بعد مرور أسبوع على واحدة من أشدّ العواصف الترابية التي شهدها العراق ووصل مداها إلى دول الخليج العربي وإيران، شلّت عواصف ترابية جديدة الحياة في البلد الذي يعاني ندرة في الأمطار إضافة إلى التصحر والجفاف الشديد، ما أدّى إلى إغلاق جميع المطارات الدولية والمحلية فيه، وتعطيل الدراسة، وذلك بعد وصول مدى الرؤية إلى 400 متر.
وبحسب الناطق باسم وزارة النقل العراقية حسين جليل، فإن البلاد تأثرت منذ مساء الأحد بمرتفع جوي من شرق البحر المتوسط ترافقه كتلة هوائية باردة، حيث تكون درجة الحرارة لهذه الكتلة أقل من درجة الحرارة السائدة في الأيام الماضية، وهي عندما تتقدم، تتسبب بتصاعد الغبار من الأقسام الشمالية الغربية والأقسام الغربية باتجاه المنطقتين الوسطى والجنوبية.
عاصفة إقليمية
يضيف جليل إن العاصفة ستضرب محافظات البلاد الشمالية والجنوبية التي ستكون تحت تأثير الغبار العالق حتى مساء الثلاثاء. وأوضح أن "هذه العاصفة الترابية تعتبر إقليمية كونها تؤثّر على الأردن وسوريا والعراق والكويت والسعودية والإمارات والبحرين وربما حتى سلطنة عمان".
ولفت إلى أن "الضرر سيكون كبيرًا على المملكة العربية السعودية كون الرياح سوف تكون نشطة قد تصل ما بين 70 -80 كيلو مترًا في الساعة، في حين أنه في العراق لن تتجاوز بين 40 - 50 كيلومتر في الساعة وفي الهبات الشديدة تصل الى 50 كيلو مترًا في الساعة".
وحذّر المواطنين من الخروج من منازلهم على مدى 48 ساعة تلافيًا لضرر الاختناق، خصوصًا بالنسبة للمصابين بمرض "الربو" الذي يعانون صعوبة بالتنفس".
ظاهرة طبيعية
من جهته، يفسّر رئيس جمعية غرين غلوب والمراقب البيئي عن الأمم المتحدة، سمير سكاف، أن "ما يشهده الخليج الآن من عواصف رملية وغبار ليس بجديد وهو أمر طبيعي، كما أنه لم يتكوّن بفعل ظاهرة تغيّر المناخ، ولم يحدث بسبب خلل في التحركات المناخية، إلا إن كان قد تغير إيقاع الحركة ومعدّلات سرعة الرياح أو ارتفاع الحرارة أو طول مدتها، لكن ما هو غير طبيعي في هذه السنة هو عدد العواصف التي اجتاحت العراق، والتي أصبحت ثمانية حتى الآن".
وكشف أن "معدّلات التلوث في الهواء في دول الخليج، لا تخضع للمعايير نفسها، لأن العنصر الطبيعي يتداخل مع العنصر البشري، في حين أن ظاهرة تغيّر المناخ تعود بشكل كلي أو شبه كلي لدور البشر وممارساتهم في استعمال الطاقة الأحفورية وإنتاج الطاقة والصناعة وحركات النقل بمختلف أنواعها وحريق الغابات وقطع الأشجار والنفايات والمياه المبتذلة والحياة المدنية، ولهذا فإن البحرين والعراق تظهران بشكل دائم بين الدول العشرة الأوائل صاحبة أعلى نسبة من تلوث الهواء في العالم"، مضيفًا "ها هي العواصف العراقية تثبت هذا الواقع".
آثار سلبيّة
وقال سكاف: "عرف العالم العربي، والخليجي والشرق إفريقي تحديدًا عبر التاريخ موجات كثيرة من العواصف الرملية والترابية، وإسمها يختلف بحسب البلدان، الطوز، الرياح الخمسينية، العجاج".
وتابع، "تترك العواصف الرمليّة آثارًا سلبية على الصحة والبيئة والاقتصاد، فهذه العواصف تحمل جزئيات صغيرة خطيرة من المعادن الثقيلة والكبريت والمركبات الكيمائية السامة كالمبيدات، ما يؤدي الى عوارض صحية عدة كضيق في التنفس وتأثر الجهاز التنفسي والرئتين بالإضافة إلى إمكانية حدوث التهاب جلدي أو في العيون".
وبيئيًا، بحسب سكاف، "تتسبب العواصف الرملية بتلوث كبير للهواء، وتلحق الضرر بالنباتات الطبيعية مما يسبب بجفافها، كما تؤدي إلى تلف المحاصيل الزراعية أو تأخير نموها. وتلحق العواصف الرملية أضرارًا بالحياة البحرية، وفي المسطحات المائية، وتترك تأثيرًا على عوامل الطقس، انطلاقًا من الأمطار الطينية وصولاً الى سرعة الرياح والى حجبها للأشعة فوق البنفسجية عن المياه البحرية والى مساهمتها بامتصاص الحرارة من الغلاف الجوي فيما يشبه ظاهرة الاحتباس الحراري، بالإضافة الى تأثيرها على هطول الامطار العادية".
اقتصاديًا، يقول المراقب البيئي، "العواصف الرملية تؤثر على الملاحة الجوية وحركة النقل البري، وعلى ماكينات الصناعات "المكشوفة" وأنابيب النفط ومنشآت الطاقة الشمسية وأحواض السباحة والأبنية عامة، وتؤدي إلى حصول طبقات غبار كثيفة يتطلب إزالتها".
سبل الوقاية
أما عن سبل الوقاية في مواجهة العواصف الرملية، يقول سكاف إن "هذه العواصف هي ظواهر طبيعية لا يمكن منع حدوثها حتى الآن، لذلك فإن المطلوب هو التكيف معها بوقف حركة الملاحة الجوية تماماً وحركة النقل البري بالحد الأدنى وعدم الخروج من المنازل إلا بحالة الضرورة القصوى، مع إقفال كلي للنوافذ. ولمن يضطر أن يخرج، عليه تغطية فمه وأنفه بقناع للوجه لمنع وصول جزئيات الغبار إلى الجهاز التنفسي."
وتابع: "ويمكن أيضًا إنشاء مصدات للرياح من أشجار السرو والكازورينا والغاف وغيرها، لحماية المزروعات والأشجار المثمرة في المناطق الجافة ولتثبيت الكثبان الرملية."
ارتفاعات عالية
ويطلق على ظاهرة صعود كمية كبيرة من الغبار في منطقة جغرافية محددة بفعل التأثير الكبير لقوة الرياح، عادةً بعد العواصف الرعدية، إسم "العاصفة الرملية" أو "العاصفة الترابية"، ومن الممكن أن يصل ارتفاعها لارتفاعاتٍ عالية بحسب قوة الرياح.
وينتشر هذا النوع من العواصف في أماكن عديدة من العالم أشهرها شمال القارة الإفريقية ودول الشرق الأوسط ومنطقة الجنوب الغربي للولايات المتحدة الأميركية.
ويصل الغبار بعد ارتفاعه إلى طبقات الغلاف الجوي. وتحدث العواصف الرملية في المناطق الجافة، إذ تقوم الرياح بسحب كميّات كبيرة من التراب خلال مرورها خاصةً في الأراضي المنبسطة التي لا تحتوي على غطاء نباتي.