إثر قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق الذي رفض دعوى حل البرلمان، عبّرت أطراف سياسية عراقية عن خشيتها من تجدد التصعيد بين القوى المتخاصمة، "التيار الصدري" و"الإطار التنسيقي"، وسط مناشدات للبحث عن مبادرة للتهدئة، قبل خروج الأزمة عن السيطرة، وبات السؤال الأكثر ترددا في أذهان العراقيين: ما هي الخطوة التالية بعد قرار المحكمة الإتحادية؟
ويمثل حلّ البرلمان مطلبا أساسيا لزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، الذي هدّد بمزيد من الخطوات التصعيدية، لكن خصومه في "الإطار التنسيقي" يرون الأولوية لتشكيل حكومة.
"أزمة مصالح"
وفي هذا الإطار، رأى رئيس مركز الرفد للدراسات السياسية والاستراتيجية في بغداد، عباس الجبوري، أنّ "الوضع السياسي الحالي في العراق هو نتيجة أزمة مصالح بين الكتل السياسية واختلاف الرؤى على إدارة الدولة".
وشدّد في تصريح لـ "جسور"، على أنّ "المحكمة الإتحادية ليست معنيّة بحلّ البرلمان مطلقا، لأن المادة 64 هي لرئيس الجمهورية المنتخب وليس لتصريف الأعمال، فهو من يستطيع حلّ البرلمان من خلال هذه المادة الدستورية"، مضيفا أن "المحكمة قالت أيضا إن المجلس تقاعس عن أداء واجبه ودوره وتحدثت بشكل واضح عندما أشارت إلى أنّ النائب عندما يُنتخب من الشعب، يجب أن يعود لخدمة شعبه وليس لخدمة كتلته وحزبه".
ورأى الجبوري، أنّ "الغموض لا زال يلفّ المشهد الراهن مع إصرار "التيار الصدري" على حلّ البرلمان"، مبيّنا أنّ "رسالة وزير الصدر الاخيرة كانت واضحة في هذا الشأن خصوصا عندما قال للشركاء الذين تحالفوا معه في بداية الأمر إنه بإمكانهم أن يحلّوا أنفسهم من خلال الإستقالات وعدم المشاركة في تشكيل الحكومة". ولفت الجبوري إلى أنّ ""الإطار التنسيقي" لا زال يصرّ على تشكيل حكومة، لكنه لحد اللحظة لم يعقد جلسة وهذا مستعبد في الوقت الحاضر".
"مرحلة حاسمة"
وأمام كل هذا، تحدث رئيس مركز الرفد للدراسات السياسية والاستراتيجية في بغداد لـ "جسور" عن السيناريوهات المتوقعة للمرحلة المقبلة، مؤكدا أنها كثيرة، وقال: "بعدما تحدث مجلس الأمن حاثا القوى السياسية على الإتفاق على عقد جلسة وتأليف حكومة، فهو لن ينتظر لوقت طويل في حال إصرار الكتل السياسية العراقية على عدم تشكيل حكومة والبقاء في هذا الصراع ومن الممكن وقتها أن يتدخل دوليا".
وأوضح الجبوري أن "الكتل السياسية لا تشعر بمسؤوليتها تجاه الشعب"، كاشفا عن أن "مرحلة ما بعد زيارة الأربعين ستكون حاسمة، فإمّا أن تعقد الكتل السياسية جلسة وتنتخب رئيسا للوزراء سيواجه حتما معارضة شديدة في الشارع من قبل الصدريين، أو يكون هناك تصعيد على شكل تظاهرات، وهذه المرة سيخرج "التشرينيون" أيضا الذين يستعدون لاحتجاجات بعد زيارة الأربعين، بمشاركة ربما العديد من العراقيين الذين يشعرون بمرارة الوضع السياسي".
ويعتقد الجبوري، أنّ "الأزمة السياسية الحالية تحتاج إلى حلول من خارج المنظومة السياسية، وتحديدا من قبل وسطاء، أو مرجعيات دينية وقوى سياسية أخرى ناشئة يحتاجها العراق فعلا كونها تمتلك ثقافة وقدرات، فهذه الأحزاب برأيه موجودة وبدأت تتشكّل".
خطوة تصعيدية!
من جهته، لفت الكاتب والمحلل السياسي العراقي علي البيدر، في اتصال مع "جسور" إلى أن "الأمر برمته يتعلق بزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، فإذا ما قرر المضي في مسار التصعيد فإننا سنكون أمام مواجهات جديدة، قد لا تنتهي، وهو ما سيفاقم الصراع السياسي، ويجعل الشارع الميدان والفيصل في تلك الأزمة المستعصية منذ عدة أشهر".
وأضاف أن "الإطار التنسيقي يبدو أنه ماضٍ في مسار تشكيل الحكومة، من دون النظر إلى موقف الصدر أو طلب موافقته، وهي خطوة تصعيدية، قد تشعل أزمة جديدة في البلاد"، مشيرا إلى أن "الطريق الآمن هو أن يحلّ مجلس النواب نفسه، وهو خيار سيكون مكسبا للجميع، وحتى الأطراف التي تعتقد بأنها قد تخسر في الانتخابات النيابية المبكرة".
وعن مآلات رد المحكمة الاتحادية، يقول متابعون إن التداعيات على الطبقة السياسية ستكون محط جدل سياسي بين الإطار التنسيقي الذي يمضي باتجاه دعوته لعقد جلسة برلمانية وما بين خصمه المتمثل بالتيار الصدري، بما قد يؤدي لمزيد من الاحتقان السياسي والغضب الشعبي الذي قد يقود إلى تصعيد كبير في حال إصرار الإطار على عقد جلسة برلمانية من دون الذهاب لانتخابات مبكرة.
حل للأزمة؟
وأغلق مقرب من الصدر، الباب أمام عودة نواب الكتلة الصدرية المستقيلين للبرلمان، طارحا في الوقت ذاته مقترحا لحل الأزمة السياسية المستعصية في العراق منذ عدة أشهر. وقال وزير الصدر صالح محمد العراقي في تغريدة على تويتر إن "الرأي النهائي في مسألة عودة الكتلة الصدرية إلى مجلس النواب، ممنوع منعا باتا ومطلقا وتحت أي ذريعة كانت". وأضاف العراقي أن "حل البرلمان ممكن بلا عودة الكتلة الصدرية، ولا سيما مع وجود حلفائها في مجلس النواب وبعض المستقلين" من خلال انسحابهم الذي سيجعل "البرلمان يفقد شرعيته وسيحل مباشرة".
ودعا "الحلفاء والمستقلين لموقف شجاع ينهي الأزمة برمتها" من خلال بقاء رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء "على رأس حكومة لتصريف الأعمال وللإشراف على الانتخابات المبكرة أو بمعونة آخرين عراقيين أو دوليين". وجدد وزير الصدر توجيه الانتقادات للقضاء الذي وصفه بأنه "مسيس وخائف"، وكذلك شدد على أن التيار الصدري لن يتوافق مع "الإطار التنسيقي البتة".
وكانت المحكمة الاتحادية أعلنت أنها لا تملك السلطة الدستورية لحل البرلمان، وقالت إن على مجلس النواب العراقي حل نفسه في حال عدم قيامه بواجباته الدستورية، معتبرة أن "استقرار العملية السياسية يفرض على الجميع الالتزام بأحكام الدستور وعدم تجاوزه، ولا يجوز لأي سلطة الاستمرار في تجاوز المدد الدستورية إلى ما لا نهاية". ويوضح الدستور العراقي آلية حل البرلمان، وهي أن المجلس يُحل بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه بخيارين، الأول بناء على طلب ثلث أعضائه، والآخر بطلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية.