ينتهي عهد الرئيس اللبناني ميشال عون على واحدة من أسوأ الأزمات السياسية والاجتماعية، في حين لا يزال معارضو عون يحمّلون "العهد القوي" مسؤولية ما وصلت اليه البلاد التي تمر بأكبر أزمة اقتصادية عبر تاريخها، صنفت ضمن أشد ثلاث أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
أما مناصرو عون فيعتبرون أن ظروفًا خارجة عن إرادته عاكسته كتفجير مرفأ بيروت ووباء كورونا، لكن وعلى الرغم من ذلك لم يخل عهد عون من الإنجازات حسب نظرهم أهمها تحرير المناطق اللبنانية الحدودية من سيطرة المنظمات الإرهابية، "داعش" و"جبهة النصرة" وقتها، عبر معركة أطلق عليها اسم "فجر الجرود، إضافة الى "هدية" اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل التي قدمها عون للبنانين لمناسبة نهاية ولايته، فيما يعتبر البعض أن إنجاز الترسيم حصل لأسباب خارجية متعلقة بالحرب في أوكرانيا.
فراغ رئاسي
ودخل لبنان في مرحلة الشغور الرئاسي بالفعل، حيث لم يعد ممكنًا أن يطرأ أي جديد على المشهد السياسي القائم في لبنان، فلا قدرة وتوافق على انتخاب رئيس جمهورية جديد عبر المجلس النيابي المنقسم على نفسه، خصوصًا بعدما فشل في انتخاب رئيس جديد للبلاد في أربع جلسات مخصصة لذلك خلال المرحلة الماضية، وبات جليا أن الكتل النيابية المنبثقة عن الانتخابات لم تتمكن من الاتفاق على اسم مرشح يحظى بقبول الأكثرية المطلوبة.
وفي هذا الاطار، أشارت المستشارة القانونية غنى مسالخي في حديث لـ"جسور" الى أن "المادة 73 من الدستور اللبناني تنص على أنه "قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فانه يجتمع حكمًا في اليوم العاشر الذي يسبق اجل انتهاء ولاية الرئيس،" وبالتالي دخل لبنان منذ اليوم في فراغ رئاسي نتيجة تأثير الأزمة السياسة الحادة على المسار الديمقراطي للمشهد اللبناني."
واستطردت قائلة "استنادا الى المادة 62 من الدستور اللبناني في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة، تناط صلاحيات رئيس الجمهورية لمجلس الوزراء.
وقد حددت المادة 74 هذه الحالات على سبيل التعداد لا الحصر اذ اعتبرت ان سدة الرئاسة تعتبر خالية في حال وفاة رئيس الجمهوية او استقالته او لاي سبب آخر، وبالتالي مجلس الوزراء الموجود يصبح هو الوكيل بنص دستوري، من دون أن يغير ذلك بشكل الحكومة وكيانها الدستوري، سواء أكانت حكومة عادية أم مستقيلة، بهدف حسن ادارة المرافق العامة وتجنب تعطيلها.
فراغ حكومي
ووقّع الرئيس اللبناني ميشال عون استقالة الحكومة قبيل مغادرته قصر بعبدا الجمهوري إلى مقره في الرابية، معقله السياسي، عشية انتهاء ولايته يوم غدٍ الإثنين ، فيما أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي رفضه للمرسوم الذي وقعه الرئيس عون.
وقال ميقاتي إن الحكومة اللبنانية ستتابع القيام بواجباتها الدستورية كافة ومن بينها تصريف الأعمال، وفق نصوص الدستور والأنظمة التي ترعى عملها.
وهنا اعتبرت مسالخي أن"مرسوم قبول استقالة الحكومة هو مرسوم إعلاني لحالتها المنشأة أصلا عن حكم دستوري بعد الانتخابات النيابية، وليس ناجمًا عن مرسوم رئاسة الجمهورية بكونه ليس إنشائيا، ولا يمكنه أن يغير شيء بالمعادلة الدستورية، ولا في المعاملة العملية على أرض الواقع، وليس من شأنه أن يجهضها من الحياة الدستورية والسياسية، باعتبار أن الذي يؤدي إلى ذلك هو فقط توقيع مرسوم تشكيل حكومة جديدة تخلفها وتمارس صلاحياتها."
وأضافت "كل ذلك وارد في الدستور لضمان عدم جواز الفراغ في المؤسسات الدستورية واستمرارية العمل في المرافق العامة، وبالتالي توقيع إستقالة الحكومة من قبل الرئيس ليس له أي أثر قانوني أو دستوري وذلك لعدم شرعيته".
خطوة فريدة من نوعها
وشرحت مسالخي أن "خطوة عون تُعد سابقة في لبنان، حيث يتعيّن على رئيس الجمهورية إصدار مرسوم قبول استقالة الحكومة، في اليوم ذاته الذي يوقع فيه مرسومي تعيين رئيس الحكومة وتشكيل حكومة جديدة، في حين تصدر المراسيم الثلاثة معًا."
وغادر الرئيس اللبناني ميشال عون الأحد القصر الرئاسي وسط دعم وحضور من أنصاره في حزبه "التيار الوطني الحر".
وعلى وقع هتافات مؤيدة أطلقها الآلاف من مناصريه وأعضاء حزبه، الذين أمضى بعضهم ليلته في محيط القصر الرئاسي في منطقة بعبدا المشرفة على بيروت، قال عون إن لبنان مسروق من قبل القطاع المصرفي، وهذا يحتاج إلى جهد لاقتلاع الفساد من جذوره.
وأوضح أن المنظومة الحاكمة منذ 32 عاما أوصلت لبنان إلى المرحلة الحالية، مؤكدا أن البلاد بحاجة إلى إصلاح.
وشدد عون على أنه لا يمكن الاعتماد على المسؤولين الحاليين في بناء الدولة، وأن الحكم في لبنان أصبح حكما ثأريا والثأر جريمة وليس عدالة، بحسب توصيفهن لافتا الى أن لبنان لن يتمكن من الخروج من الهوة التي وضع فيها، إلا بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية.