يبدو أن صفقة إعادة تشغيل حكومة "معاً للإنقاذ" في لبنان، بدأت تتضح معالمها بعد تعطيل دام لأسابيع بسبب عزوف وزراء الثنائي حركة أمل وحزب الله عن المشاركة والتهديد بالاستقالة منها ما لم يُتخذ القرار النهائي بإقالة المحقق العدلي في جريمة إنفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار.
وسط التلبد السياسي والاقتصادي والمالي المستعر، ينتظر لبنان، أسبوعا حافلا باستحقاقات مصيرية أبرزها القرار المتوقع صدوره عن المجلس الدستوري بما يخص الطعن المقدم من قبل نواب تكتل "لبنان القوي" (التيار الوطني الحر)، وتداعياته المصيرية على الانتخابات التشريعية المقبلة في 2022، أضف إليه معركة العدالة القائمة على جبهة التحقيق بانفجار مرفأ العاصمة.
تسوية مربحة
بعد جمودٍ قاتل داخلياً، يبدو أن حكومة ميقاتي "المحظور" عليها الاجتماع، ستنعقد بعد الحديث عن نجاح الوساطة التي قام بها حزب الله في الأيّام القليلة الماضية، بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل؛ إلا أن الأثمان ستكون باهظة قضائياً وسياسياً.
وتحدثت مصادر مطلعة، عن أن "الصفقة تمّت بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وفريق رئيس الجمهوريّة ميشال عون، بمسعى من حزب الله". وبالتفاصيل، تقضي هذه التسوية الجديدة بأن يُصدر المجلس الدستوري قراره بقبول الطعن المقدّم من نواب في التيار الوطني الحر، مما يعني الإطاحة بانتخابات المغتربين وحقهم بالتصويت لكامل أعضاء مجلس النواب وحصرهم بستّة نوّابٍ فقط يمثّلون الإغتراب.
في المقابل، سيدعو رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الى جلسة للحكومة عنوانها تعيينات قضائية جديدة، بديلاً عن كل من رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، ومدعي عام التمييز حاتم ماضي، والمدعي العام المالي علي ابراهيم، ورئيس التفتيش القضائي بركان سعد.
هذه التعيينات ليست واقعياً إلا إقالات، ستؤدي إلى سحب ملف التحقيق مع المدعى عليهم في جريمة إنفجار المرفأ من يد القاضي طارق البيطار، وتسليمه الى مجلس النواب. وبذلك، يكون الرئيس بري قد وجّه ضربةً قاضية الى المحقق العدلي، ويكون النائب باسيل قد تخلص من هاجس اقتراع المغتبرين وحصرهم بستة نواب بينا أعاد الرئيس ميقاتي حكومته إلى العمل مجدداً.
أما الرابح الأكبر فهو "حزب الله"، الذي حقق مطالبه الرئيسية والثانوية في آنٍ معاً، من خلال إقالة القاضي عبود الذي اتهمه مراراً بحماية البيطار، ونال اطئناناً من ناحية المغتربين وخفف من وطأة الضغط والإعلامي والشعبي الذي يتّهمه بشلل حكومة.
"السطو الوقح"
وعن الوجه الآخر لهذه التسوية، تحدث الصحافي أسعد بشارة، عن صفقة تحت رعاية "المافيا"، معتبراً أن الخلاف بين النائب جبران باسيل ورئيس مجلس النواب نبيه بري، "هو لشد العصب الطائفي فقط، فلا شيء مستبعد من أركان هذه المنظومة، يختلفون على الحصص ويتناتشون ما تبقى من الدولة والمؤسسات وعندما يتفقون فإنهم يتفقون على تقاسمها".
وأوضح بشارة في اتصال مع "جسور"، قائلاً: "إذا صح ما يتم تداوله من تسوية لإرضاء الثنائي حركة أمل وحزب الله ،بغية تقييد عمل البيطار أو عزله، مقابل إرضاء باسيل ونسف قانون الانتخاب تمهيداً لتأجيل الانتخابات، خصوصاً اقتراع المغتربين، فسيكون هذا المسار الطبيعي للمافيا الحاكمة التي أصبحت عارية من كل شيء وتمارس سياسة السطو الوقح على قرار اللبنانيين ومستقبلهم".
وأكد بشارة أن "أي مس برئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي سهيل عبود، الذي شدد على إستقلالية القضاء منذ توليه المسؤولية، سواءاً في التعيينات التي رفض توقيعها الرئيس ميشال عون، بما يخدم تكريس المحاصصة في القضاء، أو في ملف المرفأ الذي مارس فيه عبود الدور الطبيعي بحماية الحق القانوني للبيطار بأن يكون سيد ملفه بالتحقيق كما ينص القانون".
وأضاف شارحاً، "في حال تمت إقالة القاضي عبود يكون كل من شارك في هذه الجريمة مسؤولًا عن دفن التحقيق في انفجار مرفأ بيروت والمسؤولية مشتركة بين رئيس الجمهورية الذي قد يترأس جلسة الحكومة التي ستأخذ هذا القرار، أو رئيس الحكومة نفسه (ميقاتي) الذي يتحمل مسؤولية كبرى في حال وافق على إقالة عبود، وصولاً إلى أركان المنظومة والحكومة المغطاة من حزب الله".
آلية الإقالات
وعن آلية التعيينات والإقالات ودستوريتها، أكد الخبير القانوني الدكتور محي الدين الشحيمي، في حديث لـ "جسور"، أنه "من حيث القانون الآليات التي يتم من خلالها التعيين هي نفسها تنص على كيفية الإقالة إن كانت طوعية أم غير طوعية أو كانت بانتهاء الخدمة شرط السن وغيرها من الأسباب".
وتابع، "بما يخص النيابة العامة التمييزية، حددت المادة 13 من أصول المحاكمات الجزائية أن مدعي عام التمييز يتم تعيينه بناءً على مرسوم من مجلس الوزراء واقتراح من وزير العدل. فمدعي عام التمييز هو رئيس كل النيابات وعند تعيينه يتحرر من السلطة السياسية".
وشرح شحيمي قائلاً : "بحسب القانون القديم كان المدعي العام التمييزي تابعاً لوزير العدل المعيّن سياسياً، وتالياً خاضعاً للسلطة السياسية بشكل مباشر، أما اليوم فمدعي عام التمييز يتمتع باستقلالية تامة عن السلطة السياسية".
وعلق الشحيمي، عما يتم تداوله في أروقة السياسة عن تعيينات قضائية وإقالات لإعادة تحريك عجلة الحكومة بعد فرملتها لأسابيع، أنه "يفترض بالحكومة أن تجتمع لاستكمال أمور أساسية ومعيشية رئيسية ولتحصين الاستقرار الداخلي في لبنان، والمضي قدماً في الإصلاحات والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي. أما ما نشهده اليوم من حديث عن سلسلة تعيينات وتنحيات إذا تم التوافق عليها برأيي، فإنها ستشكل عاملاً لتفجير الحكومة".
وأشار الشحيمي، إلى أنه "في حال تم التوافق على الإقالات لن يُصار إلى تعيين بديل لهم في القريب العاجل، وبالتالي ما الفائدة من كثرة الفراغات والعهد يُشارف على نهايته والحكومة غير تنفيذية هي بحكم تصريف الأعمال قبل أن تصبح فعليا كذلك؟". وأضاف، "كل هذه التسويات مجرد خطوات للعرقلة وغير محفذة على مستوى التعاون بين السلطات وتطرح علامات استفهام كبيرة حول مدى استقلالية السلطة القضائية عن المناكفات السياسية". وختم قائلًا: "ليترك القضاء حرّاً ولنحتكم إلى المادة 20 من الدستور التي تنص على استقلاليته".
وسط التلبد السياسي والاقتصادي والمالي المستعر، ينتظر لبنان، أسبوعا حافلا باستحقاقات مصيرية أبرزها القرار المتوقع صدوره عن المجلس الدستوري بما يخص الطعن المقدم من قبل نواب تكتل "لبنان القوي" (التيار الوطني الحر)، وتداعياته المصيرية على الانتخابات التشريعية المقبلة في 2022، أضف إليه معركة العدالة القائمة على جبهة التحقيق بانفجار مرفأ العاصمة.
تسوية مربحة
بعد جمودٍ قاتل داخلياً، يبدو أن حكومة ميقاتي "المحظور" عليها الاجتماع، ستنعقد بعد الحديث عن نجاح الوساطة التي قام بها حزب الله في الأيّام القليلة الماضية، بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل؛ إلا أن الأثمان ستكون باهظة قضائياً وسياسياً.
وتحدثت مصادر مطلعة، عن أن "الصفقة تمّت بين رئيس مجلس النواب نبيه بري وفريق رئيس الجمهوريّة ميشال عون، بمسعى من حزب الله". وبالتفاصيل، تقضي هذه التسوية الجديدة بأن يُصدر المجلس الدستوري قراره بقبول الطعن المقدّم من نواب في التيار الوطني الحر، مما يعني الإطاحة بانتخابات المغتربين وحقهم بالتصويت لكامل أعضاء مجلس النواب وحصرهم بستّة نوّابٍ فقط يمثّلون الإغتراب.
في المقابل، سيدعو رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الى جلسة للحكومة عنوانها تعيينات قضائية جديدة، بديلاً عن كل من رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، ومدعي عام التمييز حاتم ماضي، والمدعي العام المالي علي ابراهيم، ورئيس التفتيش القضائي بركان سعد.
هذه التعيينات ليست واقعياً إلا إقالات، ستؤدي إلى سحب ملف التحقيق مع المدعى عليهم في جريمة إنفجار المرفأ من يد القاضي طارق البيطار، وتسليمه الى مجلس النواب. وبذلك، يكون الرئيس بري قد وجّه ضربةً قاضية الى المحقق العدلي، ويكون النائب باسيل قد تخلص من هاجس اقتراع المغتبرين وحصرهم بستة نواب بينا أعاد الرئيس ميقاتي حكومته إلى العمل مجدداً.
أما الرابح الأكبر فهو "حزب الله"، الذي حقق مطالبه الرئيسية والثانوية في آنٍ معاً، من خلال إقالة القاضي عبود الذي اتهمه مراراً بحماية البيطار، ونال اطئناناً من ناحية المغتربين وخفف من وطأة الضغط والإعلامي والشعبي الذي يتّهمه بشلل حكومة.
"السطو الوقح"
وعن الوجه الآخر لهذه التسوية، تحدث الصحافي أسعد بشارة، عن صفقة تحت رعاية "المافيا"، معتبراً أن الخلاف بين النائب جبران باسيل ورئيس مجلس النواب نبيه بري، "هو لشد العصب الطائفي فقط، فلا شيء مستبعد من أركان هذه المنظومة، يختلفون على الحصص ويتناتشون ما تبقى من الدولة والمؤسسات وعندما يتفقون فإنهم يتفقون على تقاسمها".
وأوضح بشارة في اتصال مع "جسور"، قائلاً: "إذا صح ما يتم تداوله من تسوية لإرضاء الثنائي حركة أمل وحزب الله ،بغية تقييد عمل البيطار أو عزله، مقابل إرضاء باسيل ونسف قانون الانتخاب تمهيداً لتأجيل الانتخابات، خصوصاً اقتراع المغتربين، فسيكون هذا المسار الطبيعي للمافيا الحاكمة التي أصبحت عارية من كل شيء وتمارس سياسة السطو الوقح على قرار اللبنانيين ومستقبلهم".
وأكد بشارة أن "أي مس برئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي سهيل عبود، الذي شدد على إستقلالية القضاء منذ توليه المسؤولية، سواءاً في التعيينات التي رفض توقيعها الرئيس ميشال عون، بما يخدم تكريس المحاصصة في القضاء، أو في ملف المرفأ الذي مارس فيه عبود الدور الطبيعي بحماية الحق القانوني للبيطار بأن يكون سيد ملفه بالتحقيق كما ينص القانون".
وأضاف شارحاً، "في حال تمت إقالة القاضي عبود يكون كل من شارك في هذه الجريمة مسؤولًا عن دفن التحقيق في انفجار مرفأ بيروت والمسؤولية مشتركة بين رئيس الجمهورية الذي قد يترأس جلسة الحكومة التي ستأخذ هذا القرار، أو رئيس الحكومة نفسه (ميقاتي) الذي يتحمل مسؤولية كبرى في حال وافق على إقالة عبود، وصولاً إلى أركان المنظومة والحكومة المغطاة من حزب الله".
آلية الإقالات
وعن آلية التعيينات والإقالات ودستوريتها، أكد الخبير القانوني الدكتور محي الدين الشحيمي، في حديث لـ "جسور"، أنه "من حيث القانون الآليات التي يتم من خلالها التعيين هي نفسها تنص على كيفية الإقالة إن كانت طوعية أم غير طوعية أو كانت بانتهاء الخدمة شرط السن وغيرها من الأسباب".
وتابع، "بما يخص النيابة العامة التمييزية، حددت المادة 13 من أصول المحاكمات الجزائية أن مدعي عام التمييز يتم تعيينه بناءً على مرسوم من مجلس الوزراء واقتراح من وزير العدل. فمدعي عام التمييز هو رئيس كل النيابات وعند تعيينه يتحرر من السلطة السياسية".
وشرح شحيمي قائلاً : "بحسب القانون القديم كان المدعي العام التمييزي تابعاً لوزير العدل المعيّن سياسياً، وتالياً خاضعاً للسلطة السياسية بشكل مباشر، أما اليوم فمدعي عام التمييز يتمتع باستقلالية تامة عن السلطة السياسية".
وعلق الشحيمي، عما يتم تداوله في أروقة السياسة عن تعيينات قضائية وإقالات لإعادة تحريك عجلة الحكومة بعد فرملتها لأسابيع، أنه "يفترض بالحكومة أن تجتمع لاستكمال أمور أساسية ومعيشية رئيسية ولتحصين الاستقرار الداخلي في لبنان، والمضي قدماً في الإصلاحات والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي. أما ما نشهده اليوم من حديث عن سلسلة تعيينات وتنحيات إذا تم التوافق عليها برأيي، فإنها ستشكل عاملاً لتفجير الحكومة".
وأشار الشحيمي، إلى أنه "في حال تم التوافق على الإقالات لن يُصار إلى تعيين بديل لهم في القريب العاجل، وبالتالي ما الفائدة من كثرة الفراغات والعهد يُشارف على نهايته والحكومة غير تنفيذية هي بحكم تصريف الأعمال قبل أن تصبح فعليا كذلك؟". وأضاف، "كل هذه التسويات مجرد خطوات للعرقلة وغير محفذة على مستوى التعاون بين السلطات وتطرح علامات استفهام كبيرة حول مدى استقلالية السلطة القضائية عن المناكفات السياسية". وختم قائلًا: "ليترك القضاء حرّاً ولنحتكم إلى المادة 20 من الدستور التي تنص على استقلاليته".