فيما الأنظار تتجه في لبنان نحو مجلس النواب الجديد الذي يفترض أن ينتخب رئيسه، لم يمر تصريح النائب جميل السيّد بعد اجتماعه مع الرئيس اللبناني ميشال عون مرور الكرام، بعدما قال ان حكومة تصريف الاعمال لا يمكنها ان ترث صلاحيات رئيس الجمهورية في حال الفراغ الرئاسي، فسارع قصر بعبدا الى لملمة تداعيات حديث السيد وقالت أوساط القصر: "ليترك النائب جميل السيد اجتهاداته الدستورية لنفسه لأن رئيس الجمهورية يتقيّد بالدستور الذي أقسم عليه".
رسالة السيّد يمكن فهمها بحسب مصادر "جسور" من ناحيتين إما فتح المقايضة او هي تمهيد لتمديد ولاية رئيس الجمهورية اذا لم تتشكل حكومة مع نهاية العهد، وفي هذا الإطار، رأى الصحافي والناشط السياسي، سمير سكاف، في اتصال مع "جسور"، أنّ القوى السياسية لا زالت تعمل وفق الطريقة القديمة بمخيمين موجودين منذ سنوات خلت بين مجموعة مؤيدة لـ "حزب الله"، ومجموعة معارضة له، مضيفا أنه في البرلمان الجديد لا توجد أكثرية موصوفة لأي من الأطراف، بل هناك مجموعة جديدة تمثل رأي الناس عبر نواب تغييريين من هنا أسلوب التعاطي في المرحلة المقبلة سيقوم على أساليب مختلفة.
وسبق حديث السيّد موقف لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل تحدث فيه عن وجود نية لعدم تشكيل حكومة وتجاوز الدستور باعتبار الحكومة الحالية حكومة تصريف اعمال كاملة الصلاحيات، منبّهاً الى ان ذلك من شأنه ان يسقط الطائف. فمن المقصود ومن له مصلحة في عدم تشكيل حكومة جديدة؟ المؤكد ان ثمة قطبة مخفية في مكان ما تثير التساؤلات حول ما يجري طبخه خلف الكواليس ويتعلق بالحكومة ورئاسة الجمهورية المقبلة.
الحكومات الائتلافية
يبيّن سكاف أنّ رأي السيّد إما يعكس موقف التيار الوطني الحر أو يعكس رأي الثنائي الشيعي وبالتالي فإنّ عدم توفر الأكثرية الواضحة لأي فريق تفرض منطقا جديدا على الحكومات وهو الائتلافات وليس هناك أي كتلة نيابية معتادة على تشكيل حكومة ائتلاف أكثري، مما سيجعل تشكيل الحكومة في ظروف عادية صعبة جداً، فلبنان دخل في مرحلة الحكومات الائتلافية، وستضطر كل الكتل بحسب سكاف الى الدخول في مساومات التشكيل أو البقاء في المعارضات وهو ما يعرّض هذه الحكومات الى السقوط السريع في غياب إمكانية حل المجلس النيابي.
ويقول سكاف، إنّ تركيبة المجلس النيابي الجديد لا تشبه أي تركيبة سابقة. فللمرة الأولى هناك مجموعة نيابية وازنة "ما بيمون عليها" لا من قريب ولا من بعيد أي محور إقليمي، وهي منعت حصول المجموعات التقليدية على أكثريات واضحة، على الرغم من أنها بالتأكيد تريد حصرية السلاح بيد الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية، وإن أي تباين في الآراء بين أعضائها يكون للأولويات، التي يرى البعض أنها للمشاكل الحياتية الضاغطة، فيما يريد البعض الآخر إطلاق ورشة تغيير في العمق. وفي الحقيقة، ليس هناك تناقض بين هذه الأولويات، التي يمكنها أن تعمل بشكل موازٍ.
وتابع سكاف، ان "حزب الله" لم يعتد في السابق سوى على فرض رأيه بالقوة، فالكلام والتهديدات تتحول الى رصاص في الخيارات كافة، ولم تستطع 14 آذار مثلاً تشكيل حكومة أكثرية حين خسر الحزب الانتخابات النيابية مع حلفائه في السابق وهو تحجج بالميثاقية رافضاً قرارات حكومة فؤاد السنيورة حين استقال وزراؤه مع وزراء حركة أمل، وهو أسقط حكومة سعد الحريري خلال زيارته الى البيت الأبيض في واشنطن ولكن حزب الله لا يملك اليوم الأكثرية النيابية.
نفق مظلم!
في المقابل، أشار الصحافي أسعد بشارة، إلى أنّ ما قاله النائب السيّد من قصر بعبدا إنما يعكس وجهة نظر الرئيس عون وإلا لكان صدر نفي أو توضيح رسمي عن رئاسة الجمهورية، فهذا الكلام يعني أنّ هناك محاولة مسبقة لفرض شروط في عملية تشكيل الحكومة والحصول على المكاسب نفسها، كأن الانتخابات لم تُجرَ بعد تحت طائلة التهديد ببقاء الرئيس عون في بعبدا كأمر واقع وبفتوى دستورية يتولاها فريق عون، وطبعا ستكون مخالفة للدستور.
وفيما لفت بشارة في حديث لـ"جسور"، إلى أنّ كلام السيّد يؤكد أن أطراف المنظومة في لبنان على استعداد لتدمير الهيكل على رؤوس اللبنانيين حتى الحجر الأخير، إذا لم يبقوا هم في السلطة، أوضح أن فريق عون يعمل لتعديل اتفاق الطائف وهو غطاء لـ"حزب الله" في هذا المسعى أي أنّ الحزب يختبئ خلف عون للوصول إلى القول أن هذا النظام لم يعد صالحا للعمل وبالتالي علينا التعديل، بحيث يتم إعادة تركيب وتوزيع أحجام الطوائف داخل النظام وهذا أخطر مسعى يمكن أن يتم في ظل وجود السلاح يؤكد بشارة، ففي لبنان هناك غلبة لفريق على آخر وهذه الغلبة لا يمكن إلا أن تترجم على طاولة أي تفاوض لتعديل الدستور.
وأضاف بشارة أنّ الانسداد العراقي هو الابن الشرعي للانسداد اللبناني الذي بدأ منذ العام 2005 وبالتالي لبنان هو السبّاق، قائلا: "لا أستبعد البتة أن تتوقف الأمور عند مطلب "حزب الله" بتشكيل ما يسمّى حكومة "وحدة وطنية" أي إعادة إنتاج المنظومة وهذا سيعطّل تشكيل الحكومة حتى إشعار آخر وبالتالي سيدخل لبنان مرة أخرى في نفق مظلم.
"الأوساخ المزعومة"!
ردود بعبدا ازعجت السيّد فأعاد نشر تصريحه الكامل عبر صفحته على "تويتر" منعا للتحريف، كما كتب، مضيفا في تعليق صحافي لاحق "لماذا تخشى تلك الأوساخ المزعومة من اظهار نفسها؟" اوساط مطلعة قالت "مع ان السيد لم يوضح عمن قصد بـ "الاوساخ"، فمن الواضح وجود خلاف بين اهل البيت الواحد خصوصا وأن السيّد فضح محاولات يجري التكتم عنها حتى الان لإيجاد مخارج قانونية لتمديد ولاية رئيس الجمهورية".
وكان السيّد قال بعد اجتماعه مع الرئيس عون بالأمس: "تطرقت مع فخامة الرئيس الى تشكيل الحكومة في ظل ما يتداول حالياً حول احتمال ان تكون هناك حكومة تصريف اعمال تستمر فيها حكومة الرئيس ميقاتي حتى نهاية العهد، مع ما يواكب هذا الامر من اهتراء للبلد من النواحي كافة.
من وجهة نظري، ان استمرار حكومة تصريف الاعمال حتى الانتخابات الرئاسية هو مؤامرة على الناس قبل ان تكون مؤامرة على فخامة الرئيس والعهد، لان الناس في حاجة الى حكومة تدير امورهم.
وفي هذا المجال، كان لي رأي قد يأخذ به الرئيس او لا، ويقضي بأنه دستورياً، وفي حال حصلت فعلياً مناورة عدم تشكيل الحكومة، فإن فخامة الرئيس عون لا يجوز ان يسلّم صلاحيات الرئاسة الى حكومة تصريف اعمال في نهاية ولايته، لان صلاحيات الرئاسة ليست من المواضيع التي يشملها تصريف الاعمال ولا يمكن، حسب رأيي، لفخامة الرئيس المغادرة وتسليم صلاحياته الى حكومة تصريف اعمال لا تتمتع بصلاحيات دستورية بنفسها ولا يمكن لها بالتالي ان ترث الصلاحيات الدستورية لفخامة الرئيس."
انتهاء ولاية عون
وكان مستشار رئيس الجمهورية، الوزير الاسبق سليم جريصاتي، أعلن أنّ "ميشال عون سيغادر قصر بعبدا منتصف ليل 31 أكتوبر/ تشرين أول المقبل، أي عند انتهاء ولايته الدستورية".
وأكد جريصاتي أنّ "كل كلام آخر يُقال من منبر بعبدا أو من خارجه في غير هذا الإطار، يُسأل عنه صاحبه"، مضيفا أنّ "رئيس الجمهورية يتقيد بأحكام الدستور بعد أن أقسم عليه، وعون خارج أي استهداف يتعلق بالموضوع الدستوري وسيبقى على عهده، وإذا تعذر لأي سبب انتخاب رئيس جديد، تتولى الحكومة إدارة البلاد في المرحلة الانتقالية".
وختم: "إذا تعذر أيضاً في أسوأ الاحتمالات تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات النيابية، تناط الأمور بحكومة تصريف الأعمال، ولو أنها ستكون مقيدة الصلاحيات".