منذ أن أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر قراره بالاعتكاف سياسياً ومنح غريمه الشيعي المتمثل بالإطار التنسيقي فرصة تشكيل الحكومة بعيداً من تياره الفائز الأول في الانتخابات العراقية الأخيرة، والمواقف السياسية لا تعدو كونها مجرد تصريحات إعلامية لا ترقى لمستوى إحداث التغيير على صعيد التحالفات القائمة حالياً.
فرصة الصدر التي حددها بنهاية عيد الفطر أي مع نهاية الأسبوع الأول من شهر أيار/ مايو المقبل تضع كل الخيارات مجدداً أمام الكتل السياسية للخروج من الأزمة لعدم قدرة أي من التيار الصدري أو الإطار التنسيقي على تشكيل الحكومة من دون الطرف الآخر.
قرار مفاجئ جديد
لا يستبعد المقربون من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أن يخرج الصدر بقرار مفاجئ جديد قد يغير قواعد اللعبة مجدداً بعد أن عجز الإطار التنسيقي عن إقناع الكتل السياسية الأخرى بالانضمام إلى صفوفه خلال فرصة الأربعين يوما التي منحها الصدر له.
ويقول أحد المقربين من زعيم التيار مشترطاً عدم الإشارة إلى هويته لـ"جسور"، إن "الفرصة التي منحها الصدر للإطار التنسيقي كانت فرصة لجميع الأطراف لتقييم مواقفها من الأزمة الراهنة"، مبيناً أن "الصدر ينتظر موقفاً نهائياً منهم وفي حال فشلوا في هذا الأمر فسيكون لكل حادث حديث".
ويوضح المقرب من زعيم التيار، أن "الموضوع مرتبط بشكل كامل بقرار لاحق للصدر وهو لم يفصح عن هذا القرار حتى الآن حتى مع المقربين منه بانتظار مستجدات المشهد السياسي".
العودة إلى التوافق اضطرارياً
لا شك أن التوافق الغائب داخل "البيت الشيعي" أي بين التيار الصدري والإطار التنسيقي كان السبب الرئيس للأزمة الحالية مع رغبة التيار الصدري بتشكيل حكومة وطنية مع الحزب الديمقراطي الكرستاني (البارتي) وتحالف السيادة (عزم وتقدم)، وإصرار الإطار التنسيقي في الطرف الآخر على التوافق الذي لا يريده الصدريون وحلفاؤهم في التحالف الثلاثي، غير أن هذا الخيار قد يكون المخرج الأسلم للجميع بالنسبة للكتل السياسية لتلافي سيناريو الانتخابات المبكرة أو غيرها من أزمات أخرى.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي علي البيدر في تصريح لـ"جسور"، إن "التوافق هو الحل الفيصل لكلا الطرفين لأن تشبثهما بمواقفهما جعلهما غير قادرين على تحقيق أهدافهما او فرض إرادة أي منهما على الآخر".
ويضيف البيدر، أن " لا أحد من الطرفين يريد أن يقدم تنازلات للطرف الآخر لأن هذا الأمر برأيه يؤدي إلى تراجع نفوذه وإمكاناته ومستوى تمثيله وشعبيته"، موضحاً أن " الإطار يطمح إلى تحقيق التوافق غير المشروط مقابل شروط يراها لا تصب في مصلحته يريد فرضها التيار الصدري كحصر السلاح وفتح ملفات الفساد وإحداث تغييرات جوهرية في المناصب".
ووفقاً للبيدر، فإن "الإطار التنسيقي يرى الإصلاح الذي يريده التيار الصدري يعني الإقصاء بالنسبة إليه وهذا يعني تقاطعاً في المصالح".
غياب المحايد الحكيم
يقترح البيدر أن تكون هنالك مبادرة من جهة موثوقة ومؤثرة بالنسبة للطرفين للخروج من الأزمة من خلال إقناعهما بضرورة الاحتكام إلى المنطق في إيجاد الحلول لكنه يؤشر الى غياب الجهة التي تتحلى بهذه المواصفات.
ويقول البيدر، إن "هنالك حاجة الى مبادرة جديدة لتقريب وجهات النظر لكننا لا نمتلك مثل هذه المبادرة التي تتبناها شخصية مستقلة ومؤثرة مع غياب الشخصية ذات النفوذ الرقمي أي التي تمتلك المقاعد الكافية داخل المجلس النيابي للتأثير على الطرفين".
ويضيف، إن "هنالك طروحات مثل ما قدمه حسن العلوي والحزب الشيوعي ومثال الآلوسي لكن كل هذه الطروحات لم ترق لبعض الأطراف السياسية لكون أن هنالك من يراها متحيزة وبالتالي يُشكك بها".
ويستبعد البيدر أن ينجح أي من الطرفين في تفتيت الطرف الآخر إذ أن كلاً من التيار الصدري بتحالفه الثلاثي من جهة والإطار التنسيقي بتحالفاته الاستراتيجية من جهة أخرى "متماسك" وبالتالي لا يمكن التعويل على تفتيت الكيانات السياسية وبالنتيجة فإن الحل لا يخرج عن "العمل على خطة توزيع الاستحقاقات الانتخابية كحصص او نقاط أي العودة للتوافق الرقمي".
الخيار الصعب قد يكون ممكناً
وفي الوقت الذي يُستبعد فيه خيار تفتيت أي طرف للآخر، لا يستبعد المحلل السياسي كاظم ياور إمكانية نجاح أحد الفريقين في تفتيت تحالفات غريمه في حال تغلبت الامتيازات على الرغبات
ويقول ياور في حديث لمنصة جسور، إن "حاجة كل طرف إلى الآخر مع عدم قدرتهما على تشكيل الحكومة بشكل انفرادي يحتم عليهما أما التوافق أو تفتيت الخندق المقابل"، مُرجحاً أن ينجح أحد الطرفين في "سحب نواب وكتل من الطرف الثاني عن طريق الإغراء بالمناصب وغيرها، لكن الأمر متروك لما بعد العيد بكل الأحوال".
ويعتقد ياور أن صعوبة التوافق هي التي تفرض على الطرفين اللجوء إلى خيار تشظية المنافس "فلو كان هنالك احتمال لذلك لحصل قبل فترة طويلة ولتمكن أحد الطرفين من التنازل والتوصل الى توافق".
ويتمثل هذا الخيار كما يرى ياور بوجود "رهان صدري على تفتيت الإطار التنسيقي وحراك مقابل من الإطار لتفتيت التحالف الثلاثي من خلال الضغط على البارتي والسنة لإبعادهما عن الصدريين".
ضغط الاحتجاجات الشعبية
تظل الاحتجاجات الشعبية في العراق عامل ضغط مباشر على الكتل السياسية في الإسراع إلى اللجوء لأحد الخيارات السابقة لاسيما مع استياء الشارع العراقي من الأوضاع العامة في البلاد وتلويح أكثر من طرف بإمكانية النزول إلى الشارع مجدداً للاحتجاج على تسويف الكتل السياسية وعدم التزامها بالمواعيد الدستورية وعدم اكتراثها لحاجات الشعب العراقي.
ويقول علي الصاحب وهو مدير مركز للدراسات الاستراتيجية في العاصمة بغداد، إن "الكتل المتناحرة باتت مضطرة لأن تنهي خلافاتها قبل أن يقول الشعب كلمته لأنه إن قالها فسوف لا تنفعها أغلبيتها او توافقيتها وستصبح أمام إرادة الشعب كأعجاز نخل خاوية وستفقد كل امتيازاتها التي تتصارع من أجلها لا من أجل مصلحة الشعب الذي اصبح يرى السياسي غير ذي تأثير أو فائدة فهو إن حضر لا يعد وإن غاب لايفتقد".
ويضيف الصاحب في حديث لـ"جسور"، إن "التفاهمات بين الكتل السياسية تسير على ظهر سلحفاة ولا توجد حتى الآن رؤية واضحة حول تشكيل الحكومة فتاهت البدايات واضطربت النهايات".
ويشير إلى أن "معاناة المواطن العراقي من قسوة الحياة مقابل تمتع الكتل السياسية بالملذات وعدم تغيرها حتى في شهر رمضان وحتى عدم خشيتها من القانون والدستور العراقي في إيقاف امتيازاتها كلها عوامل تحذر من أن القادم أسوأ".
ومع ذلك لا يستبعد الصاحب أن يحصل التوافق داخل البيت الشيعي أو حتى الكردي لكونه يرى أن "عدم تشكيل الحكومة يعني الفوضى وانهيار العملية السياسية برمتها وهذا ما لا تريده الكتل السياسية التي تلهث خلف مغانمها ومصالحها وبالتالي ستُضطر إلى قبول الآخر لعدم فقدان ما حصلت عليه خلال سنوات"، مُرجحاً أن يكون "عمر الحكومة المقبلة قصيراً بسبب عمق الخلافات بين الكتل المتصارعة".