تطوّر جديد طرأ على ملف الفساد المصرفي بين لبنان والعراق، فبعد أن قرّر البنك المركزي العراقي منذ فترة وقف جميع التعاملات بين البنوك اللبنانية والمؤسسات والمصارف المالية العراقية، إثر اكتشاف شبهات فساد طائلة، كشفت مصادر متابعة لهذا الملف في تصريح لـ "جسور" أن "التحقيقات الحالية التي تجريه هيئة النزاهة العراقية في بغداد، تؤكد وجود شبهات فساد كبيرة وخطيرة تتضمن عملية نقل أرصدة بدون رصيد من البنوك اللبنانية المتعثرة إلى العراقية.
وتتلخص عمليات الفساد المصرفي في قيام شركات وشخصيات عراقية ولبنانية بنقل حساباتهم في البنوك اللبنانية المتعثّرة إلى فرعي مصرفي الرافدين والرشيد الحكوميين العراقيين في بيروت، بغية سحب المبالغ من خلالهما، في عملية تحايل يتورط فيها موظفون ومسؤولون مصرفيون عراقيون.
تورّط سياسيين
وفي جديد القضية، أفاد مسؤول عراقي في هيئة النزاهة بأنّ "عملية الفساد هذه تتورط فيها شخصيات سياسية عراقية وأشخاص من فصائل مسلحة ضغطت لتمرير هذه التعاملات، وشرح بالقول: "هناك شركات ومستثمرون عراقيون ولبنانيون لديهم أموال في بنوك متعثّرة ولا تقدر على دفعها لهم، قاموا بترتيب غير قانوني بالتواطؤ مع مسؤولين، لنقل أرصدتهم الموجودة في تلك البنوك إلى فروع مصرفي الرافدين والرشيد الحكوميين في بيروت، ومن ثم استلام المبالغ منها، بمعنى أن المصرف يفترض أن يتسلم لاحقا المبالغ من البنوك اللبنانية مع العمولة، لكن البنوك ليس لها أي قدرة على الدفع، ما يعني نقل النزاع المالي مع بنوك مفلسة".
وحول المبالغ المنقولة، قال: "حتى الآن نتحدّث عن عشرات ملايين الدولارات نفذت منذ أزمة لبنان المالية قبل عدة سنوات".
عملية فساد ضخمة
في المقابل، قال الخبير الاقتصادي والمالي عبد الرحمن المشهداني في اتصال مع "جسور" إن هذا الملف هو سياسي في الدرجة الأساس، وأن هناك ودائع تعود لسياسيين تقدّر بـ 28 مليار دولار داخل المصارف اللبنانية، وشرح قائلا إنّ ضغطًا ما حصل من هؤلاء السياسيين على البنك المركزي وعلى مصرف لبنان ومصرف الرافدين لتحويل هذه الودائع حسابيًا لصالح الأخير، على أمل أن تسدّد لاحقًا، كون المصارف اللبنانية لا تمتلك قيمة هذه الودائع وبضمانة المصرف المركزي اللبناني ستكون على شكل ديون مترتبة على المصارف اللبنانية لصالح مصرف الرافدين، وما إن يتم تحويل هذه الأرقام حسابيًا لصالح الرافدين فرع بيروت أو مصرف الرشيد، سيتمّ إطلاق هذه الودائع من بغداد، وبالتالي ما حصل وفق المشهداني هو تحايل على أموال مصرف الرافدين من أجل تسديد ودائع السياسيين.
وتابع أنّ "تحرك هيئة النزاهة حول قضية التحويلات المشبوهة، يؤكد أن هناك عملية فساد ضخمة، فالهيئة لا تتحرّك إلا من خلال معلومات تؤكد وجود شبهات فساد مالية كبيرة وخطيرة".
وبيّن المشهداني لـ "جسور" أن "المعلومات المتوفرة تؤكّد أن عملية نقل الأموال من مصارف لبنانية إلى مصرف الرافدين الحكومي العراقي تمّت عبر الورق فقط، وليس هناك نقل للأموال بشكل حقيقي".
وأضاف: "الأمر يدعو إلى فتح تحقيق في مختلف القضايا، وأوّلها كيف خرجت هذه الأموال الكبيرة، ومن هي الجهات والشخصيات المتورطة في هذه العمليات، خصوصًا أن هذه الأموال لعمليات فساد وسرقات وغسل للأموال، وكل هذه القضايا متورطة فيها جهات وشخصيات متنفذة داخل العراق".
"سرقة القرن"
وكان مصرف الرافدين قد اتهم بما بات يعرف بـ"سرقة القرن"، البالغة 2.5 مليار دولار، والتي سرقت عبر سلسلة من الإجراءات وإصدار الصكوك من هيئة الضرائب العامة، ودافع المصرف في حينها عن موقفه، وأكد أنه لا علاقة له بأية عمليات تلاعب أو سرقة يجري الحديث عنها، وأن مهمته كانت قد انحصرت في صرف صكوك الهيئة العامة للضرائب من فروعه بعد التأكد من صحة صدورها بكتب رسمية بين المصرف والهيئة.
وتحتجز المصارف اللبنانية أموال المودعين لديها من الجنسية العراقية، والتي تقدر بعدة مليارات من الدولارات منذ عام 2019، وتفرض قيودًا مشددة على السحوبات، ولاسيما بالعملات الأجنبية، إثر الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد.