في وقت يشهد العراق أزمة سياسية حادة منذ أشهر، يأمل رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، من "نيويورك"، أن تحدث الاجتماعات التي عقدها على هامش "الجمعية العمومية للأمم المتحدة" في دورتها الـ77، ثغرة في جدار الازمة العراقية.
وتُعد مشاركة الكاظمي في اجتماعات "الجمعية العمومية" الأولى له بديلاً عن رئيس الجمهورية، برهم صالح، في حدث يأمل منه المواطن العراقي، التفتيش عن حلول للأزمة السياسية الخانقة التي تضرب بلاده منذ 11 شهر.
وفي غضون الأسبوعين المقبلين يتبادل كل من صالح والكاظمي، الأدوار في حمل الهم العراقي إلى الإقليم والعالم. ففي الوقت الذي يُشارك فيه الكاظمي، في أعمال "الجمعية العمومية للأمم المتحدة" بدلاً من الرئيس صالح، فإن الأخير تلقى دعوة رسمية لحضور "القمة العربية" التي ستُعقد في "الجزائر"، خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
ملفات ساخنة
بداية، يرى رئيس مركز آسيا للدراسات الاستراتيجية، الدكتور قاسم بلشان التميمي، أنّ "زيارة الكاظمي إلى نيويورك تأتي ضمن الزيارات الإعتيادية للمشاركة في اجتماعات "الجمعية العامة للأمم المتحدة"، وهي تحمل مسارا آخر باعتبار أنّ الكاظمي سافر إلى الولايات المتحدة الأميركية منذ مدة وناقش مع المسؤولين اتفاقية الدفاع الأمني المشتركة بين واشنطن وبغداد".
وبيّن التميمي في اتصال مع "جسور"، أنّ "الكاظمي يحمل في جعبته ملفات ساخنة أهمها الأزمة السياسية الراهنة التي تعصف بالبلاد منذ قرابة 11 شهرا عقب إجراء الانتخابات البرلمانية في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021، والتي ما زالت بعيدة عن أي بوادر للحل مع فشل جميع المبادرات التي طُرحت للحوار، فضلا عن كيفية تشكيل حكومة تجمع المكونات العراقية".
كما سيبحث الكاظمي هناك، وفق متابعين ملف الوجود العسكري لقوات التحالف بقيادة واشنطن في العراق، والحرب على الإرهاب، فضلاً عن بحث ملفات اقتصادية، ووساطة العراق بين السعودية وإيران، وسعي الكاظمي إلى تكرار الوساطة ذاتها بين إيران ودول عربية أخرى في المنطقة.
وتأتي زيارة رئيس الوزراء وفق ما أكد التميمي، "في سياق وضع النقاط على الحروف لمعرفة الموقف الأميركي بشكل واضح وصريح، من الإنسداد السياسي الحاصل في العراق، وعما إذا كانت أميركا توافق على هذا الجمود السياسي، أم أنها ستسهم بطريقة أو بأخرى لخروج العراق من محنته"، لافتا إلى أنّ "أجندة الحكومة العراقية في اجتماعات الأمم المتحدة ستذهب إلى تعظيم دور بغداد الإقليمي والدولي من خلال المساعي الحميدة لتطوير الحوارات الإقليمية في منطقة الخليج والشرق الأوسط".
وفي الإطار، أوضح رئيس مركز آسيا للدراسات الاستراتيجية، أنّ "أميركا هي الداعم الكبير لحكومة الكاظمي باعتباره قام بدور جبّار في تقارب وجهات النظر ما بين الرياض وطهران، فضلا عن دوره الأساس في الحدّ من سطوة الفصائل المسلحة"، لذلك يعتبر الكاظمي بحسب التميمي من "المرحبين بهم في الإدارة الأميركية وفي دول المنطقة أيضا، وكلماته أمام المسؤولين الأميركيين ستحدد بشكل واضح نهج السياسة الخارجية للبلاد، وهو نهج التوازن وحل المشاكل بالمساعي السلمية، بالإضافة إلى منظور الحكومة العراقية في صناعة مسارات السياسة الدولية في مجال التعاون الدولي والمناخ والأمن الدولي والإقليمي وغيرهما".
ولفت التميمي، إلى أن "العراق عنصر مهم في استقرار منطقة الشرق الأوسط والعالم بصورة عامة، ولهذا المجتمع الدولي سيكون له رأي وربما تدخّل بصورة غير مباشرة لحل الأزمة السياسية العراقية، خصوصاً بعد تطور هذه الأزمة إلى الصدام المسلح. ولهذا، الكاظمي بكل تأكيد سيستمع إلى رأي المجتمع الدولي بشأن هذه الأزمة".
أزمة معقّدة
وتأتي زيارة الكاظمي إلى أميركا هذه المرة، في ظل مخاوف سياسية وشعبية من تكرار الصدام المسلح بين أنصار "التيار الصدري" والفصائل المسلحة المدعومة من إيران، بعد انتهاء زيارة الأربعين الدينية، في ظلّ تواصل التوتر السياسي بين "التيار الصدري" و"الإطار التنسيقي" الذي يضم قوى موالية لطهران.
وهنا يقول الكاتب والصحافي العراقي، أحمد الحمداني، في تصريح لـ "جسور" إنّ "الكاظمي عمل خلال العامين المنصرمين على إقامة أفضل العلاقات مع دول الجوار والمجتمع الدولي، كما تمّ أيضا رفع مستوى الحضور العراقي في المحافل الدولية وهذا كلّه جاء لتعزيز روح التعاون والشراكة مع جميع دول والأطراف، وهذا بطبيعة الحال سينعكس بشكل إيجابي على الشعب العراقي في المستويات كافة".
ويؤكد الحمداني، أنّ "أبواب الحل لا زالت موجودة، وهذا يتطلب بذل جهود إضافية في الحوار وفي تحمّل الصراحة التي يجب أن تخرج بها القوى السياسية عند مواجهة بعضها، وعلى الجميع أن يضع مصلحة العراق وشعبه فوق أي مصالح حزبية أو فئوية، والجميع في حال انتظار لمعرفة ما هي خارطة الطريق المقبلة للقوى السياسية، وكيف ستكون طريقة تعاملها مع الإجتماعات واللقاءات المقبلة".
وكان الكاظمي قد زار واشنطن في يوليو/ تموز 2021، حيث عقد مع الرئيس الأميركي جو بايدن، جولة الحوار الاستراتيجي الرابعة والأخيرة، والتي انتهت بإعلان انسحاب القوات الأميركية القتالية من العراق مع نهاية العام الماضي، وفق إعلان الحكومة العراقية وقتها.
ومع أن كلاً من رئيس الجمهورية، برهم صالح ورئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، رئيسا تصريف أعمال، بسبب تأخر تشكيل الحكومة العراقية الجديدة على مدى عشرة شهور، منذ إجراء الانتخابات المبكرة أواخر العام الماضي، فإنهما لا يزالان يواصلان مسؤولياتهما في ظل ظروف صعبة مرشحة لأن تحمل المزيد من المفاجآت.