طويت صفحة الانتخابات النيابيّة في لبنان بعدما أنتجت برلمانًا غير متجانس يضم كتلاً لم تنجح أي منها في تشكيل أكثريّة وازنة بإمكانها إيصال مرشّحين، يملكون القدرة على مواجهة الاستحقاقات المقبلة التي تنتظر البلد، أو التصويت على مشاريع قوانين دون الحاجة إلى مد اليد إلى كتل أخرى.
الكتل التغييرية المُنبثقة عن الثورة والمجتمع المدني استطاعت، رغم عدم توحّدها في لوائح مشتركة، إيصال 13 نائبًا يضاف إليهم 15 نائبًا من المستقلّين. الاختبار الأول لهذه الكتل يبدأ غدًا مع انتخاب نائب رئيس لمجلس النواب بعدما حسم أمر إعادة انتخاب نبيه بري مرة جديدة لرئاسة المجلس، لعدم وصول أي مرشّح شيعي على لوائح مناهضة للوائح الثنائي الشيعي.
وتشير الأجواء إلى أن المعركة في ساحة النجمة ستكون محتدمة، ففي حين طرح رسميًا اسم النّائب الياس بو صعب من قبل الثنائي وحليفهما التيار الوطني الحر، لا يزال التوافق على اسم مرشح آخر غير محسوم، علمًا أن الحزب التقدمي الاشتراكي طرح اسم النائب غسان سكاف لتولّي المنصب.
ومن المتوقع أن تلاقيه القوات اللبنانية وبعض الكتل المستقلّة في هذا الطرح، في حين أشارت بعض المعلومات إلى أن دفّة الكتل التغييرية تميل نحو ترشيح النائب سجيع عطية.
وفي وقت لم تصدر أي إشارة للتعاون بين التغييرين والأحزاب التقليدية المعارضة، كان لافتًا ما صدر عن النائب في تكتل القوات اللبنانية جورج عقيص في تغريدته أمس: "منذ صباح اليوم التالي للانتخابات وحتى اليوم، ثبت أن المشهد كالآتي: أقلية متراصّة (حزب الله، أمل، التيار) يقودها الحزب، على الرغم من الضوضاء الذي يحدثه التيار للإيحاء بعكس ذلك، مقابل أكثرية غير متراصّة، وإن كان من المبكر الحديث عن تفككها" ما اعتبره البعض محاولة منه ومن حزبه لمد اليد للكتل التغييرية.
لا للمساومة
مشهد الغد شرحه النائب المنتخب للمرّة الأولى عن المجتمع المدني في دائرة بيروت الثانية، وضاح صادق، لـ"جسور" كالآتي، "سنجتمع في نقطة واحدة عند المرفأ ثم ننطلق مع الناس باتجاه المجلس النيابيّ وندخل سويًا إليه".
أما اسم مرشّحهم لمنصب نائب رئيس المجلس النيابي، لم يحدّد بعد كما أفاد صادق "سيبدأ إجتماعنا التشاوري بعد لحظات وعند المساء نعلن عن اسم مرشحنا".
في المقابل لم تلقَ تغريدة النائب عقيص استحسانًا لديه وعلّق قائلاً "فليعفنا نواب الأحزاب من تحليلاتهم" ثم تابع "نحن نضع برنامجنا ومشروعنا وللنواب الآخرين الحرية في التصويت لصالحها أم لا".
وأضاف غامزًا من قناة جلسة الغد "لن نقبل المقايضة على مبادئنا كما نرفض أن ندفع ثمن تصويت الكتل الأخرى لمرشحنا من خلال التصويت لمرشح لهم في استحقاق آخر لأننا نختار مرشحنا بناء على معيار الكفاءة ليس إلا".
وانتقد صادق مبدأ التسويات الذي "بنيت عليه السياسة في لبنان" كما شرح أن مشروعهم ككتلة تغييرية يرتكز على مبدأ "السيادة والإصلاح والمحاسبة" وأضاف "من المرجّح أن نتفق مع القوات والأحزاب المعارضة على مشاريع سياديّة فنشكل حينها أكثرية، إلا أننا لن نلتقي معهم على معظم مشاريع الإصلاح لأننا سنعمد إلى محاسبة بعض السياسيين المحسوبين على بعض الكتل، بتهم الفساد".
إئتلاف وطني
من جهته، أكد النائب المستقل والمنتخب للمرة الأولى عن دائرة الجنوب الأولى، شربل مسعد لـ"جسور" أنّهم كنواب مستقلين ينسّقون مع نواب المجتمع المدني والثورة "بدأنا اجتماعات مكثفة في محاولة للتعرف إلى بعضنا البعض كوننا دخلنا إلى البرلمان متفرقين كما نسعى إلى تشكيل إئتلاف وطني على صعيد لبنان".
ولم يفصح مسعد عن اسم مرشّحهم لمنصب نائب رئيس مجلس النواب "سنعلن اسمه مساء اليوم بعد المزيد من التشاور مع نواب المجتمع المدني".
ونفى أي تعاون مع الأحزاب التقليديّة "هذه الأحزاب شكّلت لوائح ضدنا ومع ذلك لن نمتنع عن التصويت لصالح أي مشروع قانون لا شبهة فساد عليه قد تطرحه في المستقبل".
أول هزيمة في البرلمان ضرورية
لا يؤيّد الصحافي أسعد بشارة في حديث لـ"جسور" تموضع الكتل البرلمانية التغييرية بعيدًا من الكتل الحزبية المعارضة للثنائي لما للاستحقاق المقبل من أهمية "الاختبار الأول، ليس بسيطًا بل كبير" وأضاف "قد لا يملك الموقع قوة دستورية في النصوص إنما ربحه يؤدي إلى تسجيل أول نقطة في خانة الثلاثي أمل، حزب الله والتيار الوطني الحر الذي تبين أنهم يعملون كثلاثي وليس كثنائي، حيث أن ضابط الإيقاع هو حزب الله كما أنه مهندس العلاقة بين نبيه بري وجبران باسيل".
هذا التفاهم الثلاثي أنتج، وفقًا لبشارة، اتفاقًا ضمنيًا قضى "بتبادل الأصوات بين نواب التيار الوطني الحر وأمل، حيث يصوت نواب أمل للنائب بو صعب لمقعد نائب الرئيس على أن يصوت عدد من كتلة التيار الوطني الحر لنبيه بري لرئاسة المجلس". يتابع بشارة "أمام النواب التغيريّين اختبار كبير ومضاعف وأعتقد أن الواقعية تقتضي التنسيق بين القوى السيادية والتغييرية".
وقدم بشارة رؤيته للسيناريو المُعاكس في حال فشل التنسيق "هذا يعني أن شيئًا لم يتغيّر وربما لن يتغير في الاستحقاقات المقبلة إن كان على صعيد تسمية رئيس مكلف لتشكيل الحكومة أو حتى تشكيل الحكومة نفسها، كذلك على صعيد انتخابات رئاسة الجمهورية، وأكد أن مرشّح الثلاثي سيفوز غدًا إن استمرت الكتل التغييرية في سياسية رفض مد اليد".
وشدّد في الختام على "أن بداية التغيير الحقيقي تبدأ عبر ضرب هذه المنظومة ضربات متلاحقة على الرأس بدءاً بتكبيد حزب الله وفريقه وحلفائه أول هزيمة في المجلس النيابي الجديد تضاف إلى خسارتهم في نتائج الانتخابات".