كان الجنوب اللبناني ليل الاربعاء مسرحاً لأخطر تصعيد يمكن أن يقوم به "حزب الله" منذ العام 2006 تاريخ انتشار القوات الدولية المعززة.
فقد أثار مقتل جندي ايرلندي تابع لقوات اليونيفيل الدولية وإصابة ثلاثة آخرين بإطلاق نار استهدف دوريتهم في العاقبية توتراً في الأوساط السياسية والشعبية كونها المرّة الأولى التي يصل فيها إشكال مع قوات اليونيفيل إلى إطلاق النار بالمباشر.
ماذا جرى؟
وبحسب ما روى مصدر ميداني لـ"جسور"، فإن قوة من اليونيفيل كانت تحاول أن تقوم بتصوير أمر ما هناك، ما أثار شكوك بعض العناصر الحزبية التابعة لحزب الله الذين قاموا على الفوز بملاحقةالدورية لتوقيفها، فحاولت التراجع فجرى تكثيف التواصل بين العناصر الحزبية وعلى الفور أقيمت الحواجز في منطقة العاقبية لقطع الطريق عليها ولدى مغادرتها بسرعة اصطدمت الدورية بسيارة من نوع rapid تخص احد المسؤولين في الحزب من ال مزهر قبل أن تنجح في المغادرة تحت وابل من الرصاص حيث خرقت رصاصات عدة آليات اليونيفيل ما أسفر عن سقوط ضحايا.
وكشف المصدر عن حصول عراك بالأيدي بين الطرفين قبل أن يتطور الأمر إلى إطلاق نار.
ومن شأن هذه الحادثة أن تسلط الضوء مجدداً على الكثير من الإشكالات التي حصلت بين أهالي بعض المناطق والقرى الجنوبية مع قوات اليونيفيل، تحت عنوان رفض الأهالي دخول العناصر إلى القرى والبلدات أو تنقلهم في مناطق خارجة عن نطاق صلاحياتهم، لا سيما أن الأشهر الأخيرة شهدت العديد من الإشكالات، خصوصاً بعد قرار مجلس الأمن بالتجديد لليونيفيل وإعطائها هامشاً لتوسيع صلاحياتها. وهو الأمر الذي اعترض عليه حزب الله بقوة.
خطورة الاعتداء
مرجع سياسي لبناني أبدى تخوّفه الكبير من خطورة الاعتداء على قوات اليونيفيل، معرباً عن خشيته من أن يكون بداية لرسائل أمنية تهدف إلى الضغط على المجتمع الدولي لإجراء تسوية للدخول باستحقاق انتخاب رئيس للجمهورية والارساء على اسم معين لكن العميد المتقاعد خليل الحلو، فنفى في تصريح لـ"جسور"، نفى علاقة الحادثة باستحقاق رئاسة الجمهورية، موضحا أن هذا الموضوع ليس وليد اليوم، كما أنّ هناك عدائية تجاه القوات الدولية وهذا ما عبّر عنه فعلا وزير الدفاع الإيرلندي عندما نعى الجندي الشهيد، مضيفا أنّ هذا الجوّ العدائي لا يمكن أن يأتي من قِبل الأهالي المسالمين الذين يسعون وراء لقمة عيشهم، ولا يعيرون أي اهتمام ما إذا كانت دورية تابعة لليونيفيل قد مرّت من أمام منازلهم.
ويؤكد الحلو، أنّ قوات اليونيفيل ليست جيش احتلال ولا قوة عدائية بل جيش صديق مكوّن من أكثر من 40 دولة وموجود في جنوب لبنان منذ حوالي الـ 40 عاما، ولم يَظهر منه إلا كل خير، إن كان على صعيد تنفيذ القرارات الدولية أو على صعيد خدمة الأهالي وبالتالي فإن تصدي الأهالي لهذه الدورية، غير مقبول.
وتابع الحلو قائلا: "هي رسالة مبالغ بها، فمستحيل أن يقوم مدني برفع سلاحه بوجّه القوات الدولية من دون أن يدفعه حزبه لذلك، ما يعني أنّ هذه الجماعة المسلحة التابعة لحزب الله هي مكلّفة التصدي للدورية بغية توجيه رسائل إلى المجتمع الدولي لها علاقة بإيران وليس بلبنان، كون طهران تعاني منذ سنوات طويلة من عزلة دولية تحاول أن تكسرها".
وشرح الحلو، أنّ جميع إستراتيجيات إيران الترهيبّية والإرهابية وأعمالها في المنطقة، تهدف إلى فكّ الحصار عنها، وهي تخشى الدول العربية القويّة كالعراق ودول الخليج التي تحاول جاهدة أن تبقيها في حال من عدم الاستقرار كي لا يتواجهون معها بأية طريقة من الطرق، مؤكدا أن ما حصل خطير جدا، ويتطلب ردة فعل من المجتمع الدولي.
حزب الله ينفي علاقته
وتتجّه أصابع الإتهام إلى جماعة حزب الله خصوصاً بعد ضربها طوقاً أمنياً مشدداً في المنطقة، واعتبر ناشطون لبنانيون محاولة هروب حزب الله من حملة الاتهامات عبر تعزيته لليونيفيل بمثابة: "قتل القتيل والمشي في جنازته".
في المقابل، نفى مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا في حديث لرويترز اي صلة للحزب بالحادث وقال: "نتقدم بالتعزية لقوات اليونيفيل لسقوط قتيل متمنياً الشفاء للجرحى في الحادث غير المقصود الذي وقع بين أهالي بلدة العقابية وأفراد من الكتيبة الأيرلندية".
ويَعتبر حزب الله أن محاولة توسيع نطاق عمل اليونيفيل وصلاحياتها بفعل الأمر الواقع، مسألة مرفوضة، خصوصاً أن هناك محاولات لجعل هذه القوات تعمل على رصد أي نشاط عسكري أو أمني للحزب، وتعمل على مراقبة احتمالات نقله للأسلحة.
وتأتي الحادثة بعد أيام على مواقف إسرائيلية تشير إلى أن إيران تعمل على نقل المزيد من الأسلحة إلى حزب الله.
شبهات حول اشخاص يجري تعقبهم!
ووضع مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي يده، على حادثة اطلاق النار، وعاين صباح مكان الحادث، وسطّر استنابات قضائية الى الاجهزة المختصة والى الادلة الجنائية لجمع المعلومات وكاميرات المراقبة المتواجدة في مكان حصول الحادث.
وكشفت مصادر قضائية عن ان شبهات توفّرت حول هوية مطلقي النار يجري تعقبهم لتوقيفهم، ولفتت الى انه من معاينة الالية العسكرية، التي جرى تسليمها لقوات اليونيفل، يتبين بانها اصيبت بأكثر من سبع رصاصات.
وتعتقد المصادر ان الالية وهي مصفحة ما كان ليخترقها الرصاص، انما كان الباب الخلفي مفتوحا اثناء سيرها عندما تعرضت لاطلاق النار واصيب بنتيجته احدهم برأسه وتوفي على الفور.
وتضيف المصادر ان اطلاق النار ادى الى ارتطام الالية اثناء محاولة هروبها بعامود بقوة، ما اسفر عن اصابة احد الجنود الذي كان يجلس بجانب السائق بجمجمته وحالته خطرة.
واوضحت انه بحسب القوانين التي ترعى العلاقة بين قوات اليونيفل ولبنان، فانه لا يحق للقضاء اللبناني الاستماع الى اي من جنودها الا من خلال تحقيق مشترك، سيحصل في الايام المقبلة، وذلك بهدف الاستماع الى الجنديين الآخرين اللذين كانا في الآلية ولم يتعرضا لاي اذى، مشيرة الى ان القضاء العسكري طلب من اليونيفيل تزويده بمعلومات عن هذين الجنديين.
تهديد مباشر
وقوة اليونيفيل موجودة في لبنان منذ العام 1978، وتضم نحو عشرة آلاف جندي وتنتشر في جنوب لبنان للفصل بين إسرائيل ولبنان بعد نزاعات عدة.
وجدّد مجلس الأمن الدولي في 31 آب/أغسطس تفويضها لسنة واحدة، وتضمن قراره تعديلا يتعلق بحركتها لناحية أنها لا تحتاج إلى "إذن مسبق أو إذن من أي شخص للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، ويُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل".
وأثار هذا التعديل انتقادات صدر أبرزها عن حزب الله، بعدما كانت قيادة اليونيفيل تنسّق خلال السنوات الماضية دورياتها وتحركاتها في منطقة انتشارها مع الجيش اللبناني.
وإثر الانتقادات، أكدت قيادة اليونيفيل في لبنان أنها تعمل "بشكل وثيق مع القوات المسلحة اللبنانية بشكل يومي، وهذا لم يتغير".
ونبّه الأمين العام لحزب الله في خطاب ألقاه في 17 سبتمبر/ أيلول المنصرم عناصر اليونيفيل من أنهم "إذا أرادوا أن يتصرفوا بعيداً عن الدولة وعن الجيش اللبناني المعني بالحركة في جنوب الليطاني، فإنهم يدفعون الأمور إلى مكان ليس لمصلحتهم".
وتعدّ هذه الحادثة الأبرز في جنوب لبنان خلال السنوات الأخيرة، وتأتي في خضم أزمتين سياسية واقتصادية يشهدها لبنان، الذي فشل برلمانه الخميس للمرة العاشرة على التوالي، في انتخاب رئيس للبلاد.