بعد مرور أكثر من أسبوعين على تبني الحرس الثوري الإيراني لهجوم استهدف مدينة اربيل في كردستان العراق، تضاربت الآراء والتفسيرات حول الهدف الحقيقي منه. فبعض التحليلات وضعته في إطار الضغط على إقليم كردستان، وبعضها الآخر اعتبره رسالة تهديد موجهة إلى زعيم الكتلة الصدرية السيد مقتدى الصدر لقطع الطريق عليه في ملف تشكيل الحكومة ومنعه من التفرد بقرار الشارع الشيعي، أما رأي البعض الآخر فجاء مختلفاً وصادماً إلى حد ما.
ولكن مهما تعددت الأسباب، يتفق الجميع على أن الرسالة الإيرانية العسكرية أزعجت الداخل العراقي بمختلف مكوناته.
وفي حين دافع المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني عن القصف الصاروخي على اربيل كبرى مدن كردستان العراق مؤكداً حق بلاده في ضرب المقرات الإسرائيلية التي تستهدف أمنها، نفى الإقليم أي وجود إسرائيلي على أراضيه وطالب بفتح تحقيق شامل بشأن القصف الإيراني.
الانفصال
رجح المحلل السياسي العراقي الدكتور داود الحلفي لـ"جسور" أن تكون أسباب الاستهداف الحقيقية "إصرار إربيل وخصوصاً الحزب الديمقراطي الكردستاني على الانفصال والخروج من إطار الوحدة العراقية والدولة العراقية لتكون دولة كردية في المستقبل" لافتاً إلى أن سياستها الحالية مبنية في هذا الاتجاه، وتريد قدر الامكان البقاء على حياد، بالتالي رسالة إيران جاءت "تأديبية" على حد قول الحلفي بسبب المفاوضات التي لم تستجب لها كردستان العراق وخصوصاً إربيل، وتابع قائلاً " الضغط يدخل ضمن إطار التنسيق العالي بين إيران وتركيا المجاورة إضافة إلى سوريا لأن القومية الكردية منتشرة في هذه البلدان وأي تحرير لها في أي بلد يؤدي إلى انتفاضة في الدول الأخرى".
لكنه أدان الاستهداف ورأى أنه "يخرج عن التوقعات والقوانين الدولية وحتى الأعراف المحلية وتبادل حسن الجوار مشيرا إلى أن إيران في حال كانت منزعجة ومهددة "كان يجدر بها أن تلجأ إلى مجلس الأمن بدل الاعتداء على إربيل" مؤكداً أن ادعاءاتها بوجود مجموعات ترسل أشخاصاً للتجسس والقيام بأمور معادية ضدها، ليس إلا أعذاراً واهية غير قابلة للتصديق وللمناقشة".
وأوضح الحلفي أن معظم دول الجوار لديها أهداف وقواعد إسرائيلية، بالتالي كان من المفترض أن ترد عليها إيران جميعها ولكانت العلاقات الدولية تحوّلت إلى شبه غابة.
الداخل يضغط
من جهته، لم يجد المحلل السياسي محمد علي الحكيم في حديث إلى "جسور" أن الاستهداف رسالة للسيد الصدر "بقدر ما هو رسالة للصهاينة ولبارزاني وأيضاً للأميركيين" لكنه أكد أن القصف أحرج حلفاء إيران في العراق، كما عكر مفاوضات تشكيل الحكومة لبعض الوقت، ولم يستغرب حصول ضربات أخرى لما تبقى من أهداف إسرائيلية في إربيل.
ولفت الحكيم إلى أن الإطار التنسيقي لن يسمح للصدر بالتحكم في القرار الشيعي "كون الأمر يهدد بسحق المعارضة المتمثلة به في المستقبل، أما التدخل الأجنبي في تشكيل الحكومة الأخيرة، فاستبعده الحكيم، كونه أصبح ضعيفاً بعد تظاهرات تشرين عام 2019.
غير أنه اعرب عن تفاؤله بحدوث انفراجات في الجلسة الاخيرة من جلسات انتخاب الرئيس والمتوقع عقدها في الرابع من أبريل/نيسان المقبل.
معلومة سرية
معلومة سرية حصل عليها المحلل السياسي الدكتور الناصر دريد وكشفها لـ"جسور" حيث أشار إلى أن لها علاقة بالغاز وبالحرب الدائرة بين أوكرانيا وروسيا معيداً التذكير بالمقاطعة الاقتصادية الايرانية والتركية لإقليم كردستان إثر الاستفتاء على حق تقرير المصير الذي أجراه قبل عدة سنوات معلنا فيه رغبته بالانفصال، إذ قاطعت حينها تركيا نفط الإقليم الذي يصل إليها عبر خط أنابيب أنشأته شركة روسية.
وبعد انتهاء ضجة الاستفتاء وعودة الأمور إلى مجاريها مع تركيا لم يعد هذا الخط إلى العمل بسبب خلافات داخلية هذه المرة في الإقليم بين حزب الاتحاد الوطني الذي يسيطر على مناطق تدفق الغاز وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني عراب الاتفاقية مع تركيا.
أما حالياً وبعد الحرب الروسية - الأوكرانية والمقاطعة الغربية الحادة للنفط والغاز الروسيين بدأت اميركا تحاول البحث عن كل البدائل الممكنة لسد النقص في سوق الطاقة الدولية، ومنها الاستيلاء على خط الأنابيب التابع لإقليم كردستان الذي كان من المتوقع أن يسد حاجة تركيا في النفط والغاز بعد الضغط عليها لمقاطعة الغاز الروسي، وهي من أهم مستورديه.
لكن المشكلة أن هذا الخط أنشأته شركة روسية الأمر الذي أغضب موسكو لكنها كانت عاجزة عن التأثير على مجريات الأمور.
وهنا برز دور إيران التي كانت تعاني علاقاتها بروسيا من بعض الجفاء منذ زيارة رئيسها الأخيرة إلى موسكو وأرادت استغلال هذه الفرصة وقررت توجيه رسالة إلى الإقليم لإيقاف هذا المشروع في مهده وتسجيل نقطة لصالح روسيا في هذه القضية.
وقدم دريد دليلاً على كلامه إذ قال "الصواريخ الإيرانية سقطت على منزل رئيس الشركة المحلية المنفذة للمشروع".