يجد التونسيون أنفسهم اليوم مجددًا وسط تحديات سياسية جديدة، فهم مدعوون الإثنين للتصويت على دستور جديد اقترحه الرئيس قيس سعيّد من أجل بناء ما يسمّيه "الجمهورية الجديدة".
يأتي ذلك في سياق اقتصادي واجتماعي متدهور تعمّق منذ ثورة 2011، وطال القدرة الشرائية للمواطن وكذلك ضاعف نسب البطالة والتضخّم.
في جولة في سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية, تم رصد آراء باعة متجولين لمعرفة ماذا يعرفون عن الاستفتاء المقرر وعن "جمهورية قيس سعيّد".
هم وغم
في قلب مدينة سيدي بوزيد (وسط وتبعد نحو 300 كلم عن العاصمة تونس) وعلى بعد أمتار من مقر الولاية، يعرض باعة متجوّلون على الأرصفة بضاعتهم في مشهد يعيد إلى الأذهان محمد البوعزيزي، البائع المتجوّل الذي أضرم النار في نفسه قبل نحو 12 عامًا مطلقًا الشرارة الأولى لـ"ثورة الياسمين" في تونس، فيما تستعد البلاد لإجراء استفتاء على دستور جديد يوم 25 يوليو/ تموز وسط أزمة سياسية واقتصادية خانقة في البلاد.
منصف البالغ من العمر 65 عامًا على عربته إبريق شاي وبيض مسلوق وسجائر، يبيع بضاعته والابتسامة بادية على محياه قال "سأصوت الإثنين، لا أدري ما هي الجمهورية الجديدة، لكني سأصوت بنعم، أصوت من أجل دعم الرئيس، أرجو أن يرأف بحالنا ويدعمنا. قيس سعيّد يحب الشعب ويريد القضاء على الفساد، نريد منه أن يقضي على المنظومة القديمة التي يجب أن ترحل (في إشارة للأحزاب السياسية التي شاركت في الحكم منذ الثورة وأبرزها حركة النهضة). منذ الثورة لم نر شيئًا غير الهم والغم".
يتابع منصف "أبيع كأس الشاي بـ300 مليم (عشر سنتيمات فرنسية)، والبيضة بـ400 مليم (13 سنتيم فرنسي) والسيجارة بـ150 أو 300 مليم، لأؤمن قوت أبنائي، تمنعني الشرطة من البيع هنا، لكن ليس لدي حل آخر لإعالة عائلتي".
مرحلة مفصلية
وتتهم المعارضة التونسية سعيّد بمنح نفسه صلاحيات واسعة عبر الدستور الجديد في وقت تعيش فيه البلاد مرحلة مفصلية من الديمقراطية الناشئة ووسط مخاوف من "انحراف سلطوي".
وتعَد تونس، مهد "الربيع العربي" في 2011، نموذجًا للانتقال الديمقراطي الناجح في العالم العربي رغم الصعوبات الاقتصادية والأزمات السياسية.
أما رضا (38 عامًا) الذي يبيع نظارات شمسية وبعض الآلات الإلكترونية فقد قال إنه لن يصوت الإثنين، وأضاف، "ليست لدي فكرة عن الدستور الجديد.."، يضيف بحسرة "تونس لم تقدّم لي شيئًا، أحب بلدي لكن لم تعد لدي ثقة لا في التصويت ولا في السياسيين. يقول سعيّد إنه يريد بناء جمهورية جديدة، لكن بالنسبة لي لا شيء واضح، لن يتغيّر شيء، الدستور الجديد لا يخدم غيره".
وقبل نحو عام، في 25 يوليو/تموز 2021 قام سعيّد باحتكار السلطات في البلاد وإقالة رئيس الحكومة وتجميد أعمال البرلمان وحله في مرحلة لاحقة، واعدا بتأسيس ما يسميها "جمهورية جديدة".
وأضاف رضا "أبيع بضاعتي أحيانا هنا، وأحيانًا أخرى في السوق، أعمل على الحدود أحيانًا لأجلب بضاعتي من الجزائر أو ليبيا، ما أريده هو أن تترك السلطات الحدود مفتوحة وأن تسمح لنا بالعمل."
عمليات تهريب
وتجدر الإشارة إلى أنه تنشط في المنطقة الحدودية التونسية الليبية الجزائرية عمليات تهريب مواد كثيرة على غرار المحروقات والمواد الغذائية والأجهزة الإلكترونية بشكل متواصل.
مشاكل عميقة
ولم تتمكن تونس من حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية العميقة في البلاد كالبطالة وتدهور البنى التحتية والتضخم، وهي مطالب ثورة 2011، ما خلف مرارة لدى المواطنين الذين أملوا في أن تمنحهم الثورة حلولا لأوضاعهم.
كذلك لم تتمكّن الأحزاب ولا الائتلافات البرلمانية التي تعاقبت منذ العام 2011 من إقرار إصلاحات اقتصادية ضرورية، فيما فاقمت الحرب في أوكرانيا الوضع في البلاد التي تشهد نقصا في المواد الأساسية كالسكر والطحين والزيوت الغذائية في البلد الصغير الواقع في شمال أفريقيا.
أما طاهر (60 عامًا)، الذي يعرض للبيع ملابس مستعملة فقد قال "لدي سبعة أبناء، كلهم عاطلون عن العمل، أحدهم من ذوي الإعاقة، أساند الجمهورية الجديدة لقيس سعيّد، لأنها ضد العصابات (في إشارة إلى الفساد)، الأمور السياسية لا تهمني، لا نطلب الكثير، نريد فقط أن نحصل على قوت يومنا، يمنعوننا من البيع هنا على قارعة الطريق فيما لا يحاسبون رؤوس الأموال الكبرى عن الفساد".
وتابع "أكسب 30 أو 40 دينارًا (نحو 10 يوروهات) في اليوم، مردود لا يكفي لتلبية حاجيات أبنائي، آمل أن يتغير الوضع في البلاد، وأن ينتعش الاقتصاد ونستعيد ثرواتنا كما وعد، سأصوت الإثنين بنعم، أساند الرئيس، صوتت له في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وسأدعمه مرة أخرى".
وتتراوح آراء هؤلاء الباعة في سيدي بوزيد بين داعم ولا مبالِ بالاستفتاء وبمشروع قيس سعيّد لبناء "جمهورية جديدة"، لكنهم يشتركون جميعا في حاجتهم الماسة حاليًا لتوفير قوتهم اليومي من أجل البقاء على قيد الحياة.