تشكل تصريحات رئيس مجلس النواب نبيه بري المعلنة وغير المعلنة محطة سجال مستفيض في كل مرة يدلي بها بتصريح جديد فكيف إذا كان الموقف عن الدول العربية في عزّ الازمة مع دول الخليج بسبب حليفه الاساسي وتوأمه المذهبي حزب الله.
فقبل أيام، خرج رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ليقول إن "إسرائيل العدو" انفتحت على الدول العربية، بينما أغلق العرب أبوابهم على لبنان. وعلينا أن نقر بأن لبنان يتعرّض للحصار".
ردود الفعل جاءت متباينة وكثير منها أجمع على أن الدول العربية حاضنة للبنانيين ومستمرة في وقت لا يزال الحزب يمعن في تحدي الخليج.
لكن المفاجأة فجرّها رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور في رده على كلام الرئيس نبيه برّي حول "حصار عربيّ" على لبنان، في حوار مع صحيفة "الأهرام"، الأحد، بالقول: "استغرب تصريح الأستاذ نبيه برّي وقوله إنّ (لبنان يعاني من حصار عربي)، وكأنّ الدول العربية تجنّت على لبنان زوراً"، مؤكداً أنّ "الدول العربية لم تحاصر لبنان يوماً وما زالت حتى اللحظة مستمرة بفتح ابوابها للّبنانيين ومنحهم فرصة للاستقرار المفقود في بلدهم".
وذكّر الحبتور الرئيس برّي بـ"كلامه في لقاء جمع بينهما في أوائل التسعينات في مجلسه في المصيلح، حين قال : "نريد من دول الخليج أن تنقذ لبنان من النفوذ الإيراني قبل أن يستحلّوه بالكامل، فلا تتركوا لبنان يقع في يد الإيرانيين".
ما ينقل عن بري ليس المحطة الوحيدة في مسار التباينات التي تخرج بين فترة أخرى الى العلن، فأيضا كانت محطة مع وثائق ويكيليكس وما فجرته من معلومات عن حرب تموز 2006 بين اسرائيل وحزب الله.
فكيف ستنعكس على العلاقة بين الرئيس بري وحزب الله؟ وهل هي غيمة صيف عابرة؟
محاولات لإيقاع الفتنة
الكاتب والمحلل السياسي فيصل عبد الساتر وفي حديث لـ"جسور" تحدث عن إلتباسات كثيرة في الداخل اللبناني حول ما نُسب إلى الرئيس بري في هذا التصريح أو في غيره من التصاريح الأخرى كما فعل الحبتور (رجل الأعمال الإماراتي، خلف الأحمد الحبتور) في تغريدته، ويعتبر أن كل هذه المحاولات تهدف الى ايقاع الفتن داخل البيئة الشيعية خصوصا والبيئة اللبنانية عموماً".
ويؤكّد عبد الساتر أن كلام الرئيس بري واضح أن اسرائيل "العدو" انفتح عليها بعض الدول العربية وهي كذلك فيما أن هذه الدول تمارس حصاراً واضحاً على لبنان، وهذا الكلام لا لُبس فيه وإلا ما معنى أن يتذرّع العرب بمطالب وشروط يريدها الأميركي ويريدها الإسرائيلي في الداخل اللبناني كتنفيذ القرار 1559 والمعلوم أن مثل هذا القرار قد يودي بلبنان الى حرب أهلية وفتن بين اللبنانيين لأن منطق هذا القرار يسوّي بين المقاومة وبين الميليشيات التي شاركت بالحرب اللبنانية وهذا أمر رفضه لبنان في السنوات الماضية منذ صدوره في أواخر الـ2004 حتى اليوم.
محاولات تشويه.. مكشوفة
وعن قول الرئيس بري إن العرب يمارسون حصاراً على لبنان ويُنسب إليه بعد ذلك أن هذا الأمر هو بسبب المقاومة أو بسبب حزب الله، يشكك عبد الساتر في حديثه لـ"جسور" أن ]كون "هذا الكلام قد صدر عن الرئيس بري، فهذه محاولات تشويه ولا أعتقد أن الرئيس بري ممكن أن يقول مثل هذا الكلام على الإطلاق"، ويعتبر انها "محاولات مكشوفة والواضح أن الرئيس بري يغيظ الكثيرين ربما وحتى على مستوى بعض الدول العربية التي تريد منه مواقف تتماهى مع ما تريده هي، لكن الواقع ان الرئيس بري يُنادي بأفضل العلاقات مع الدول العربية وهذا أمر يُجاهر به بشكل دائم لكن ليس على حساب أن يقول إن حزب الله هو المسؤول والمقاومة أيضا، وختم قائلاً: "الرئيس بري حافظ على هذا المنهج منذ أن أصبح رئيساً لـ"حركة أمل" وهو يحمل موضوع المقاومة".
موقف مبدئي
ويرى مراقبون في هذا الشأن، أن الفترة الزمنية التي أدلى بها الرئيس بري بهذه المواقف بعيدة وبأن موقف بري من أن لبنان يعاني من حصار عربي انما هو خطاب كان بطرح سياسي عربي عريق وهو موقف مبدئي.
يذكر أن التصريح عن ايران ليس يتسماً للرئيس بري فسبق لموقع "ويكيليكس" أن نشر عبر وثائق سرية أن بري، أحد حلفاء حزب الله، بدا مسروراً لقيام الجيش الإسرائيلي بقصف مواقع الحزب في عام 2006، ووصف خطاب الرئيس السوري بشار الأسد الذي أعقب الحرب بأنه "أحمق.
وتعود هذه البرقيات الدبلوماسية الأميركية إلى عام 2006 الذي اندلعت فيه حرب مدمرة بين حزب الله وإسرائيل على مدى 33 يوما. وبحسب إحدى الوثائق، فإن الرئيس بري، الذي ينتمي إلى الطائفة الشيعية قد "لمّح، بشكل غير مباشر إلى أن حرب 2006 شكلت فرصة لتوجيه ضربة قاسية إلى حزب الله، المدعوم من طهران ودمشق.
ونقلت البرقية، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية، عن السفير الأميركي السابق في لبنان، جيفري فيلتمان، أن "بري ندّد بالرد العسكري الإسرائيلي القاسي (على قيام حزب الله بخطف جنديين إسرائيليين)، لكنه أقر بأن نجاح العملية العسكرية الإسرائيلية سيشكل فرصة جيدة لتدمير تطلعات حزب الله العسكرية والسياسية".
وقال فيلتمان، نقلا عن بري: إن الضربات الإسرائيلية على حزب الله "مثل العسل، قليله مفيد، لكن الإكثار منه ضار"، ثم انفجر بري ضاحكا، بحسب البرقية.
وعزا فيلتمان، في البرقية التي أرسلها إلى وزارة الخارجية الأميركية، الحدة بين حزب الله ونبيه بري إلى ما يحظى به حزب الله من دعم شعبي على مستوى الطائفة الشيعية في لبنان التي يتنافس على زعامتها كل من الطرفين، بحسب البرقية.
وقال فيلتمان إن بري كان يتمتع بمعنويات "مرتفعة جدا" خلال الجلسة التي جمعتهما بعد اندلاع الحرب في يوليو/ تموز 2008. وأضاف فيلتمان أن بري كان يشعر بأن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، خدعه بعدما وعد بصيف هادئ قبيل قيام عناصر حزبه بعملية خطف الجنديين الإسرائيليين. ونقل فيلتمان عن بري قوله: "لا يمكن أن نجلس معه على طاولة الحوار مجددا.. لقد كذب علينا".
شريك كامل وأساسي؟
إلا أن المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب سارع إلى الرد على هذه الأنباء حينها، وقال، في بيان: "حركة أمل (برئاسة بري) كانت وستبقى شريكا كاملا وأساسيا للمقاومة ولحزب الله تحديدا".
وأضاف البيان: "منذ النشر الأول لمثل هذه المزاعم طلبنا رسميا من الخارجية الأميركية، عبر سفارتها في بيروت، أن تزودنا بأصل البرقيات التي ينشرها ويكيليكس كي نعلم من الكاذب، أهو ويكيليكس أم السفير فيلتمان".
لبنان ودول الخليج
وشهدت العلاقات بين لبنان ودول الخليج، ولا سيما السعودية، توتراً كبيراً خلال الفترة الماضية، حيث سحبت الرياض، وتبعتها الإمارات والبحرين والكويت، السفراء من بيروت، بعد تصريحات لوزير الإعلام اللبناني المستقيل جورج قرداحي، قبيل توليه منصبه، اعتبر فيها أن جماعة "أنصار الله" في اليمن يدافعون عن أنفسهم ضد الاعتداءات، وهو ما انتهى بتقديم قرداحي استقالته.