لا تزال ارتدادات انفجار الرابع من أغسطس/ آب الذي هز العاصمة اللبنانية بيروت عام 2020 مستمرة، فعلى بعد يومين من الذكرى السنوية الثانية، لم تتحقق العدالة بعد ولم ينل أهالي الضحايا الـ233 كما آلاف الجرحى من الدولة سوى وعود لم تعرف طريقها إلى التنفيذ. أما إهراءات بيروت الشاهد الأول على جريمة العصر فبدأ الجزء الصامد منها يتآكل وينهار تدريجياً بفعل نيران اندلعت فيه منذ عدة أسابيع وتتجدد يومياً من دون إيجاد حل نهائي لها حتى الآن. وكان أهالي الضحايا وقفوا مرات عدة، سداً منيعاً أمام رغبة الحكومة في هدم الإهراءات.
ما يحصل أمام أعين اللبنانيين أخيراً يفسره شقيق أحد ضحايا الإنفجار وليام نون بالقول إنه يدخل في إطار خطة ممنهجة وضعتها الدولة لهدم الإهراءات بطريقة غير مباشرة بهدف الاستثمار في مشاريع تجارية في المرفاً وذلك بعد أن تعذر عليها هدمها مباشرة "أقدر أن الدولة حين واجهت اعتراضاً كبيراً من قبل أهالي ضحايا الانفجار، وجدت الحل في ترك الحبوب حتى تتخمر فتحولت حبوب الذرة إلى زيوت اشتعلت بفعل الحرارة" رافضاً القبول بما روجته الحكومة عن أن "الإهراءات تشكل خطراً على السلامة العامة".
وأعلن نون أن الدولة حصلت على الفرصة لمعالجة الموضوع وبدأت فعلاً في ذلك "منذ عدة أشهر أطل أحد الوزراء عبر برنامج تلفزيوني ليكشف أن الحكومة بدأت في إفراغ القمح من الإهراءات لمعالجته وتحويله إلى حطب يستخدمه الجيش اللبناني ثم اكتشفنا لاحقاً أنهم لم يستكملوا مهمتهم لنصل إلى هذه المرحلة"، وتساءل عن الأسباب التي منعت الدولة من استكمال عملها وتفادي اشتعال الزيت.
العدالة هي الهدف
أخ الضحية جو نون أكد أن أهالي شهداء المرفأ "متمسكون بتحقيق العدالة وليس بالإهراءات كمنشأة" ويضيف "نتمسك بكل جزء متبق من الإهراءات كي لا ينسى الشعب اللبناني هول الجريمة فتتحقق العدالة وحينها فقط نوافق على إزالتها ونسمح بانطلاق المشاريع الاستثمارية مكانها".
ويرفض نون حملة التضليل التي تروج لها السلطة لتبرر قرارها هدم الإهراءات "لا خطر للاهراءات على السلامة العامة"، متمنياً في الختام أن تكون المشاركة الشعبية كثيفة خلال الذكرى الثانية بالتزامن مع تحرك أهالي الضحايا "كي نتحول جميعاً إلى منازل من يعرقلون التحقيق".
لا خطر
ومنذ اليوم الأول لإعلان الدولة اللبنانية رغبتها هدم الاهراءات تشكلت لجنة من المتطوعين ضمت 12 مهندساً وممثلين عن أهالي الضحايا وعدداً من الجرحى كما بعض الصحافيين وبدأت اجتماعات دورية كل أسبوع، وفي حديث لـ"جسور" مع الصحافي سمير سكيني أحد الأعضاء، أوضح أن "عملنا يتعلق أكثر بتحويل ملف الاهراءات من مسألة تقنية خاصة إلى مسألة رأي عام ونستند في ذلك على معلومات علمية وتقنية نستقيها من مهندسين واختصاصيين في هذا المجال ضد التهويل الذي تقوم به الحكومة والمعلومات المغلوطة التي تبثها الجهات المسؤولة ترويجاً لهدم الإهراءات".
حرب التضليل التي تقودها الدولة تكذبها الوقائع يقول سكيني "مبنى الإهراءات مؤلف من قسمين جنوبي وشمالي يفصل بينهما متران من الفراغ يجعل منهما منشآتين مستقلتين" شارحاً أن "القسم الشمالي لجهة البحر هو الأكثر تضرراً بسبب الإنفجار أما القسم الجنوبي فبقي ثابتاً ولم يتحرك كما لا احتمالية لوقوعه".
ولفت إلى أن الدولة لم تتصرف لاحتواء المشكلة بل تعمدت إهمال الجزء المتضرر "رفضت الدولة تدعيم الجزء الجنوبي من الإهراءات والذي كان يميل بشكل طفيف يومياً منذ الإنفجار لليوم ومع الحريق بدأ يميل بشكل اسرع" ورغم أنه لم يجزم أن يكون الحريق متعمداً "يحتمل أن تكون الحبوب قد تخمرت" لكنه أكد أن"عدم التدخل لإطفاء الحريق متعمد بهدف القضاء على المعلم ودفع المواطنين إلى نسيان القضية".
ذاكرة جماعية
وأشار إلى أن السبب في إطلاق الحملة يعود إلى أمرين "الأول يتعلق بمزاج المدينة وسكانها لأننا ننطلق من فكرة أساسية تقول إن مصير هذه الإهراءات يقررها أهل العاصمة وأهالي المتضررين من الإنفجار باعتبار أنها ملكية عامة بحسب المراسيم الصادرة" أما الأمر الثاني مرده كما يضيف "رمزية الموقع لكونه تحول انفجار الرابع من آب إلى جزء من ذاكرة المدينة الجماعية".
الحملة بدأت على مواقع مواقع التواصل الاجتماعي كما أكد "ثم لاحقا ًسننتقل إلى التواصل المباشر مع الناس في الشارع والمناطق كل ذلك بهدف وضعهم في أجواء ما يحصل وأهمية الحفاظ على هذا المعلم".