ما قبل استقالة وزير الاعلام اللبناني جورج قرداحي كما بعدها، وما قبل الوساطة الفرنسيّة كما بعدها. لم يحرّك ساكن على خطّ الأزمة الديبلوماسيّة بين لبنان والخليج عمومًا وبين بيروت والرياض خصوصًا.
طمأن الفرنسيّون القادة اللّبنانيّين الى أنّ استقالة قرداحي قد تكون مخرجًا يُعيد العلاقات مع الخليج إلى طبيعتها ولكن هذا الامر لم يحصل بل استمرت الاجراءات تجاه لبنان.
وفي خضمّ الأزمة الديبلوماسيّة، أمرٌ لافت برز خلال زيارة ماكرون إلى السعوديّة وتكرّر مع زيارة الموفد الفرنسي بيار دوكان إلى بيروت.
تجاهل الرئيس اللّبناني
حين قرّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لعب دور الوسيط بين لبنان والسعودية، تواصل مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي هاتفيًّا ليطلب منه أن يمون على وزير الإعلام جورج قرداحي لتقديم استقالته. وحين التقى ماكرون وليّ العهد السعوديّ محمد بن سلمان، أجرى بن سلمان اتّصالًا هاتفيًّا بميقاتي أيضًا.
لا ماكرون ولا بن سلمان حاولا الاتّصال بالرئيس اللّبناني ميشال عون، بل حصلت الوساطة من دون أن يكون لعون دورٌ فيها. هذا علمًا أنّ المبادرة الفرنسية لم تكن حدثًا عاديًّا بل أتت على خلفيّة أزمة ديبلوماسيّة لم يسبق للبنان أن واجهها مع دولة عربيّة.
الأمرُ نفسه تجلّى مع زيارة الموفد الفرنسي ومنسّق المساعدات الدوليّة من أجل لبنان السفير بيار دوكان إلى بيروت، حيث التقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. ومن المقرَّر بحسب جدول الزيارة أن يجول على عدد من الوزراء من بينهم وزير الاقتصاد أمين سلام. لكن اللّافت أن الموفد الفرنسي لن يزور رئيس الجمهوريّة ميشال عون، علمًا أنّ زيارته ليست خاطفة ويملك الوقت الكافي لو أراد ذلك.
والسؤال هنا: هل ما حصل في السعوديّة خلال زيارة ماكرون وفي لبنان مع زيارة دوكان، صدفة أم له دلالات أخرى تصل حدّ تعمّد تجاهل رئيس الجمهوريّة اللبنانية؟
صدفة أم رسالة؟
من يتابع أصول الزيارات الرّسميّة، يُدرك أنّ ما حصل من الصعب أن يكون صدفة خصوصًا وأنّ دوكان لم يتناول في حديثه رئيس الجمهوريّة ولو لمرّة واحدة. وإن كان تجاهل رئاسة الجمهورية متعمّدًا، فما الرسالة المنوي إيصالُها إلى الرئيس عون؟
الصحافي وجدي العريضي يقول في حديث إلى "جسور" إنّ تجاهل الرّئيس عون على مشارف نهاية ولايته ليس أمرًا جديدًا بل سبق وحصل خلال ولاية الرئيس اللّبناني إميل لحود وها هو اليوم يتكرّر مع عون.
وكشف العريضي بحسب معلوماته عن قطيعة من دول عربيّة وغربيّة عدة ستلاحق عون حتّى نهاية عهده من منطلق أنّه حليف لحزب الله وعرّاب تفاهم مار مخايل الّذي ساهم في تعزيز قوّة حزب الله في الدّاخل اللّبناني.
أمّا الدول غير المناهضة لنهج حزب الله في المنطقة، فستبقى وحدها على تواصل مع عون وأبرزها سوريا.
وينقل العريضي عن مصادره تأكيدها أنّ سفيرة فرنسا لدى لبنان آن غريّو وخلال لقائها الأخير مع عون، أبلغته بأنّ ماكرون سيتّصل به هاتفيًّا.
هاتف قصر بعبدا لم يرن بعد، ويبدو أنّ الاتّصال وخطوة دوكان من عون خير دليل على ذلك إذ عكست زيارتُه موقفًا واضحًا من أداء عون ولو بطريقة غير مباشرة.
موقف فرنسا
مصادر فرنسيّة تقول لـ"جسور" إنّ فرنسا لا تريد الدخول في صدامات في الداخل اللّبنانيّ إنطلاقا من حرصها على لعب دور الوسيط كصديقة لبنان شرط ألّا تصبح طرفًا في التوتّر الديبلوماسيّ الحاصل.
وتضيف المصادر إنّ باريس حاولت منذ انفجار مرفأ بيروت الوقوف إلى جانب الشعب اللّبناني والضغط على القادة اللّبنانيّين من خلال زيارات متتالية للرّئيس الفرنسي لتأليف حكومة اختصاصيّين ومستقلّين، ولكن الخلافات السياسيّة أدّت إلى فراغ حكوميّ رغم الأزمتين الاقتصاديّة والمعيشيّة الخانقتين.
وتتابع المصادر أنّ باريس غير حاهزة للتّواصل مع أيّ مسؤول لبنانيّ إلّا إن حتم عليها الظرف ذلك. وهذا ما فعلته حين رأت أنّ استقالة قرداحي قد تشكّل ضمانة يحملها ماكرون إلى السعوديّة لإظهار نيّة البحث عن حلّ للأزمة الديبلوماسيّة، لكنّ لا يمكنها أن تحل مكان الدولة اللبنانيّة إن لم يكن لبنان نفسه مستعدًّا لإبداء موقف رسميّ جديّ وحازم يُبدّد التشنّج الحاصل.
وفي ظلّ الأزمات المتتالية، باتت الحكومة اللبنانيّة العاجزة على الانعقاد أشبه بحكومة تصريف الأعمال بدل أن تكون "حكومة إنقاذ" وذلك منذ أكثر من شهر أي منذ أن عطّل الثنائي الشيعي جلسات الحكومة للضغط باتّجاه كف يد المحقق العدلي في قضيّة انفجار بيروت القاضي طارق البيطار رفضًا لمسار تحقبقاته واستدعاءاته الّتي طالت وزراء تابعين للثنائي الشيعي.
أمّا قصر بعبدا فيبدو أنّه بات منبوذًا من الخليج وفرنسا، حتّى إشعار آخر.