يتواصل الإعلان بشكل متزايد ومثير للقلق عن كشف وضبط عمليات المتاجرة بالأعضاء البشرية في العراق، خصوصا بعد أن سجّلت مؤسسات حكومية ومنظمات مجتمعية ارتفاعاً ملحوظاً في معدلاتها، نتيجة الظروف الاقتصادية والأمنية الصعبة في البلاد، الأمر الذي يهدّد بتحولها الى ظاهرة وفق ناشطين ومدافعين عن حقوق الإنسان.
وحذّر مراقبون عبر “جسور" من تصاعد لافت لهذه الظاهرة نتيجة ارتفاع معدلات الفقر واستغلال الأوضاع الإنسانية، ولا سيما مع الإعلان عن وجود أكثر من 5 ملايين طفل يتيم في العراق وفق المفوضية العليا لحقوق الإنسان.
أسباب الظاهرة
ويقول باحثون إن عوامل عدة تقف وراء الارتفاع الملحوظ في معدلات الاتجار بالبشر، أبرزها الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفقر، حيث تشير وزارة التخطيط في آخر إحصائياتها إلى أن "نسبة الفقر تجاوزت 30% من الشعب العراقي، وبالأخص في المحافظات الوسطى والجنوبية".
وفي هذا السياق، رأت الباحثة الاجتماعية العراقية، سمر نور الفيلي، أنّ غياب الاستقرار السياسي والإقتصادي، يُعدّ من أهم الأسباب التي أدت إلى تفاقم ظاهرة الاتجار بالبشر، كما أن المعاناة والظروف الاقتصادية السيئة دفعت عددا غير قليل من الأسر للمتاجرة بأبناهم نتيجة حدة الفقر والعوز والبطالة.
وأكدت الفيلي في اتصال مع "جسور"، أنّ المتابعة الجدّية لشبكات الاتجار من قبل جميع أجهزة الدولة وتحديدا المختصة في تعقّب جذور هذه الجريمة واتخاذ الإجراءات الفورية والصارمة التي تحدّ من تفشي هذه الظاهرة ونموّها وانتشارها تؤدي حتما إلى نتائج إيجابية، موضحة أنّ هذه الآفة بدأت مع عرض الكثير من المواطنين أجزاء من أعضائهم للبيع بغية الحصول على الاحتياجات الضرورية لأسرهم بسبب افتقارهم للسيولة، كما أنّ مواقع التواصل الاجتماعي لها دور سلبي في بعض الأحيان عبر الاستدراج والإغراء والوعود بتلبية رغبات وهمية عمّقت وضاعفت أعداد هذه الجريمة. وشدّدت الفيلي على ضرورة اتخاذ إجراءات رادعة لمنع العصابات المسلحة من تجنيد الشباب والأطفال.
المؤبد والإعدام!
ويتضمن قانون مكافحة الاتجار بالبشر عقوبات تصل إلى حد السجن المؤبد والإعدام في بعض الحالات، لكن قانونيين يرون أن عقوباته صعبة التطبيق لأسباب عدة، أبرزها اعتماد عمليات الاتجار على التحايل وخداع الضحايا، أو استغلال ظروفهم وظروف عائلاتهم، وهو ما يحتاج إلى جهد استخباري فائق لملاحقة تلك الحالات والكشف عنها، كما يوضح الخبير القانوني علي التميمي في حديث لـ"جسور".
ويرى التميمي، أنّ هذه الجرائم طارئة على المجتمع العراقي وهي تحتاج إلى التوعية والتعريف عبر وسائل الإعلام، مضيفًا أنّ من الجرائم التي جاء بها هذا القانون تجنيد الأشخاص واستقبالهم والاحتيال عليهم وخداعهم واستغلال السلطة لتحقيق هذه الجرائم وقد يكون هذا الاستغلال لأغراض الجنس أو التسوّل أو السخرة.
وأشار التميمي إلى أن "قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012، ينصّ على مواد وعقوبات كافية لمكافحة الظاهرة"، لكنه يؤكد أن عقوبات مواد القانون رغم صرامتها صعبة التطبيق، كونها تحتاج جهدا استخباريا خاصا جدا، لأنها غالبا ما تترافق مع التحايل، ويضرب مثالا على ذلك إيهام النساء بالحصول على فرص عمل خارج البلاد، ليكتشفن أنهن ضحايا عمليات اتجار بالبشر فور مغادرتهن العراق.
أرقام صادمة
وكان تقرير لمنظمة "المصير" العراقية، كشف في وقت سابق عن أرقام صادمة حيال ظاهرة الاتجار بالبشر وأشكال أخرى من العنف، التي تقع ضحيتها النساء والطفلات، منتقدا دور مواقع التواصل الاجتماعي السلبي الذي يساهم في استدراج فتيات قاصرات للزواج.
وبيّن التقرير، أنّ 55 امرأة وقعن ضحيةً للابتزاز الإلكتروني والمساومة من خلال الضغط لدفع المال أو التشهير والتهديد بنشر صورهن الشخصية على السوشيال ميديا، مضيفا، أنّ عدد المختطفات/ين خلال العام الماضي بلغ 125 شخصاً، ومعظم هذه العمليات كانت لغرض الحصول على مبالغ مالية أو الاعتداء الجنسي، وكانت ضحاياها من النساء والفتيات والشبان والشابات والأطفال والطفلات.
وبحسب التقرير، يُقدّر عدد الأرامل في العراق بـ2 مليون أرملة، وعدد المستفيدات من رواتب الرعاية الاجتماعية 400 ألف، موضحا أن غالبيتهن يتعرضن إلى صعوبات في الحصول على مصدر عيش، بسبب الفساد الإداري، وبعضها يتعلق بالتقاليد العشائرية، إضافة إلى وجود مساومات ومضايقات من قبل موظفين فاسدين ما يجعلهن مشروعاً مناسباً للاتجار.
يُذكر أن ظاهرة الاتجار بالبشر بدأت في العراق بعد عام 2003 بأشكاله المختلفة ما بين استغلال الأطفال للتسول وإجبار النساء على العمل في تجارة الأعضاء البشرية.
ولكثرة انتشار هذه الجرائم، أقر البرلمان العراقي قانوناً عام 2012 عرّف جرم الاتجار بالبشر بأنه "تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم، بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر، بهدف بيعهم أو استغلالهم في أعمال الدعارة أو الاستغلال الجنسي أو السخرة أو العمل القسري أو الاسترقاق أو التسول أو المتاجرة بأعضائهم البشرية أو لأغراض التجارب الطبية".