تتصاعد حدة الرفض على الصعيدين المحلي والدولي للعمليات العسكرية التي تشنها القوات التركية داخل الأراضي العراقية، وسط مطالبات لأنقرة بضرورة مراعاة مواثيق حسن الجوار واحترام سيادة الجوار الإقليمي.
ومع إطلاق تركيا عملية "قفل المخلب" العسكرية شمالي بلاد الرافدين ضد حزب العمال الكردستاني بمشاركة قوات جوية وبرية، انطلقت سهام غضب عراقية على العملية، في تسونامي استنكار بلغ حد التوعد بالرد.
ورغم أن هذه الخطوة ليست بجديدة على المنطقة، كونها تأتي ضمن سلسلة عمليات أطلقتها منذ العام 2019، إلا أنها تختلف بحسب مراقبين من زاوية "التوقيت"، والجو العام الذي أطلقت فيه.
وعن أهداف هذه العملية، تحدث الكاتب والمحلل السياسي، علي البيدر، لـ"جسور"، لافتا إلى أنّ أهداف "قفل المخلب" حدّدت منذ زمن بعيد، كما أنّ التسمية الخاصة بها تأتي من نية الجيش التركي إقفال المناطق المستهدفة بشكل أساسي أمام أي نشاط لـ"حزب العمال".
وأضاف البيدر أنّ العملية تأتي بعد 3 أيام من زيارة أجراها رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، مسرور بارزاني إلى أنقرة، حيث التقى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان ورئيس الاستخبارات التركية، حقان فيدان، وهذا ما "قد يشي بحالة تنسيق قد تم الاتفاق عليها"، كاشفا أنّ العملية العسكرية تمتد على مساحة 7000 كيلومتر مربع، ضمن نطاق اختراق داخل أراضي إقليم كردستان العراق بمسافة 25 إلى 30 كيلومترا.
والاثنين، أعلنت وزارة الدفاع التركية عن مقتل أحد جنودها خلال العملية التي تركزت في مناطق متينا وزاب وأفشين-باسيان شمال العراق.
"تجاوز للحدود"
بدوره، رأى الأكاديمي والباحث السياسي، الدكتور علاء مصطفى، أنّ الوجود التركي في العراق تجاوز الحدود، إذ أن أنقرة تحتفظ بقواعد داخل العراق وهذا مخالف للأعراف الدولية، مضيفا في اتصال مع "جسور" أن تركيا زادت هذه المرة من حجم تدخلها، ولو راقبنا الإعلام التركي لوجدناه ينشر حقائق لم يتطرق لها الجانب العراقي، والمؤلم في الأمر أن الإدانة لم تصدر من جميع القوى السياسية وذلك يعود لوجود علاقة متينة تربط بعض الأطراف السياسية المؤثرة بالرئيس أردوغان.
وفي السياق، أوضح مصطفى وجود حال من الرفض والاستنكار الشديدين، فضلا عن استدعاء السفير التركي، لكن كل ذلك يؤكد مصطفى أنه لن يوقف اردوغان الذي لا يكترث للسمعة وبالتالي فالعملية العسكرية لن تتوقف إلا بضغط شعبي تجاه المصالح التركية في العراق ومقاطعة البضائع التركية فضلا عن التظاهر أمام السفارة وغيرها.. فعملية "قفل المخلب" تعدّ تدنيسا لسيادة العراق وعلى تركيا الكفّ عن مثل هذه الأفعال الاستفزازيّة، والخروقات المرفوضة.
تسونامي استنكار
وتصاعدت على المستوى الرسمي مواقف إدانة واستنكار إزاء العملية العسكرية في بلاد الرافدين، فقد أعربت الخارجية العراقية بلسان المتحدث باسمها، أحمد الصحاف، عن رفضها للعملية التركية الجديدة، معتبرة أنها تشكل "خرقاً للسيادة وانتهاكاً لمواثيق حسن الجوار".
وقال الصحاف إن "حكومة جمهورية العراق ترفضُ رفضاً قاطعاً، وتدينُ بشدَّة العمليّات العسكريَّة التي قامت بها القوّات التركيَّة بقصف الأراضيّ العراقيَّة في منطقة متينة والزاب وأفاشين وباسيان في شمال العراق، عبر مروحيات أتاك والطائرات المُسيَّرة".
وأضاف الصحاف أن "العراق يعد هذا العمل خرقاً لسيادته وحرمة البلاد، وعملاً يخالِف المواثيق والقوانين الدوليّة التي تنَظِّم العلاقات بين البُلدان؛ كما يخالف أيضاً مبدأ حُسن الجوار الذي ينبغي أن يكون سبباً في الحرص على القيام بالعمل التشاركيّ الأمنيّ خدمةً للجانبين".
من جانبه، ندد زعيم التيار الصدري، السيد مقتدى الصدر، بالحملة العسكرية التركية، متوعداً بالرد إذا لم تتراجع أنقرة عن تلك العمليات.
وقال الصدر إن "الجارة تركيا قصفت الأراضي العراقية بغير حق وبلا حجة، وكان عليها التنسيق مع الحكومة العراقية لإنهاء الخطر الذي يداهمها من الأراضي العراقية والقوات الأمنية العراقية قادرة على ذلك".
وأضاف: "لن نسكت، ولن نقبل التعدي وزعزعة الأمن من الأراضي العراقية ولن نقبل بالاعتداء على دول الجوار".
وفي رد آخر، اعتبر رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، ما يحدث في شمال العراق "أمرا خطيرا". وقال العبادي إن "استمرار انتهاك تركيا للسيادة العراقية أمر خطير ويقود العلاقات البينية إلى مديات (مآلات) مجهولة".
الموقف التركي
في المقابل، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن العملية العسكرية "قفل المخلب"، هدفها محاربة من وصفهم بالإرهابيين.
وأضاف أكار أن القوات التركية نفذت هذه العملية بشكل يحترم وحدة أراضي وسيادة العراق، مشيرا إلى أن الهدف من العملية تحييد من وصفهم بالإرهابيين الذين ينفذون هجمات على بلاده. وشدد على أن بلاده تظهر الحساسية العظمى لعدم إلحاق الضرر بأي شكل من الأشكال بالمدنيين والبيئة والمعالم الثقافية والدينية، خلال التخطيط لهذه العملية العسكرية.
وتقاتل تركيا منذ عقود طويلة "حزب العمال الكردستاني"، المصنف على قوائم الإرهاب الدولية.
ومنذ يونيو/ حزيران 2020، بدأت تركياً بإطلاق سلسلة من العمليات العسكرية شبه المتواصلة، استهدفت مقار عناصر حزب العمال الكردستاني عند المناطق الحدودية مع إقليم كردستان العراق.