بعد ساعات من إعلان مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، اعتذاره عن عدم قبول الترشّح لمنصب رئيس الوزراء، اختارت قوى "الإطار التنسيقي" الشيعية بالإجماع وزير العمل والصناعة الأسبق محمد شياع السوداني (52 عامًا) مرشحًا لرئاسة الحكومة العراقية المقبلة، في خطوة انقسم الوسط السياسي والشارع العراقي نحوها. فهل ينجح العراق بتشكيل حكومته أخيرًا؟ وهل سيعطي زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الضوء الأخضر لترشيح السوداني؟
أخيرًا، وبعد طول أخذ وردّ، حسم "الإطار التنسيقي" أمره، معلِنًا ترشيح السوداني لخلافة مصطفى الكاظمي على رأس الحكومة الجديدة. وعلى الرغم من أن اسم السوداني ظلّ ملاصِقًا لاسم نوري المالكي طوال سنوات، إلّا أن "التنسيقي" يراهن، على ما يبدو، على أن هذا الاسم لن يكون مستفزًا لـ "التيار الصدري"، وبالتالي لن يدفعه إلى إشعال الضوء الأحمر بوجهه، لكن ذلك التفاؤل يظلّ رهْنًا لما سيكون عليه موقف القوى الكردية بالدرجة الأولى، والسنّية بالدرجة الثانية التي لا تزال منقسمة على هويّة مرشّحها لرئاسة الجمهورية، الأمر الذي من شأنه وضع الكثير من التعقيدات أمام نيْل السوداني الثقة.
ترحيب وصمت
وفي انتظار اتّضاح الصورة، تتجه الأنظار حاليًا إلى حي الحنانة في مدينة النجف حيث مقر الصدر، لمعرفة ما إذا كان سيعطي الضوء الأخضر لترشيح السوداني أم لا، إذ يأتي اختياره بعد مرور 9 شهور على إجراء الانتخابات البرلمانية، من دون الاتفاق على شخصية لرئيس الوزراء.
وفي هذا السياق، يرى مستشار المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، المحلل السياسي، الدكتور الناصر دريد في اتصال مع "جسور"، أن ترشيح الإطار التنسيقي لاسم معيّن لا يعني أن الأمور ستنفتح أمامه كي يتولّى فعلاً رئاسة الحكومة المقبلة، إذ أمامه شوط طويل من الموافقات والتوافقات الداخلية والإقليمية والدولية على حد سواء كي يُقبل هذا الترشيح.
ورحبت القوى المتحالفة مع الإطار التنسيقي مثل الاتحاد الوطني الكردستاني والسنة الصقور الممثلين بتحالف "العزم" بخطوة ترشيح السوداني، واعتبروها خطوة باتجاه تفعيل العملية السياسية في العراق، الا أن الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة المتحالفين مع الصدر قبل انسحابه لم يصدرا أي بيان أو موقف.
وتقول مصادر سياسية لـ "جسور"، إن "الإطار التنسيقي اختار السوداني من دون مفاتحة التيار الصدري وسيوفد لجنة الى النجف للقاء زعيم التيار مقتدى الصدر لشرح آلية وخطوات وبرنامج الحكومة المقبلة وأهدافها".
وتضيف، إن "الصدر سبق وان رفض ترشيح السوداني لرئاسة الحكومة إبان تظاهرات تشرين، ولكن هذه المرة مختلفة على اعتبار ان الترشيح جاء من الكتلة الاكثر عددًا، بعد استقالة الكتلة الصدرية وهي الاطار التنسيقي".
موقف الصدر
وبحسب ما قال دريد لـ "جسور"، فإنّ الصدر سيحاول ألا يبدو متحاملا على أي حكومة في الإطار التنسيقي خصوصًا وأن السوداني ليس لديه سجلّ قوي في قضايا الفساد أو القمع وغيره إلا أنه يبقى من أتباع نوري المالكي سابقًا، وبالتالي سيحاول أن يؤجّل رد فعله إلى درجة معينة ثم لا يلبث أن يظهره، مرجحًا عدم قبول الصدر بترشيح السوداني وأي اسم آخر يطرحه الإطار التنسيقي من داخله.
وفي هذا السياق وطبقًا للمعلومات المتداولة فإن موقف الصدر من محمد شياع السوداني سوف يتبلور خلال الأيام أو ربما الساعات المقبلة.
وبينما لا يمكن التكهن بما يمكن أن يتخذه الصدر من موقف فإن هذا يتوقف على مدى قناعة الصدر بأن المالكي ليس له دور في اختيار محمد السوداني، بحكم أنه كان ينتمي سابقًا إلى "ائتلاف دولة القانون".
وفي حال قبل الصدر بالسوداني فإن إجراءات تشكيل الحكومة المقبلة ستمضي بسلاسة في حال حسم الأكراد موقفهم بشأن اختيار مرشحهم لرئاسة الجمهورية، أما في حال كان للصدر موقف سلبي من اختيار السوداني فإن المشهد المقبل سوف ينفتح على مفاجآت قد تكون غير محسوبة ليس أقلها استمرار الحكومة الحالية لوقت أطول والاستعداد لانتخابات جديدة، وهنا يبيّن مستشار المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، أنه لن تتشكّل حكومة جديدة وستبقى الحكومة الحالية إلى أمد ليس بالقصير.
معضلة سياسية
ويتعيّن على الإطار التنسيقي أن يقدّم ترشيح السوداني إلى مجلس النواب للموافقة على توليه المنصب، وهو إجراء لا يمكن أن يتم من دون أن يختار المجلس رئيس الجمهورية، وهي الخطوة التي تسبق تسمية رئيس الحكومة وفقًا للدستور العراقي، إذ يكلّف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة السياسية (النيابية) الأكبر لتشكيل الحكومة.
يأتي ذلك في وقت تتجه الأنظار نحو الحزبين الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل الطالباني لحسم مرشح الأكراد لرئاسة العراق.
ويتمسّك الحزب الديمقراطي الكردستاني بترشيح وزير داخلية الإقليم ريبر أحمد لرئاسة العراق، في حين يصرّ الاتحاد الوطني الكردستاني على ترشيح الرئيس الحالي برهم صالح لولاية جديدة، وفي حال عدم توصل الحزبين الكرديين إلى اتفاق بشأن مرشح للمنصب، فإن اختيار الكتل الكردية داخل البرلمان العراقي أحد المرشحين بالتصويت، قد يمثل إحدى الطرق للخروج من المعضلة السياسية.
وتتوقع الأوساط السياسية في العراق أن يعقد مجلس النواب الأسبوع المقبل جلسة مخصّصة للتصويت على 25 مرشحًا لمنصب رئيس الجمهورية.