بعد وساطة أميركية استمرت عامين، توصّل لبنان وإسرائيل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية بينهما من شأنه أن يتيح للدولتين التنقيب عن الغاز والنفط في المنطقة المتنازع عليها في المياه الإقليمية.
لكن هل تكفي كلمة رئيس الجمهورية اللبنانية لإبرام معاهدة "الترسيم"؟
يؤكد المحامي اللبناني والخبير الدستوري سعيد مالك، في حديث لـ"جسور"، أن "الثابت في هذه الوثيقة، بغض النظر عن الوصف المعطى لها من قبل السلطة السياسية، تضمنها إلتزامات وتعهدات متبادلة بين فريقين، ولو كان يجمع بينهما العداء".
كما أشار مالك إلى أن "السلطة لم تطبّع مع العدو الإسرائيلي، لأنها اختارت صيغة مختلفة تعتمد على تكليف الأفرقاء من أجل توقيع الوثيقة في الناقورة ومحاضر متبادلة مع الأمم المتحدة، لكن بالطبع، في حال تم توقيعها، لن يكون لها الأثر القانوني نفسه الموجود في الإتفاقات والمعاهدات".
وعن مرحلة ما بعد التوقيع، كشف مالك عن أنه "يجب إبلاغ الأمم المتحدة من أجل إعتماد الخط المتفق عليه كحدود بحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي، لكن الخوف اليوم هو من فوز رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة، وبالتالي من رفض الإتفاقية، إلا أن الرهان يبقى على الأمم المتحدة وعلى الراعي الأميركي لها".
وقال: "إقرار هذه الوثيقة اليوم، يقتضي موافقة مجلس الوزراء عليها من جهة، ومناقشتها وإبرامها من قبل مجلس النواب من جهة أخرى".
لكن من جهته، لفت رئيس مجلس النّواب نبيه بري، في تصريح صحفي، إلى أنّ النّص الأميركي المقترَح بشأن الترسيم "لا يستلزم نقاشًا في المجلس النّيابي، لأنّه ليس اتّفاقًا مع إسرائيل".
تسارع التطورات
والمفاوضات غير المباشرة التي بدأت في العام 2020، تعثرت مرات عدة، قبل أن تتسارع التطوّرات المرتبطة بالملفّ منذ مطلع يونيو/ حزيران. وبعد لقاءات واتصالات مكوكية بين الطرفين، قدم الوسيط الأميركي آموس هوكستين مطلع الأسبوع عرضه الأخير للجانبين اللذين أعلنا تباعاً موافقتهما عليه.
ووفق الاتفاق، يجدر بالطرفين أن يلتزما بأن "الاتفاق يُرسي حلاً دائماً ومنصفاً للنزاع البحري القائم بينهما".
وسيدخل الاتفاق حيز التنفيذ عندما ترسل الولايات المتحدة "إشعاراً يتضمن تأكيداً على موافقة كل من الطرفين على الأحكام المنصوص عليها".
وينبغي على كل طرف أن يقدم رسالة تتضمن قائمة بالإحداثيات الجغرافية المتعلقة بترسيم الخط البحري الى الأمم المتحدة، لتحل مكان تلك التي أرسلتها الدولتان في العام 2011. كذلك، لا يحق لأي منهما مستقبلاً إرسال أي مذكرة، غير متفق عليها من الجهتين، تتضمن خرائط أو إحداثيات تتعارض مع الاتفاق.
بموجب الاتفاق الجديد، يصبح حقل كاريش بالكامل في الجانب الإسرائيلي، فيما يضمن الاتفاق للبنان كامل حقل قانا الذي يتجاوز خط الترسيم الفاصل بين الطرفين.
وستشكل الرقعة رقم 9 حيث يقع حقل قانا منطقة رئيسية للتنقيب من قبل شركتي توتال الفرنسية وإيني الإيطالية اللتين حصلتا في العام 2018 مع شركة روسية على عقود للتنقيب عن النفط والغاز، قبل أن تنسحب الأخيرة خلال العام الحالي.
وبما أن جزءا من حقل قانا يقع خارج المياه الإقليمية اللبنانية، ستحصل إسرائيل على "تعويض من مشغل البلوك 9"، في إشارة إلى شركتي توتال وإيني، "لقاء الحقوق العائدة لها من أي مخزونات محتملة في المكمن المحتمل".
ويعارض البعض في إسرائيل الاتفاق، بينهم منتدى "كوهوليت" للسياسات الذي قدم شكوى أمام القضاء مطالباً بإجراء استفتاء عليه.
سيناريو متوقع
وقدّر مسح زلزالي أجرته شركة "سبكتروم" البريطانية لمنطقة بحرية محدودة في العام 2012 احتياطات الغاز القابلة للاستخراج في لبنان بـ25,4 تريليون قدم مكعب.
وأعلنت السلطات اللبنانية بدورها عن تقديرات أعلى، لكن ليس هناك حتى الآن أي دليل على وجود موارد في حقل قانا.
ويُعد الاتفاق بمثابة ضوء أخضر لشركتي توتال وايني لبدء الاستكشاف.
وبحسب المبادرة اللبنانية للنفط والغاز غير الحكومية، فإن "السيناريو المتوقع في أفضل الحالات" هو اكتشاف كمية من 16 تريليون قدم مكعب.
وأوضحت عضو الفريق الاستشاري في المبادرة ديانا قيسي أن أرباح لبنان في هذه الحال "قد تصل إلى ستة مليارات دولار موزعة على 15 عاماً".
ورغم أن لبنان يعوّل على الأرباح التي قد يحققها، إلا أنّها لا تغطي إلا جزءاً بسيطاً من الديون المتراكمة عليه.