على مدى أشهر، فشلت كافة المساعي المحلية في تذليل العقبات التي تحول دون تشكيل حكومة جديدة في لبنان، إلى أن بشّر رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي اللبنانيين، بانفراج قريب في الملف عقب اللقاء الأخير الذي جمعه برئيس الجمهورية ميشال عون، إذ قال ميقاتي ممازحاً عند مغادرته القصر: "استمر اللقاء نصف ساعة والمرة المقبلة سيكون اللقاء طويلاً حتى لو استدعى الأمر النوم هنا، حتى تأليف الحكومة".
تحوّلت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي إلى حكومة تصريف أعمال مباشرة بعد الإنتخابات النيابية في مايو/أيار الفائت، وبعد إعادة تكليفه لتشكيل حكومة جديدة، سارع ميقاتي إلى بعبدا حينها، لتقديم تشكيلته الوزارية إلا أن رئيس الجمهورية أبدى تحفظاً عليها ثم توالت زيارات الرئيس المكلف الى بعبدا لحلحلة العقد، إنما دون جدوى.
ومع اقتراب نهاية ولاية عون في الحادي والثلاثين من شهر أكتوبر/تشرين الأول برز تعقيد آخر على المشهد السياسي اللبناني وتجلى في رفض نواب التيار الوطني الحر تسلم حكومة تصريف الأعمال مرحلة الفراغ الرئاسي، في ظل الشكوك المتزايدة في امكانية انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً لعون في القريب العاجل.
الإيجابية التي أبداها ميقاتي لن تترجم إلا عند عودته إلى لبنان إذ يغيب لعدة أيام حيث شارك في مراسم دفن الملكة اليزابيث الثانية في بريطانيا قبل أن يتوجه إلى الولايات المتحدة الأميركية للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن المتوقع أن يحرك عند عودته مباشرة، الملف الحكومي. وفي هذا الإطار، يؤكد الصحافي اللبناني جوني منيّر في اتصال مع "جسور" أن الاتفاق تم "مبدئياً على تشكيل حكومة جديدة بضمانة حزب الله".
ميقاتي يقطع الطريق
اللافت في الموضوع ما أوضحه منيّر من أن "ميقاتي يحاول كسب الوقت لتقصير عمر الحكومة، مع الوقت المتبقي من عهد الرئيس ميشال عون، لقطع الطريق على طلبات الرئيس الكثيرة".
ويتوقع منير أن "يعمد الرئيس عون إلى الضغط على الرئيس المكلف لتمرير تعيينات يستفيد منها صهره (النائب جبران باسيل) مستعيناً في ذلك بحزب الله" لكنه أشار إلى أن ميقاتي "سيرفضها أو يمرر قسماً منها إن مورس ضغط عليه".
في المقابل يحصل الرئيس عون على "ضمان التوقيع على ملف الترسيم البحري في عهده"، يتابع منيّر.
منيّر لفت أيضاً إلى أن شكل الحكومة لن يتغير سوى جزئياً "ستبقى الحكومة على حالها وربما يعمد رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى تغيير وزير المال، المحسوب على فريقه، وقد يتغير وزير المهجرين بالتنسيق بين عون والزعيم الدرزي طلال إرسلان" ورجح أن يختار عون اسماً سنياً جديداً ليتولى وزارة الاقتصاد باعتبار أنه كان من حصته في الحكومة الماضية".
إذا وقبل نهاية شهر سبتمبر/أيلول الحالي، من المتوقع أن تتشكل الحكومة، "على أن تصبح صالحة للعمل خلال عشرة أيام كحد أقصى" كما يوضح منيّر متابعاً "إذ يجب أن ترسل إلى مجلس النواب للتصويت عليها وإصدار المراسيم وتحديد البيان الوزاري ويكون حينها قد تبقى عشرون يوماً من عهد الرئيس ميشال عون فقط".
حرص دولي
بالانتقال إلى المواقف الدولية من الملف الحكومي اللبناني، أكد الخبير القانوني في المفوضية الأوروبية الدكتور محي الدين الشحيمي في اتصال مع "جسور" "الحرص الدولي على احترام الدستور اللبناني والانصياع للمهل والقوانين حفاظاً على ما تبقى من هيبة الدولة واستمرارية مؤسساتها".
لكنه لفت إلى أن "الظروف المتداخلة في لبنان فرضت على هذه الدول، ترك ملف تشكيل الحكومة للساحة المحلية، رغم تأكيدها بأن تشكيلها أولوية" ومرد ذلك وفقاً لشحيمي "كونها تسعى للتفرغ للاستحقاقات المقبلة الأخرى وفي مقدمتها رئاسة الجمهورية".
حرب الصلاحيات
في المقابل يرى الشحيمي أن "غرق البلد في حرب الصلاحيات المبطنة بين الرئاسات خصوصا الأولى والثالثة بذريعة تصريف الأعمال دفع من جديد بملف تأليف الحكومة إلى الواجهة" مع تأكيده "أن الدستور لم يفرق ولم يورد سوى ذكر تسلم مجلس الوزراء مجتمعاً وكالة الصلاحيات (المادة 62)".
مع ذلك، لا يبدو الشحيمي واثقاً من إمكانية تشكيل حكومة جديدة ويعتبر أن "الأمر غير جدي رغم ما تفرزه لنا مشهديات الساعة الأخيرة".
وأوضح "الجدير ذكره سواء تشكلت الحكومة أو لم تتشكل، على الرئيس أن يغادر القصر منتصف ليل نهاية ولايته وتسليم الصلاحيات الى مجلس الوزراء الحالي مهما كانت توصيفاته كونه موجود وواقعي" شارحاً التالي "لا أحد يقبل بغير ذلك أبداً لا الدستور ولا القوانين، كما لا يمكن للدول الحليفة والصديقة تفهّم خطوة مغايرة لذلك، باعتبار ان خطوة مماثلة تدخل البلاد في نفق غير جميل وغير حميد".