ما لبثَ أن أعلن رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون أنَّه تبلغ من السفير البابوي أن البابا فرنسيس سيزور لبنان في يونيو/ حزيران المقبل، حتى ردّ مراسل الفاتيكان لصحيفة "ناشونال كاثوليك ريبورتر" عليه، مشيراً إلى أن "الفاتيكان لم يؤكد الزيارة بعد". واعتبر محللون أن زفّ رئيس الجمهورية اللبنانية خبر هذه الزيارة، هو قفزة فوق الأصول الدبلوماسية والبروتوكولية.
المدير التنفيذي لـ"ملتقى التأثير المدني" زياد الصائغ، أكد في حديث لـ"جسور"، أن "الذي يعلن عن زيارة البابا رسميّاً إلى أي دولة هو الفاتيكان، وكل إعلان لا يصدر عنه هو غير رسمي".
وقال الصائغ، "لا أحد يعلم ماذا جرى من حديث بين السفير البابوي ورئيس الجمهورية، ولكن البروتوكول الفاتيكاني واضح جدّاً، وما حصل هو خطأ بروتوكولي كبير لم يمر في تاريخ لبنان، خصوصاً في العلاقات بين الفاتيكان والدولة اللبنانية، ونأسف بأننا وُرّطنا به".
في سياق آخر، أشار إلى أن "هذه الزيارة هي للتأكيد على التزام الفاتيكان بحماية هوية لبنان".
رسالة خطية
وكانت الرئاسة اللبنانية قد أوردت في بيان أن السفير البابوي لدى لبنان المونسنيور جوزف سبيتري سلّم رئيس الجمهورية ميشال عون "رسالة خطية أعلمه فيها أن قداسة البابا فرنسيس قرر زيارة لبنان في شهر يونيو/ حزيران المقبل، على أن يصار الى تحديد تاريخ الزيارة وبرنامجها وموعد الإعلان عنها رسمياً، بالتنسيق بين لبنان والكرسي الرسولي".
وقال عون، وفق البيان، إن "اللبنانيين ينتظرون هذه الزيارة منذ مدة، للتعبير عن امتنانهم لمواقف قداسته تجاه لبنان وشعبه، وللمبادرات التي قام بها، والصلوات التي رفعها من اجل إحلال السلام والاستقرار فيه، والتضامن مع شعبه في الظروف الصعبة التي يمرّ بها".
لكن مراسل الفاتيكان لصحيفة "ناشونال كاثوليك ريبورتر"، كريستوفر وايت، ردّ عبر "تويتر"، كاتباً "رئيس لبنان أعلن أن البابا سيزور البلاد في حزيران المقبل، لكن الفاتيكان لم يؤكّد الزيارة بعد".
حفاوة شعبية
وفي حال حصلت هذه الزيارة ستكون الثالثة لحبر أعظم إلى لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990). ويُتوقع أن تحظى بحفاوة رسمية وشعبية بالغة من اللبنانيين على اختلاف مكوناتهم. وتأتي في خضم انهيار اقتصادي غير مسبوق صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، وبات معه أكثر من ثمانين في المئة من السكان تحت خط الفقر.
وسبق للبابا فرنسيس (85 عاماً) أن أعرب مراراً عن رغبته في زيارة لبنان، ووجّه خلال الأشهر الأخيرة رسائل دعم عدّة إلى لبنان وشعبه.
وأعرب خلال زيارته جزيرة قبرص في ديسمبر/ كانون الأول، عن "قلق شديد" إزاء الأزمة. وقال في كلمة ألقاها أمام مسؤولي الكنيسة المارونية التي قدم بطريركها بشارة الراعي من لبنان خصيصا للمشاركة في استقباله "عندما أفكر بلبنان، أشعر بقلق شديد للأزمة التي يواجهها، وأشعر بمعاناة شعب متعب وممتحن بالعنف والألم". وأضاف "أحمل في صلاتي الرغبة في السلام التي تنبع من قلب ذلك البلد".
مبادرات ملموسة
وطالب الحبر الأعظم في أغسطس/ آب المجتمع الدولي بتقديم "مبادرات ملموسة" من أجل لبنان، بعد عام من الانفجار الهائل الذي وقع في مرفأ بيروت وأسفر عن مقتل أكثر من مئتي شخص وإصابة أكثر من 6500 بجروح، محدثاً دماراً واسعاً.
وفي يوليو/ تمّوز، استقبل البابا فرنسيس في الفاتيكان تسعة من رؤساء الكنائس في لبنان. ووجّه رسالة أمل إلى الشعب اللبناني، داعياً اللبنانيين إلى "عدم القنوط".
وغالباً ما يشكل لبنان محطة رئيسية على جدول زيارات بابوات روما للشرق الأوسط.
وسبق للبابا بنديكتوس السادس عشر أن زار لبنان في سبتمبر/ أيلول 2012، بعد أكثر من عام على اندلاع النزاع في سوريا المجاورة وبدء تدفّق اللاجئين.
كما زار البابا الراحل يوحنا بولس الثاني بيروت في زيارة تاريخية حظيت بحفاوة منقطعة النظير عام 1997، أطلق خلالها الإرشاد الرسولي الخاص بلبنان، واعتبر خلالها أن "لبنان أكثر من وطن إنه رسالة".
لا تغيير
وتتعايش 18 طائفة رسمياً في لبنان الذي يقوم نظامه السياسي على تقاسم الحصص بين الطوائف. ولا يعدّد الدستور الطوائف بالتفصيل، الا أن المادة التاسعة منه تنصّ على أن "حرية الاعتقاد مطلقة" و"الدولة تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على أن لا يكون في ذلك إخلال في النظام العام".
ومن المتوقع أن تأتي زيارة البابا المنتظرة بعد أسابيع من اجراء لبنان الانتخابات البرلمانية المقررة منتصف مايو/ أيار المقبل والتي لا يتوقع خبراء أن تحدث تغييراً في المشهد السياسي العام، رغم مشاركة مجموعات سياسية معارضة انبثقت غالبيتها مما بات يُعرف بـ"ثورة" أكتوبر/ تشرين الأول 2019.