بسبب الحروب الداخلية والخارجية، يعد العراق بحسب الإحصائيات والتقارير الدولية والمحلية المعنية، أكثر دول العالم تلوثا بالألغام ومخلفات الحروب غير المتفجرة، والتي هي بمثابة قنابل موقوتة تحصد تباعا، أرواح عراقيين أبرياء، يقعون في فخّها، وتتحدث بعض المصادر الرسمية عن وجود ملايين الألغام والقطع الحربية من المخلفات الحربية في مختلف محافظات البلاد، ما يشكل تهديدا جديا لحياة المواطنين هناك، وتشير بعض الإحصائيات إلى وقوع ما لا يقل عن 250 ألف عراقي قتيلاً أو معاقاً نتيجة تلك المخلفات.
وللإحاطة بمدى خطورة تصنيف العراق كأكثر دول العالم تلوثا بالألغام، يقول الكاتب والباحث السياسي العراقي، علي البيدر، في تصريح لـ"جسور" إنّه بسبب سلاسل الحروب الدموية التي عاشها العراق من الحرب العراقية الإيرانية، إلى حرب الخليج الثانية في العام 1991، ومن ثم حرب تحرير العراق أو الغزو الأميركي في العام 2003، إضافة إلى حرب التحرير من تنظيم داعش الإرهابي في العام 2017، لهذا فمن الطبيعي أن يكون العراق أكثر دول العالم احتواء على الألغام والمواد الحربية القابلة للانفجار، والمنتشرة حتى في المناطق السكنية والمأهولة، أو تلك التي يمرّ من خلالها الناس خصوصا الطرق الفرعية الزراعية والصحراوية، داعيا لمساعدة دولية لانقاذ العراق من هذا التلوث الكبير نظرا لضعف الخبرة العراقية في التعاطي مع هذه المخلفات الحربية.
ويشرح البيدر، أن الحرب تركت وراءها مخلفات كبيرة من الألغام والعبوات والقنابل والذخائر غير المنفجرة، حيث زرع داعش الطرق والشوارع الرئيسة والفرعية، وحتى المنازل، بالعبوات والمتفجرات، إلى جانب مقذوفات القوات الحكومية المهاجمة والتحالف الدولي المساند لها، والتي خلفت دماراً هائلاً، ومساحات مدنية واسعة تحولت إلى ركام وأنقاض.
ويضيف البيدر، أن التعامل مع هذه المعضلة لا زال دون المستوى المطلوب، حيث لا زال العراق يعتمد طرقا قديمة لمعالجة هذا الخطر الداهم، إضافة إلى ضعف الوعي المجتمعي في التعامل معها وعدم وجود مؤسسات وجمعيات مختصة تعنى بشكل كبير بهذا الملف.
ويؤكد البيدر في سياق حديثه أنه ليس ثمة اهتمام جدي ومبرمج من قبل مؤسسات الدولة المعنية، لمعالجة هذا الملف الشائك والمتفجر، ويرى أن من أهم التحديات التي تواجه عملية تطهير الأراضي العراقية من آثار الألغام ومخلفات الحرب، هي مسألة الفساد التي تضرب البلد في كل مفاصله.
مخلفات قاتلة
وكانت دائرة شؤون الألغام العراقية أعلنت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أن حجم التلوث الكلي في العراق يبلغ نحو 5994 كلم مربعا، تم تنظيف نحو 50 في المئة منه، مشيرة إلى أن غالبية الألغام مزروعة على الحدود الشرقية للعراق.
وفي إطار المساعي الأممية لتخليص البلاد من مخاطر الألغام والمخلفات الحربية، أعلن البرنامج الأقدم لدائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام (يونماس) في العراق، عن إحراز تقدم كبير في تطهير العراق من المخلفات الحربية.
وقال مدير "يونماس" في العراق بير لودهامر، في المؤتمر الدولي للمانحين للأعمال المتعلقة بالألغام المنعقد في بغداد، إن آثار الحرب والصراع مع الذكرى الرابعة للانتصار على داعش، ما زالت حية لا سيما في المناطق المحررة والتي لا تزال ملوثة بالعبوات الفتاكة التي زرعتها عصابات داعش التي كان هدفها قتل أكبر عدد من الأرواح البريئة وبث الخوف.
وأضاف لودهامر أنه خلال الشهر الماضي وقعت حوادث عدة مميتة تتعلق بالذخائر المتفجرة وكان معظم الضحايا من الأطفال، كما شهدت الأيام الأخيرة مقتل عراقي بعبوة متفجرة مبتكرة عندما كان يرافق مجموعة من الصيادين الكويتيين في محافظة الأنبار، مشيراً إلى أن هذه الحوادث ليست معزولة وإنما مستمرة وحتى إزالتها تكون مميتة.
إلى ذلك، قال وزير البيئة جاسم الفلاحي، إن العراق مصنف ضمن أكثر الدول في العالم تلوثاً بالألغام، وإن أعداد ضحاياها تزداد يومياً، لافتا إلى أنّ الأراضي الملغمة والملوثة بالعبوات الناسفة تصل إلى أكثر من 6000 كيلو متر.
وكشف عن أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مهتم بشكل كبير في هذا البرنامج ووجه بأن تكون هناك موازنة متخصصة لبرنامج شؤون الألغام.
اليونيسف تستنفر
وكانت منظمة اليونيسف قالت في وقت سابق إنّ أربعة أطفال (ثلاثة أولاد وفتاة) لقوا حتفهم، وفقد اثنان آخران أطرافهما، خلال الأسبوع الماضي، نتيجة لحوادث تتعلق بالذخائر المتفجرة في موقعين مختلفين في العراق.
وأشارت إلى أن هذه الأحداث وقعت في محافظتي بابل وبغداد، عندما كان الأطفال يؤدون مهامهم اليومية، معربة عن عميق الأسف والمواساة لذوي الأطفال، وأصدقائهم ومجتمعاتهم.
ودعت ممثلة اليونيسف في العراق، شيما سين غوبتا، إلى المزيد من الجهود المتضافرة للحد من تأثير هذه المتفجرات، ولا سيما على الأولاد، حيث ارتفع عدد الضحايا من الأطفال بنسبة 67 في المائة مقارنة بعام 2020 (79 طفلا، بينهم 61 ولدا).
هذا وتعتبر الألغام والقنابل والقذائف غير المنفجرة، احد أكبر التحديات التي تواجه السلطات العراقية لإعادة النازحين لمناطقهم الأصلية بعد تحريرها من تنظيم داعش الإرهابي، في العديد من المحافظات الشمالية والغربية من العراق، لا سيما في محافظات نينوى والأنبار وكركوك، فضلا عن الألغام المنتشرة في محافظات الجنوب العراقي، والتي تعود لعهد الحرب الطويلة مع إيران على مدى 8 سنوات من 1980 ولغاية 1988 .