تشكل قضية قتل النساء تحت مسمى "غسل العار" في إقليم كردستان العراق ظاهرة متفشية منذ سنوات، إذ تعتبر العادات القبلية والتقاليد والاعراف الإجتماعية واحدة من أكثر التحديات التي تواجه المرأة، حيث تزايدت بشكل كبير خلال العام الأخير جرائم قتل النساء والعنف الأسري.
وبلغة الأرقام، قتلت 11 امرأة في الإقليم في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين، غالبيتهُن بطلق ناري، وفي العام 2021، بلغ عددُ الضحايا 45 في عموم الإقليم، أما في العام 2020، فقتلت 25 امرأة.
وعن هذا الشأن، تحدث الباحث والأكاديمي، عبد المنعم الشويلي، لـ"جسور"، لافتا إلى أنّ جرائم الشرف ليست محصورة بإقليم كردستان فقط بل في كل أرجاء العالم خصوصا في منطقة الشرق الأوسط، وهي تنمّ عن عادات وأعراف توارثها الناس من جيل إلى آخر، كاشفا عن مجموعة حلول لمعالجتها، منها التثقيف والتوعية والتعليم.
القانون والمرأة
وعند مراجعة نص المادة 409 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل سنجد أن ذلك القانون يشرع لتمييز كبير ضد المرأة بأن يعطي عذرا قانونيا لعقاب مخفف لمن يقتل زوجته بمجرد انها ارتكبت فعلا مخلا بالاعراف والتقاليد في ظرف قد يكون أن الجاني قد استغل طيش أو حالة ضعف أو قصر في عمر وتجربة المرأة أو الفتاة حيث حدد التشريع عقوبة قد تصل لثلاث سنوات من الحبس فيما لو كانت المرأة فعلا قد ارتكبت الفعل المخل بالحياء كما شرح مستشار المركز العربي الإفريقي للشؤون الامنية والسياسية، المحامي مخلد حازم.
ويؤكد حازم لـ"جسور": أصبحت العديد من جرائم القتل الموجهة للنساء ينتهي بها بالغلق أو بعدم الاخبار عنها من قبل الاهل أو بفبركة الشهادات والأقوال قضائيا مع اخفاء الأدلة أو تزييفها بغية تضليل القضاء لاسيما وأن الشهود الوحيدين هم الاهل أو الأقارب الذين سيتكتمون على الحقيقة، كما أن الأعراف الاجتماعية تمنع من غير الأقارب البوح عن واقعة القتل خشية من الاستهداف العشائري.
وينص القانون العراقي على العقوبة بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من فاجأ زوجته أو إحدى محارمه في حالة تلبس بالزنا، أو وجدها في فراش واحد مع شريكها فقتلها في الحال، أو قتل أحدهما أو اعتدى عليهما أو على أحدهما اعتداء أفضى إلى الموت أو عاهة مستديمة، ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر ولا تطبق عليه أحكام الظروف المشددة.
افلات من العقاب
وفي حزيران/يونيو 2011، أقرّ برلمان إقليم كردستان قانوناً يجرّم ختان النساء والعنف الأسري، تضمن عقوبات تصل إلى حدّ السجن المؤبد لمرتكبي جرائم الشرف، ورحبت الأمم المتحدة بالقانون حينها معتبرةً أنه تقدّم ملحوظ بعد سنوات من المطالبات، لكن تطبيق هذا القانون يعرقله مناخ من الإفلات من العقاب والخشية من الأقاويل بحسب الباحثة الاجتماعية، سمر الفيلي، التي أكدت في حديث لـ"جسور"، أنّ نسبة جرائم الشرف ازدادت في جميع الدول العربية خصوصا في إقليم كردستان العراق نظرا لغياب الرادع القانوني للقتلة الذين يرتكبون هذه الجرائم من دون وجه حق.
وكشفت الفيلي، عن وجود مدافن خاصة لدفن ضحايا جرائم الشرف من دون إجراء أي تحقيق في الجريمة، رافعة الصوت عبر "جسور"، لوضع قوانين للحد من هذه الأفعال الشنيعة ومحاسبة القتلة.
اكتئاب ثم انتحار
ومطلع شباط/فبراير من العام الحالي، أعلنت شرطة دهوك الواقعة في شمال الإقليم، العثور على جثة دوسكي ازاد، وهي متحولة جنسياً تبلغ من العمر 23 عاماً، كانت تعمل في مجال التجميل وتعيش بعيداً من عائلتها.
وأصدرت مذكرة توقيف بحقّ القاتل وهو شقيق الضحية، كان يعيش منذ سنوات في أوروبا، وغادر العراق قبل توقيفه، بحسب السلطات.
ونددت بعثة الأمم المتحدة بهذه الجريمة التي أثارت أيضاً تنديد قنصليات دول غربية مثل الولايات المتحدة وفرنسا.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، فإنّ العنف ضد النساء لا يقتصر على إقليم كردستان فقط، بل إن هذه الحالات موجودة في العراق عموماً، وبين عامي 2020 و2021، ارتفعت نسبة حوادث العنف القائم على النوع الاجتماعي بنسبة 125%، متخطيةً 22 ألف حالة، وتشير المنظمة إلى أن هذه الحالات ترتبط بزيادة حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي في العنف الأسري، لكن أيضاً مع زيادة مقلقة في الاكتئاب والانتحار بين النساء والفتيات، ولا سيما بين الفئات الضعيفة مثل النازحين واللاجئين.