إنها الحرب. أُطلقت على اللبنانيين قبل سنتين وأكثر. طبقة حاكمة لم تكفّ عن قهر المواطنين وتفقيرهم وسرقتهم، من دون أن يرف لها جفن أو يهتزّ لها ضمير. موسم الأعياد حلّ، واللبنانيين ضائعون، بين الغلاء المعيشي ورفع الدعم نهائياً عن سلعهم الأساسية، فيما مدخراتهم تحتجزها المصارف وسط محاولات الالتفاف والاقتطاع من صغار المودعين.
اللبنانيون لا يدرون ماذا يفعلون، كيف يهربون أو يتأقلمون، إنما السلطة الحاكمة على دراية بما تفعل. قد يتساءل البعض كيف أن الشعب اللبناني لا يزال يقاوم الوضع المأسوي، ومنهم من يتساءل كيف أن كثيرين يصرّون على الضحك رغم المآسي... لكن الأصعب هو لجوء البعض إلى الاستسلام، وهي النهاية القاسية لشباب قرروا الرحيل، وآخرهم شاب في الـ23 من عمره في بلدة معركة، جنوبي لبنان. مواجهة الحرب المفروضة عليهم هو فعل مقاومة للبنانيين حتى لا يستسلموا أمام سلطة جائرة، وهو ما يحاول الاختصاصيون شرح كيفيته.
التنبه
الاختصاصية في علم النفس والمعالجة النفسية شارلوت خليل، تقول في حديث لـ"جسور"، إنه "عندما تغيب العدالة الإجتماعية وتتزايد الأزمات والضغط وعدم القدرة على تأمين الحاجيات البيولوجية الأساسية للأشخاص، فضلاً عن الإنهيار الحاصل على المستويات كافة في لبنان، فمن الطبيعي أن تتفاقم المشاكل النفسية والاكتئاب والقلق لدى المواطنين"؛ مع الإشارة إلى أن البعض "ترافقه اضطرابات مما قبل الأزمة، فكل هذه العوامل زادت من نسب الانتحار في لبنان أو الاستسلام".
وتشير خليل إلى أنه "يجب التنبه إلى أن الشعب اللبناني حمل في ذاكرته الجماعية صدمات جمّة، أثرت عليه ومن الضروري التعاطف مع الذات أولاً، ومن هم حولنا مما يدفع بالناس الى محاولة إحداث فرق في حياة بعضهم البعض". وتشدّد على أنه "على كل شخص أن يستدرك ويتنبّه لأي تغيير بسلوكيات الأشخاص من حوله، ومساعدتهم وتوجيههم تجاه اختصاصيين، نظراً لدقّة وصعوبة هذه المرحلة، بالإضافة الى الاتصال بالخط الوطني الساخن للدعم النفسي والوقاية من الانتحار الرقم 1564"، وتضيف: "لدينا وسائل للمساعدة، لئلا يتردّد المواطن بالتوجه اليها".
حذارِ الإعلام
بشأن نشر ومشاركة وتداول أخبار الانتحار، عبر الإعلام أو مواقع التواصل، فإن الاختصاصيين يحذّرون من الأمر إذا حصل وسط مشاعر الترحيب أو وصف الشخص الذي أقدم على الانتحار بأنه بطل، وما إلى ذلك من أساليب بيّنت الاحصائيات أنها تشكّل كرة ثلج قد تدفع بغير أشخاص يعانون من اضطرابات إلى تقليد الفاعل.
وهو ما نبّهت إليه خليل بدورها، لناحية كن كيفية مشاركة الأخبار التي يتناولها الإعلام ومستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي نظراً لحساسيتها. وأكّدت أن نشرها "يجب أن يتم في إطار التوعية فقط ولتجنّب أن يكون الخبر دافعاً للأشخاص في اتخاذ هذا الخيار". وتضيف: "من الضروري جداً ألا يتم وصف أو مشاركة أي صور حول الطريقة المستخدمة للانتحار، وتفادي استخدام ومشاركة الصور أو لقطات الفيديو، كما وأن لا يفترض ذكر أن الإشخاص الذين حاولوا الانتحار، لأنّهم في هذه الحال يكونون ضعفاء وبحاجة للرعاية أو حتى لفت الانتباه، وهو ما يعني أن الشخص في أزمة نفسية شديدة تتطلب رعاية فورية".
الدقة
"الذنب ليس ذنبهم"، توضح خليل الحال التي وصل اليها المواطن اللبناني، وتقول: "في ظلّ مجموعة العوامل الذي يتعرّض لها الشعب اللبناني، يفترض أن يتذكّر أنه يتعامل معها بكل ما لديه من طاقة وبأن هذه الحال مرحلية وليست دائمة إنما دقيقة جداً". وتضيف: "على الأفراد ألا يضغطوا أنفسهم أكثر، ويبدلوا مقاربتهم للأمر بقدر المستطاع، ويرددوا لأنفسهم بأن قدراتهم وطاقاتهم تنبع من أملهم في التمسك بالحياة حتى تتحلحل الأوضاع".
التقارير الدولية
التمسّك بالحياة والأمل ومحاولة مساعدة من حولنا، والتبليغ أو طلب الاستشارة على الخط الوطني الساخن للدعم النفسي والوقاية من الانتحار الرقم 1564، واللجوء إلى العائلة والأصدقاء، كما الاختصاصيين ولا سيما من ينشرون أرقامهم للمساعدات المجانية والمراكز المجانية أو شبه المجانية، هي عينة من الحلول لمواجهة الواقع.
لا سيما بغياب الخطط الوطنية الشاملة للدعم، في ظلّ الأرقام غير المبشّرة، إذ إن تقريراً للأمم المتحدة، أشار إلى أن نحو 40 بالمئة من اللبنانيين يعيشون بطالة زادت من المعاناة الاجتماعية مع الانهيار الاقتصادي. وتخطى معدل الفقر حدود نصف المجتمع اللبناني ويتجه صعوداً، فيما تضاعف مستوى الفقر الحاد 3 مرات، حيث ارتفع من 8 بالمئة عام 2019 إلى 23 بالمئة عام 2020.
وكانت نتائج تقرير "غالوب العالمي للمشاعر 2020" (Gallup Global Emotions 2020) قد أظهرت أن اللبنانيين من أكثر 10 شعوب توتراً وحزناً في العالم". كذلك أظهرت دراسة للجامعة اللبنانية الأميركية، أن 16.17 في المئة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة، يعانون من اكتئاب شديد منذ واقعة انفجار المرفأ 2020، وأضافت الدراسة أن 40.95 في المئة من النساء يعانين من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). وفي ما يتعلق بالطبقات الاجتماعية، أوضحت الدراسة أن 59.5 في المئة ممن يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة هم من الفئة الأكثر فقراً، ومنهم من تضرر بشكل مباشر من انفجار المرفأ.
اللبنانيون لا يدرون ماذا يفعلون، كيف يهربون أو يتأقلمون، إنما السلطة الحاكمة على دراية بما تفعل. قد يتساءل البعض كيف أن الشعب اللبناني لا يزال يقاوم الوضع المأسوي، ومنهم من يتساءل كيف أن كثيرين يصرّون على الضحك رغم المآسي... لكن الأصعب هو لجوء البعض إلى الاستسلام، وهي النهاية القاسية لشباب قرروا الرحيل، وآخرهم شاب في الـ23 من عمره في بلدة معركة، جنوبي لبنان. مواجهة الحرب المفروضة عليهم هو فعل مقاومة للبنانيين حتى لا يستسلموا أمام سلطة جائرة، وهو ما يحاول الاختصاصيون شرح كيفيته.
التنبه
الاختصاصية في علم النفس والمعالجة النفسية شارلوت خليل، تقول في حديث لـ"جسور"، إنه "عندما تغيب العدالة الإجتماعية وتتزايد الأزمات والضغط وعدم القدرة على تأمين الحاجيات البيولوجية الأساسية للأشخاص، فضلاً عن الإنهيار الحاصل على المستويات كافة في لبنان، فمن الطبيعي أن تتفاقم المشاكل النفسية والاكتئاب والقلق لدى المواطنين"؛ مع الإشارة إلى أن البعض "ترافقه اضطرابات مما قبل الأزمة، فكل هذه العوامل زادت من نسب الانتحار في لبنان أو الاستسلام".
وتشير خليل إلى أنه "يجب التنبه إلى أن الشعب اللبناني حمل في ذاكرته الجماعية صدمات جمّة، أثرت عليه ومن الضروري التعاطف مع الذات أولاً، ومن هم حولنا مما يدفع بالناس الى محاولة إحداث فرق في حياة بعضهم البعض". وتشدّد على أنه "على كل شخص أن يستدرك ويتنبّه لأي تغيير بسلوكيات الأشخاص من حوله، ومساعدتهم وتوجيههم تجاه اختصاصيين، نظراً لدقّة وصعوبة هذه المرحلة، بالإضافة الى الاتصال بالخط الوطني الساخن للدعم النفسي والوقاية من الانتحار الرقم 1564"، وتضيف: "لدينا وسائل للمساعدة، لئلا يتردّد المواطن بالتوجه اليها".
حذارِ الإعلام
بشأن نشر ومشاركة وتداول أخبار الانتحار، عبر الإعلام أو مواقع التواصل، فإن الاختصاصيين يحذّرون من الأمر إذا حصل وسط مشاعر الترحيب أو وصف الشخص الذي أقدم على الانتحار بأنه بطل، وما إلى ذلك من أساليب بيّنت الاحصائيات أنها تشكّل كرة ثلج قد تدفع بغير أشخاص يعانون من اضطرابات إلى تقليد الفاعل.
وهو ما نبّهت إليه خليل بدورها، لناحية كن كيفية مشاركة الأخبار التي يتناولها الإعلام ومستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي نظراً لحساسيتها. وأكّدت أن نشرها "يجب أن يتم في إطار التوعية فقط ولتجنّب أن يكون الخبر دافعاً للأشخاص في اتخاذ هذا الخيار". وتضيف: "من الضروري جداً ألا يتم وصف أو مشاركة أي صور حول الطريقة المستخدمة للانتحار، وتفادي استخدام ومشاركة الصور أو لقطات الفيديو، كما وأن لا يفترض ذكر أن الإشخاص الذين حاولوا الانتحار، لأنّهم في هذه الحال يكونون ضعفاء وبحاجة للرعاية أو حتى لفت الانتباه، وهو ما يعني أن الشخص في أزمة نفسية شديدة تتطلب رعاية فورية".
الدقة
"الذنب ليس ذنبهم"، توضح خليل الحال التي وصل اليها المواطن اللبناني، وتقول: "في ظلّ مجموعة العوامل الذي يتعرّض لها الشعب اللبناني، يفترض أن يتذكّر أنه يتعامل معها بكل ما لديه من طاقة وبأن هذه الحال مرحلية وليست دائمة إنما دقيقة جداً". وتضيف: "على الأفراد ألا يضغطوا أنفسهم أكثر، ويبدلوا مقاربتهم للأمر بقدر المستطاع، ويرددوا لأنفسهم بأن قدراتهم وطاقاتهم تنبع من أملهم في التمسك بالحياة حتى تتحلحل الأوضاع".
التقارير الدولية
التمسّك بالحياة والأمل ومحاولة مساعدة من حولنا، والتبليغ أو طلب الاستشارة على الخط الوطني الساخن للدعم النفسي والوقاية من الانتحار الرقم 1564، واللجوء إلى العائلة والأصدقاء، كما الاختصاصيين ولا سيما من ينشرون أرقامهم للمساعدات المجانية والمراكز المجانية أو شبه المجانية، هي عينة من الحلول لمواجهة الواقع.
لا سيما بغياب الخطط الوطنية الشاملة للدعم، في ظلّ الأرقام غير المبشّرة، إذ إن تقريراً للأمم المتحدة، أشار إلى أن نحو 40 بالمئة من اللبنانيين يعيشون بطالة زادت من المعاناة الاجتماعية مع الانهيار الاقتصادي. وتخطى معدل الفقر حدود نصف المجتمع اللبناني ويتجه صعوداً، فيما تضاعف مستوى الفقر الحاد 3 مرات، حيث ارتفع من 8 بالمئة عام 2019 إلى 23 بالمئة عام 2020.
وكانت نتائج تقرير "غالوب العالمي للمشاعر 2020" (Gallup Global Emotions 2020) قد أظهرت أن اللبنانيين من أكثر 10 شعوب توتراً وحزناً في العالم". كذلك أظهرت دراسة للجامعة اللبنانية الأميركية، أن 16.17 في المئة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة، يعانون من اكتئاب شديد منذ واقعة انفجار المرفأ 2020، وأضافت الدراسة أن 40.95 في المئة من النساء يعانين من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). وفي ما يتعلق بالطبقات الاجتماعية، أوضحت الدراسة أن 59.5 في المئة ممن يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة هم من الفئة الأكثر فقراً، ومنهم من تضرر بشكل مباشر من انفجار المرفأ.