بعد الجدل الواسع الذي أثاره كتاب وزير الداخلية اللبنانية الذي طلب فيه من الأجهزة الأمنية منع أي تجمّعات وأنشطة تهدف إلى الترويج للشذوذ الجنسي، وبعد الإتصالات من مراجع دينية نددت بالدعوات لمثل هذه الأنشطة في لبنان، ماذا يقول القانون؟
مصدر قانوني رفيع، قال في حديث لـ"جسور"، أن "لبنان هو عضو مؤسس وفاعل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبالتالي عليه أن يطبق ما التزم به".
واعتبر أن "المشكلة هي في منع هذه التجمعات لا في تنظيمها، والمنع يخضع عادة لرقابة مجلس النواب والقضاء اللبناني، ويكون في حالات معينة كإذا كانت هذه التجمعات تهدد أمن البلد، لكن فعليا لا يمكننا منع وجود المثليين واحتجاجهم، لأن العالم تغير وأصبح قرية كونية واحدة، وبات بإمكانهم التجمع والإحتجاج على مواقع التواصل الإجتماعي، حيث لا يمكن لأحد التدخل".
وأشار المصدر الذي فضل عدم ذكر إسمه إلى أن "السلطة تتذرع بقانون يتحدث عن المجامعة على خلاف الطبيعة، لكنه غير واضح ولم يذكر المثلية".
موضوع جدلي
بحسب المحامي اللبناني، الدكتور في القانون، أنطوان سعد، ان "القانون اللبناني لم يحدد وضعا خاصا للعلاقات "المثلية" ولم يعاقب عليها، بل يعاقب في حال ارتكاب فعل مخل بالآداب العامة أو من يحض على ارتكاب الفجور أو الفحشاء، كما يتحدث القانون عن العقوبات لمن تسبب بذلك أو لمن هدد أو اغتصب أو حرض على ارتكاب الدعارة".
وتابع سعد، "كما يعاقب القانون في حالة ارتكاب الزنا بالنسبة للأشخاص المتزوجين، أو الذين هم من عائلة واحدة، أو أحدهم دون سن الـ21، لكنه لم يحدد إطارا قانونيا لطبيعة علاقات المثليين، وبالتالي لم يمنع هذه العلاقات إذا أتت إرادية".
ولفت في حديث لـ"جسور"، إلى أن "هذا الموضوع هو جدلي في العالم، وبعض الدول أقرت قوانين تسمح بهذه العلاقات وبزواج المتحولين جنسيا والمثليين، وبحصول الطرفين على حقوقهما الطبيعية، باعتبار أن كل شخص هو حر بأحاسيسه وميوله وكيف سيوجهها، فيما رفضت دول أخرى الموضوع كليا لأسباب دينية وإجتماعية كلبنان، الذي يمكنه أن يتقبل الإرهاب والإحتلال والإغتيالات والتدمير والتفليس وجرائم الإبادة، لكن المثلية فيه غير مسموحة".
ختاماً، قال سعد، "لا أعتقد أن المجتمع اللبناني اليوم مهيأ لمعالجة قضايا مماثلة، خصوصا قبل أن يصبح لبنان دولة مدنية".
حرب مؤيدين ومعارضين
وأصدر وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي بتاريخ 24 يونيو/ حزيران الجاري، كتابًا موجهًا لكل من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والمديرية العامة للأمن العام، موضوعه "منع تجمّعات تهدف إلى الترويج للشذوذ الجنسي".
وطالب الوزير بكتابه، المديريتين منع أي أنشطة مزمع إقامتها في هذا الصدد فضلاً عن التجمعات ونسخ صور عن هذه الدعوات، وذلك بعدما تلقت الوزارة بحسب الوزير إتصالات من مراجع دينية نددت بالدعوات لمثل هذه الأنشطة في لبنان، وبإعتبار أن "الشذوذ الجنسي" أمر مخالف للعادات والتقاليد الإجتماعية ويتناقض مع مبادئ الأديان السّماوية.
وأشعل مضمون الكتاب "حرباً" بين مؤيدين ومعارضين احتدمت على وسائل التواصل الإجتماعي، وتصاعدت الإحتجاجات من الطرفين. ودعا بعض الأفراد والمراجع والجماعات الدينية، الى قمع أي محاولة لمجتمع الميم ومؤيديه لنشر كما أسموه "الشذوذ الجنسي".
"إنحراف وخطيئة"
وقبل تعميم كتاب الوزير، كان مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان قد أعلن أنّ دار الفتوى "لن تسمح بتشريع المثلية الجنسية ولا بتمرير مشروع الزواج المدني".
وحذّر "التيار السّلفي في لبنان ببيان شديد اللهجة "المسّ بالعقيدة الإسلامية، ودعا للإصطفاف إلى جانب دار الإفتاء".
وقام شبان يطلقون على أنفسهم اسم "جنود الربّ" بتخريب لوحة "بيروت برايد" المزيّنة بورود من لون قوس القزح في الأشرفية.
وفي عظة قداس الأحد، اعتبر متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة أن "البعض يسعون في مجتمعاتنا إلى التسويق لمفاهيم منحرفة لحرية الفرد ولحقوق الإنسان، كما هناك جماعات تستورد قناعات وقيما خاطئة عما يسمونه "حرية عيش المثلية الجنسية" وسواها من الاتجاهات المريضة، إلى تغيير الجنس، بحيث يستعبد كيان الإنسان وحياته بمجملها لمنطق الشهوة المنحرفة والخطيئة، وهذه النزعات غير الإنسانية تجرد الإنسان من كرامته وقيمته كشخص مخلوق على صورة الله ومثاله".
وأشار إلى أن "السلوك المثلي في الكتاب المقدس لا يباركه الله بل يحظره بوضوح... "ذكرا وأنثى خلقهما"، هذا خير تعبير عن القصد الإلهي في الخليقة، وكل ترتيب آخر هو سقوط وانحراف"، لافتاً إلى أن "المطلوب هو توجيه تلك الرغبات وتنظيمها في الأطر الأخلاقية والروحية التي يمكن من خلالها تحقيق مقاصد الله".
بدوره، شدد المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان على أن "الشذوذ الجنسي مرفوض بشدة، ولن نقبل به أبدا ولن يتحقق في لبنان، والخطير أن بعض القرارات القضائية تعمل على تأسيس حماية قضائية لأسوأ طاعون أخلاقي".
مقابر قوس قزح
وتوجه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في بيان، "لكل من يريد تغيير هوية لبنان الأخلاقية"، وقال: الأخلاقيات ضرورة مكونة بل وجودية للبنان بما في ذلك الأخلاقيات الإنسانية والنظام الطبيعي الضامن للأخلاقيات الإجتماعية، لأن بعض الجزارين المنحرفين يريدون نسف البنية البشرية وتغيير نظام الطبيعة لصالح أسوأ انواع الشذوذ البشري وهذا مرفوض بشدة ولن نقبل به أبدا ولن يتحقق في لبنان، والخطير أن بعض القرارات القضائية تعمل على تأسيس حماية قضائية لأسوأ طاعون أخلاقي توازيا مع مشاريع دعائية تضغط لنسف روح أخلاقيات لبنان الطبيعية".
وأضاف: "لن نقبل أبدا بتغيير قوانين الطبيعة والإنسان بهذا البلد، والقضية قضية هوية ودستور وأخلاقيات طبيعية أبدية بعيدا عن توابيت المثلث الوردي ومقابر قوس قزح التي تفوح منها رائحة الدمار النفسي والجنون العاطفي".