وسط تصاعد مخاوف اللبنانيين من شبح أزمة قمح تلوح في الأفق، أطلّ وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني أمين سلام ليعلن امتلاك لبنان كميات من هذه المادة تكفي حاجة السوق حتى شهر ونصف الشهر، ومطمئناً الشعب إلى اقتراب وصول السفن التي تحملها.
لبنان الذي يستورد من أوكرانيا، حيث تدور معارك شرسة، ما بين 50 إلى 60% من حاجته من القمح، والباقي من روسيا ومولدوفيا وغيرها من الدول تضررت إهراءاته إثر انفجار الرابع من آب عام 2020 ولم تلجأ الدولة اللبنانية منذ ذلك الحين إلى خطة بديلة لتعويض النقص في المخزون، فالإهراءات المتضررة لم يتم ترميمها ولم ترتفع أخرى بديلة عنها.
وفي البلد الذي يمتلك مساحات زراعية واسعة في البقاع وعكار والنبطية، وكانت زراعة القمح فيه تعد مورد رزق المزارعين لعقود، بات يتراوح حجم الإنتاج من القمح بين 100 و140 ألف طن سنوياً فقط، في حين أن حاجة لبنان الاستهلاكية له تتراوح بين 450 و550 ألف طن سنوياً.
"حل الطوارئ"
الأزمة في أوكرانيا قد تطول، هذا ما أشار إليه الخبير في إدارة الأزمات الدكتور كارلوس نفاع في اتصال مع "جسور"، مضيفاً "بالتالي قد يقع لبنان في المحظور".
وأوضح نفاع أن "المشكلة الأساسية تكمن في عدم اتخاذ الحكومة اللبنانية السابقة والحالية اجراءات فعالة بعد تفجير المرفأ وتضرّر الإهراءات التي تؤمن مخزون قمح استراتيجي للبنان" مضيفاً "كان على لبنان طرح خطة بديلة لأهمية الموضوع"
ولحماية الأمن الغذائي للمواطن، بعد كارثة المرفأ، كان يستوجب اعتماد الدولة على نوعين من الحلول، بحسب نفاع، "الأول هو "حلّ الطوارئ" أي أن تستمر الدولة بشراء المخزون الاحتياطي من القمح على أن تقوم بعقد اتفاقيات مع دول صديقة لاستئجار قسم من إهراءاتها بهدف استخدامها في التخزين ومن بين هذه الدول مصر والأردن وقبرص".
أما الحل الثاني، كما اقترح نفاع، فيرتكز على "فتح اعتمادات لاستيراد القمح وذلك بعد أن يجري وزيرا الاقتصاد والزراعة مشاورات مع أصحاب المطاحن الذين يملكون اهراءات خاصة بهم، وهي صغيرة نسبياً، للبحث في إمكانية تخزين كميات أكبر من التي يقومون بتخزينها عادة في هذه الاهراءات لتأمين احتياط إضافي".
وتخوّف نفاع من احتمال ارتفاع أسعار القمح عالمياً في حال طال أمد الحرب بين روسيا وأوكرانيا ما قد يرتد بالمزيد من السلبية على لبنان.
كارتيلات المستوردين
زراعة القمح قد تكون أحد هذه الحلول أيضاً، كما لفت نفاع، إنما ليس على المدى القريب، بسبب موسم زراعته البعيد نسيباً الآن.
لكنها ليست المشكلة الوحيد التي تعيق التوجه نحو هذا القطاع، كما يرى الخبير في إدارة الأزمات، إذ أشار إلى أن أسباب تراجع زراعة القمح كثيراً عبر السنوات عديدة، تبدأ، على حد قوله "بتلوث مياه نهر الليطاني ولا تنتهي بفساد كارتيلات المستوردين الذين يستوردون كميات كبيرة من القمح بأسعار تنافسية على حساب النوعية، ما دفع بالمزارع إلى التخلي عن أرضه والانتقال إلى العمل في قطاعات أخرى".
ولفت نفاع إلى وجود أراض زراعية صالحة لانتاج القمح في سهلي البقاع وعكار بإمكانها تأمين حاجة السوق اللبناني "لكنها تحتاج إلى خطة وطنية" كما أوضح، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة تدعم بعض المزارعين عبر تأمين أنظمة ريّ على الطاقة الشمسية للتخفيف من كلفة الانتاج. وتمنى على الدولة العمل على "تنشيط هذا القطاع مجدداً وتقديم حوافز للمزارعين كما التغطية الصحية".
النهوض بالاقتصاد اللبناني يحتاج إلى رؤية واضحة وشاملة لكن قدر لبنان في هذه المرحلة أن يترنح تحت وطأة الأزمات المتلاحقة وأن تتحكم به طبقة من السياسيين الفاسدين والمتواطئين على شعبهم.