منذ مطلع العام الحالي، كثّفت القوات العراقية عمليات التمشيط والمداهمة لملاحقة فلول داعش بالتزامن مع تزايد وتيرة هجمات مسلحين يشتبه بأنهم من التنظيم، لاسيما في مثلث الموت بين محافظات كركوك وصلاح الدين وديالى، لكن فجأة ذاب رعب تنظيم داعش في العراق ما طرح علامات استفهام عدة حول مصيره.
فلماذا اختفى التنظيم بشكل مفاجئ؟ وكيف يفسّر انحسار عناصره؟
وفي هذا الشأن، أشار خبراء الأمن إلى مرحلة ضعف أصابت هيكلية التنظيم وعدد مقاتليه، ولكن بقيت أفكاره ومعتقداته ما يعني أن داعش هزم في جولات مواجهة في سوريا والعراق، ولكن التنظيم لم ينهزم، وإذا كان التنظيم شهد تراجعا إلى حد كبير لا يزال بمقدوره حتى الآن حشد أنصار لتنفيذ اعتداءات، بل ويواصل تجنيد أعضاء جدد، ويؤكد متابعون أن التنظيم تحول إلى شبكة قوية لا مركزية، وحافظ على ظله، وهو تنظيم أصابه الضعف لكن لا يزال خطيراً، ويتمدد في إفريقيا.
وفي هذا الإطار، رأى المحلل الأمني العراقي، هيثم الخزعلي، أنّ تنظيم داعش لم يختفِ، لكن هناك خمود في حركته وتوقف لعملياته في هذه الفترة.
الخزعلي، وفي حديث لـ"جسور"، أوضح أنّ الأخبار تشير إلى أن الولايات المتحدة الأميركية جمعت الكثير من قيادات داعش وهي تدربهم في قاعدة "التنف" غرب العراق، كما أنّ الذين تمّ تهريبهم من سحن الحسكة في سوريا نقلوا إلى هذه القاعدة، وصدرت فتاوى من بعض قيادات داعش تدعوهم للجهاد كما خرجت بعض الحركات معلنة قتالها إلى جانب أوكرانيا وهذه الحركات هي متطرفة سورية.
ورجّح الخزعلي، أن يُوظّف داعش لغرض القتال في أوكرانيا ضد روسيا، لافتا إلى واشنطن بدأت تكوّن المليشيات من كل أنحاء العالم لإرسالها إلى معركة استنزاف في اوكرانيا، كما بيّن الخزعلي أنّ تنظيم داعش الإرهابي هو من أهم أدوات أميركا لهذا العمل.
تمدّد التنظيم
من جهته، رأى الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، في حديث لـ"جسور"، أن تنظيم داعش لم يختف، فهو ظهر في 29 يونيو/حزيران عام 2014 عندما أقام دولته المزعومة في سوريا والعراق باسم الدولة الإسلامية في العراق والشام، واستمرت هذه الدولة منذ التاريخ المذكور حتى الإعلان عن سقوط دولة داعش على لسان الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب في 22 مارس/آذار عام 2019.
وأضاف أديب: "نحن نتحدث عن 3 سنوات على سقوط تنظيم داعش، ورغم ذلك ما زال موجودا وقويا وقادرا على تنفيذ عمليات نوعية في الأماكن التي يتواجد فيها، لذلك نجح الأخير في تنفيذ عملية نوعية منذ أسابيع قليلة في العراق وسوريا."
ورجّح أديب أن يكون التنظيم في مرحلة الكمون لأسباب استراتيجية أو ربما لأسباب تتعلق باختيار الخليفة الجديد، وقد تكون الأسباب تكتيكية عسكرية لكن التنظيم لا يزال قويا وفق قوله.
وعن تأثير الظروف السياسية الدولية الراهنة، رأى أديب أنها تصبّ في قوة التنظيم وليس في ضعفه، لافتا إلى أنّ الغزو الروسي لأوكرانيا وانشغال واشنطن وروسيا بهذا الغزو سيدفع إلى تمدد التنظيم في شرق أوروبا بصورة كبيرة خصوصا وأن موسكو من المفترض أنها تواجه داعش في سوريا والولايات المتحدة الأميركية من المفترض أنها تواجه التنظيم عبر التحالف الدولي الذي أنشأته عام 2014، ما يعني أن الصراع القائم بين واشنطن وموسكو بشأن كييف سيسمح بتمدد التنظيم بشكل خطير في شرق أوروبا.
تعديل في الأسلوب
وفي هذا السياق، لفت الخبير بشؤون الجماعات المتطرفة، فؤاد علي، في تصريح صحفي سابق، إلى أن "أسلوب التنظيم الأخير يمكن اعتباره الأول بين الجماعات الجهادية" في إشارة إلى التخلي عن المدن والانسحاب منها، مضيفا أنه "ضمن المصطلحات المعروفة في الجماعات الجهادية يطلقون على الانسحاب عبارة: الفرار من الزحف وعقوبة ذلك تصل إلى حد القتل لأي عنصر يرتكبها، إلا أنه على ما يبدو فإن ما تعرف باللجنة الشرعية (في داعش) أجازت ذلك لعناصر التنظيم لكون بقائهم فيه مهلكة ولن يثمر عن شيء".
وأضاف أن "أغلبهم يقتل بالطيران من دون أن تكون هناك مواجهة برية حقيقية"، مرجحاً أنهم "ينتقلون إلى مناطق جديدة لإعادة ترتيب صفوفهم مجدداً ومن ثم الهجوم أو التفرق على شكل جيوب تعيد للأذهان نظرية الخلايا الخيطية التي اتبعها تنظيم القاعدة نهاية عام 2005 وحققت نتائج كبيرة لصالحه".
"أرضية ملائمة"
ولتسليط الضوء أكثر على واقع تنظيم داعش، أظهرت دراسة من إعداد مركز البحوث العراقية في جامعة كربلاء، أن فلول داعش "تمارس الاختباء في المناطق الرخوة ذات التضاريس لتشكّل بذلك خلايا نائمة في ديالى، والبعاج، وجبال مخمور".
ويعد داعش تنظيماً انتهازياً يحاول استغلال الظروف الراهنة وبعض الثغرات لإعادة هيكلة نفسه، فما أن يجد ثغرة، أو ضعفاً في أيّ ملف سياسي أو اقتصادي سرعان ما يطفو على السطح"، وفق الدراسة.
وأشارت إلى "توفر الأرضية الملائمة عند الحدود العراقية مع إقليم كردستان لنشاط داعش"، موضحةً أنّ "صراع السلطات بين المركز في بغداد وإقليم كردستان ما زال قائماً، وأخذ يطفو على سطح تلك المناطق من جديد، ومن سيسيطر عليها: البيشمركة أم القوات الاتحادية؟ لذا فإن جزءاً من الفوضى، والفراغ أعطى الفرصة لداعش بتنشيط نفسه هناك".
وأكدت الدراسة أن تكرار سيناريو 2014 "غير ممكن" والسبب أن "أوضاع الموصل كانت مختلفة جداً عندما تم احتلالها من قبل داعش، حيث كانت الظروف مهيأة لسقوط المدينة".