أكّد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أن التغيير الذي أفرزته الانتخابات البرلمانية الأخيرة مع فقدان حزب الله الأكثرية يحتّم تغييرًا في الأداء السياسي، تصبح بموجبه الدولة اللبنانية صاحبة القرار الاستراتيجي في السلم والحرب وفي السياسة الخارجيّة.
وقال جعجع في مقابلة مع وكالة فرانس برس من مقره في معراب، شمال شرق بيروت، إن حزبه يعتزم العمل على أن "نعيد القرار الاستراتيجي كله الى الدولة اللبنانية، ولا يعود لأحد الحق أن يتخطّى سقف الدولة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، وأن يكون القرار الأمني والعسكري بيد الجيش اللبناني".
السلم والحرب
وأضاف جعجع "لا يمكن لأحد أن يُقدم على حرب 12 تموز" جديدة (حرب تموز/يوليو 2006) أو أن "ينقل صواريخ من مكان الى آخر إلا بموافقة ومعرفة الجيش اللبناني"، في إشارة الى حزب الله، القوة العسكرية الوحيدة التي تمتلك ترسانة عسكرية ضخمة غير القوى الشرعية اللبنانية.
ويدافع حزب الله المدعوم من طهران، عن سلاحه، ويقول إنه لمواجهة اسرائيل التي خاض معها صيف 2006 حربًا مدمّرة.
لكن خصومه يتّهمونه باستخدامها "للترهيب في الداخل" والتحكّم بقرار السلم والحرب في البلاد، والتدخل في نزاعات في المنطقة، ما عكّر صفو علاقات لبنان الخارجية خصوصًا مع دول الخليج، التي كان تُعد من أبرز داعمي لبنان.
وأوضح جعجع الذي يعدّ من أشدّ خصوم حزب الله وارتكزت حملته الانتخابية على شعارات مناوئة لسلاحه "لم يعد هناك من سلاح في الداخل، بل هناك عملية سياسية" تجلّت عبر الانتخابات، مشدداً على أنه "ليس مسموحا لأحد أن يستخدم سلاحه في الداخل".
وقال جعجع إن ترجمة المسار الجديد تبدأ بانتخاب رئيس للبرلمان يساعد على اتمام المهمة و"يحافظ على الكيان وعلى الدولة اللبنانية". وأضاف "لا يمكننا انتخاب الرئيس نبيه بري على الاطلاق لأنه جزء من الفريق الآخر".
وبرّي الذي يشغل منصبه منذ العام 1992 هو الحليف الوثيق لحزب الله. ورغم تلويح كتل عدّة بعدم تأييد ترشيحه، إلا أن محللين يرجّحون إعادة انتخابه كونه المرشح الوحيد مع احتفاظ حزب الله وحركة أمل بكافة المقاعد المخصّصة للطائفة الشيعية في بلد تعود فيه رئاسة البرلمان لشيعي.
حكومة أكثرية
ويضمّ البرلمان الجديد عمليًا كتلاً غير متجانسة لا يحظى أي منها بأكثرية مطلقة، بعد فوز 13 نائبًا من الوجوه التي أفرزتها التحركات الاحتجاجية التي شهدها لبنان لأشهر بدءاً من 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019.
وتقود القوات اللبنانية، وهي من الأحزاب المسيحية التي شاركت في الحرب الأهلية، كتلة وازنة من 19 نائبًا، بينهم نائب حليف.
ويعوّل حزب القوات على تحالف عريض مع قوى أخرى تقليدية معارضة بشدة لسلاح حزب الله على غرار حزب الكتائب (أربعة نواب) والحزب التقدمي الاشتراكي (تسعة نواب) وكتلة النائب أشرف ريفي (نائبان) ونواب آخرون. كذلك يجري الحزب، وفق جعجع، "اتصالات مكثّفة" مع كافة النواب الذين انبثقوا عن "ثورة 17 تشرين"، "لمعرفة الأطر الأفضل لتنسيق المواقف".
وقال "نحن متفقون على الأقل على قيام دولة لبنانية فعلية.. بعيدًا من كل فساد وعن كل زبائنية ومحاصصة ومصلحة خاصة".
وفي ما يتعلّق بصيغة الحكومة المقبلة، رفض جعجع تشكيل حكومة "وحدة وطنية"، وهي تسمية تطلق على الحكومات التي تتمثل فيها القوى السياسية الرئيسية كافة وغالبًا ما يتسم عملها بالشلل جراء تباين الآراء وتعطيل اتخاذ القرارات.
المدخل الأساسي
ويتّهم اللبنانيون الحكومات المتعاقبة بالفشل في إدارة الأزمات المتلاحقة بسبب الانقسامات السياسية الحادة وتغليب منطق المُحاصصة والصفقات على بناء دولة مؤسسات وإجراء اصلاحات بنيوية.
وقال جعجع الذي تربط حزبه صلات وثيقة بالسعودية، "إذا تشكّلت حكومة توحي بالثقة والمصداقية ولديها توجّهات واضحة ومشروع سياسي واضح وأظهرت من الشهر الأول أو الثاني جدية في التعاطي، فمن شبه المؤكد أن العلاقات العربية ستعود إلى ما كانت عليه في السابق، وستتدفّق المساعدات العربية تدريجيًا الى لبنان".
وشدد على أن تشكيل حكومة مماثلة "يسرّع المفاوضات مع صندوق النقد الدولي"، الذي يعد الاتفاق معه "المدخل الأساسي" لوقف الانهيار.