة وشائكة منها سياسية وشعبية واقتصادية الى جانب الأمنية، الأمر الذي سيؤدي الى إنهاك الحكومة بلا أدنى شك.
وهنا يؤكد متابعون أن استقالة نواب الكتلة البرلمانية الأكبر وتحول تيارها الصدري من العمل البرلماني إلى الحراك الشعبي سيولد بالتأكيد واقعا جديدًا غير معهود يصعب التكهن بانعكاساته ومتغيّراته بين لحظة وأخرى، والأهم كيف سيكون شكل العملية السياسية من دون هذا التيار الشعبي الواسع والكبير والمؤثر، وما هو المتوقع من ردود فعل الشارع الشيعي عمومًا إزاء عودة صقور الإطار التنسيقيّ لتسيد المشهد السياسي وبالتالي افتقاره لمبدأ التوازن بين مختلف القوى الشيعية وتنوعها.