تأمل القوى السياسية في العراق أن تؤدي حوارات اللحظات الأخيرة إلى حسم عقدة اختيار رئيس الجمهورية والذي سيحدد الاتفاق عليه شكل الحكومة المقبلة واسم رئيسها، ومن المقرر أن تكون عطلة عيد الأضحى (تبدأ في 9 تموز يوليو – وتنتهي في 14 منه) هي الفيصل بين القوى السياسية واتفاق تشكيل الحكومة.
لكن المؤشرات الإيجابية التي قدمها كل من الإطار التنسيقي الذي بات الكتلة الأكبر داخل مجلس النواب بعد انسحاب التيار الصدري، والكتل الكردية والسنية والنواب المستقلون تصطدم بمخاوف من حركة غير متوّقعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر قد تؤدي إلى وأد الحكومة المقبلة حتى قبل تشكيلها.
حيث أن دعوة الزعيم الصدري إلى صلاة جمعة موحّدة في مدينة الصدر ببغداد تجمع أتباعه من كل المدن العراقية أربكت حسابات الإطار التنسيقي وبقية الكتل التي كانت تريد المضي قدماً في تشكيل الحكومة دون أي إزعاج من الصدر.
وعلى الرغم من أن الصلاة الموحّدة التي دعا إليها الصدر هي لأسباب دينية واجتماعية كما أوضحت المصادر المقربة، غير أن المخاوف من أن تتحوّل هذه الصلاة إلى تجمع سياسي قد يكون نواة لانطلاق تظاهرات عارمة، لا تزال قائمة.
إذ أن خيار الرجوع إلى الشارع هو أحد الخيارات التي يُتوقع أن يعتمدها الصدر لعرقلة مساعي تشكيل حكومة توافقية كان يحاول عرقلتها بإعلانه رغبته تشكيل حكومة أغلبية وطنية انسحب بعد تيّقنه من عدم قدرته على تشكيلها بمنأى عن منافسيه.
يدرك الإطار التنسيقي جيداً أن تقديم مرشح لقيادة الحكومة المقبلة من دون رضا الكرد والسنة وحتى التيار الصدري سيكون من شأنه تسريع نهاية الحكومة المقبلة في حال تمكن من تشكيلها ولذلك يدفع باتجاه حسم منصب رئيس الجمهورية ومن بعده سيحاول تقديم مرشح مقبول من الجميع.
هروب إلى الأمام
على الرغم من وضع قوى الإطار التنسيقي خيار عرقلة الصدر لتشكيل حكومتها التوافقية إلا أنها تحاول المضي قدماً في تشكيل الحكومة من خلال الضغط على القوى الكردية لحسم تسمية مرشح رئيس الجمهورية أو الاضطرار للموافقة على تصويت الإطار على إبقاء برهم صالح مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني في منصبه من دون انتظار موافقة الحزب الديمقراطي الكردستاني وهو ما يمثل هروباً للأمام لمعرفة أن الصدر لن يسمح بتشكيل الحكومة دون اعتراض أو محاولة عرقلة لها.
ويقول المتحدث باسم حركة عصائب أهل الحق محمود الربيعي في تغريدة له، إن "عطلة الفصل التشريعي لمجلس النواب تنتهي بعد عيد الأضحى المبارك وسيتم انتخاب رئيس الجمهورية ونأمل أن يصل الساسة الكرد إلى اتفاق على مرشح واحد، وإن لم يتفقوا فسيذهب الإطار التنسيقي للتصويت لمرشح الاتحاد الوطني تثميناً لموقفه الداعم والثابت خلال الفترة الماضية".
برهم صالح الأقرب.. ولكن
قد يبدو برهم صالح هو الأقرب للبقاء في منصب رئيس الجمهورية في ظل المعطيات الراهنة، غير أن الحزب الديمقراطي الكردستاني لن يسمح بطبيعة الحال بتمريره من دون أن يكون له رأي في الموضوع.
ويقول النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي في حديث لـ "جسور": إن "التصريحات الإعلامية بشأن التصويت لرئيس الجمهورية تختلف عن الواقع، والدليل ما حدث في عام 2018 عندما تعهد تحالف البناء بالتصويت لفؤاد حسين، لكنه صوّت لبرهم صالح مرشح الاتحاد الوطني".
وأضاف شنكالي: إن "الإطار التنسيقي لم يحسم لغاية الان مسألة التصويت لأي مرشح كردي لنيل منصب الرئاسة، الغبار سيتجلى عقب عيد الأضحى المبارك".
وأشار النائب إلى أن "الحوارات بين الحزبين الكرديين مستمرة، فضلاً عن مواصلة المباحثات مع الكتل السياسية في بغداد حول مرشح الرئاسة" متوّقعاً أن تتغير المسارات خلال الأيام القليلة المقبلة، فالعراق "بلد اتفاقات اللحظات الأخيرة".
مصلحة كردية مشتركة
في المقابل، يرجح البعض أن يوافق الحزب الديمقراطي الكردستاني على التجديد لبرهم صالح مقابل تحقيقه لمصلحة كردية مشتركة كأن تكون مناصب ذات ثقل للأكراد في الحكومة المركزية أو تغييرات في الاتفاقات والقوانين الخاصة بمصالح الإقليم الكردي.
ويقول الباحث في الشؤون السياسية عمر الشريفي: إن "هناك أولوية لدى الأحزاب الكردية والمتمثلة بالاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي وحتى الحزب المعارض الجيل الجديد، وهي إيلاء مصلحة الإقليم".
وفي حديث لـ "جسور" أشار الشريفي إلى أن "ترشيح زعيم الحزب الديمقراطي مسعود بارزاني، لشخصية من حزبه لمنصب رئيس الجمهورية يأتي ضمن مساعيه للتخلص من الرئيس الحالي برهم صالح".
وأضاف الشريفي: إن "المعطيات الحالية تشير إلى إمكانية دخول الأحزاب الكردية بمرشح وحيد لمنصب الرئاسة خلال جلسة الانتخاب في مجلس النواب وقد يتفق الحزبان الكرديان على تجديد الولاية لبرهم صالح، لكن سيكون الإعلان عن الاتفاق متأخراً".
من جانبه، يقول المحلل السياسي صباح العكيلي، في حديث لـ "جسور"، إن "الاطار التنسيقي شكل لجاناً للتفاوض مع جميع الأطراف السياسية خصوصاً الكردية للاتفاق حول حسم هذا الملف بعد عطلة العيد".
وأضاف العكيلي إن "الإطار التنسيقي أمهل الحزبيين الكرديين لنهاية عطلة العيد لتقديم مرشح واحد، للتصويت عليه في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، لكن القيادات في الإطار تدعم مرشح الاتحاد الكردستاني وهو برهم صالح".
وأوضح أن "هناك توجهاً من الكتل الكبيرة في مجلس النواب (الإطار التنسيقي)، لحسم ملف رئاسة الجمهورية بشكل مباشر بعد العيد، وبعدها التوجه صوب تمرير الحكومة الجديدة خلال فترة قصيرة بعد الانتهاء من انتخاب الرئيس".