في ظل محاولات البحث عن "رئيس صنع في لبنان"، لم تعد الجلسة السابعة لمجلس النواب لانتخاب رئيس للبلاد فتح أبواب قصر بعبدا المُغلقة بانتظار وصول رئيسٍ جديد، فالأفق مسدود وكل الجهود واللقاءات لم تحدث خرقاً في جدار المواقف الصلبة في ظل موازين القوى النيابية، لتتحول معها الجلسات الى فرصة لعرض العضلات السياسية وتظهير الأحجام النيابية ومنصّة لإطلاق المواقف الشعبوية والرسائل السياسية تحت غطاء السجالات الدستورية على أنغام الفراغ الرئاسي.
ويعزّز سيناريو انضمام جلسة اليوم إلى سابقاتها وفق مصادر "جسور"، انقطاع التواصل بين كتل نيابية مؤيدة لترشيح النائب ميشال معوض، وفريق حزب الله المنقسم على نفسه، والذي لم يعلن حتى الساعة تبني ترشيح زعيم تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية، في ظل رفع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، الفيتو على ترشيحه، وكأن استمرار انقطاع التواصل بين القوى المؤيدة لمعوّض ومحور الممانعة لا يكفي، ليأتي استمرار رفض معظم النواب المنتمين إلى قوى التغيير، باستثناء عدد قليل منهم، الالتحاق بهذا المحور أو ذاك بذريعة أنهم يريدون التموضع خارج الاصطفاف السياسي للقوى التقليدية، ليظهر النواب الذين يقدّمون أنفسهم على أنهم من التغييريين كالدمية في يد حزب الله نظرا لعلاقتهم الوطيدة به.
نواب "التغيير" على تشتّتهم
وبالنسبة إلى المتابعين، فعلى الرغم من استمرار اللقاءات بين نواب التغيير، التي يحضرها للمفارقة نواب سبق أن أعلنوا انسحابهم من التكتل التغييري، أو علّقوا مشاركتهم فيه، على غرار النائبين ميشال دويهي ووضاح الصادق، إلا أنّ الثابت أنّ التشتّت بلغ ذروته في صفوف النواب، وأنّ التكتّل أضحى "شكليًا" في أحسن الأحوال، بعدما فقد قيمته المتمثّلة بـ"وحدة قراره" التي تبدو شبه مستحيلة.
وفي هذا الإطار، علمت "جسور" من مصادر نيابية أن النائب ملحم خلف سعى في مطلع الأسبوع الحالي لإعادة لملمة صفوف زملائه النواب في قوى التغيير، وتمكّن من إقناعهم بعقد لقاء تشاوري عن بُعد عبر تقنية الفيديو، لكنه انتهى إلى تكريس الانشقاق بين فريق مؤيد لترشيح الأستاذ الجامعي عصام خليفة وآخر داعم لمعوض.
وتقول المصادر، إنّ هذه الشريحة التي أصبحت، بسرعة، مادة إعلامية خصبة أكثر منها سياسية، ولا تقبل نقداً أو مساءلة، تقدّم مع كل جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية مشهداً تمثيلياً جديداً. ورغم أنها تعتبر نفسها منزّهة، وتتصرف على أنها "أم الصبي"، ينكشف تباعاً أداؤها الذي لا يزال، منذ 15 أيار، متخبطاً ومنقسماً بين نواب بعضهم يؤيد الموالاة وبعضهم يؤيد المعارضة، وبعضهم الثالث يمارس سياسة شعبوية على طريقة منظري أحزاب اليمين واليسار، وهم وفق مصادر "جسور"، منذ الانتخابات النيابية، لم يقوموا بخطوات سياسية بالمعنى الحقيقي، إلا من باب افتعال ضجة إعلامية من دون أي أسس ومعايير واضحة يمكن البناء عليها مستقبلاً، وهناك بين التغييريين من يوالي حزب الله، ويؤيده، وخطورة هؤلاء أنهم يؤدون دوراً سياسياً بات مكشوفاً، تقول المصادر.
كما وتضيف المصادر ان العلاقة التي تربط معظم نواب التغيير بنواب حزب الله، تعرقل التوصّل لأي اتفاق قد يؤدي إلى انتخاب رئيس جديد للبنان، وهذا يعني وفق المصادر أنّ حزب الله نجح تحت إسم "الثورة" في المحافظة على ثقله ووزنه السياسي داخل المجلس النيابي ومنعه قيام أي تحالف عريض يمكن أن يشكّل أكثرية نيابية في المجلس.
مسلسل طويل من الفراغ
وفي إصرار قديم على تعطيل انتخاب الرئيس، قال الصحافي جورج شاهين في اتصال مع "جسور"، إنّ جلسة الخميس لم تبدّل شيئا في المشهد النيابي، فقد عززت المواقف الاخيرة كل السيناريوهات التي تتحدث عن مسلسل طويل لا يحول دونه أي "خبطة سياسية" غير متوقعة حتى اليوم.
وفي اعتقاد مراجع ديبلوماسية، وبعدما قدّمت مختلف القوى ما لديها، فالمبادرة باتت مطلوبة من "حزب الله" قبل غيره من القوى السياسية المتحكّمة بالاستحقاق الرئاسي، يضيف شاهين وذلك استنادا إلى تقرير ديبلوماسي أعدّته سفارة، سبق لها أن دخلت في كثير من المبادرات لإخراج لبنان من مسلسل أزماته، أنّ السيناريو الذي يوفّر المخرج، يقوم على قدرة "حزب الله" على الخروج من دائرة المراوحة التي بات فيها، فأمامه أكثر من مخرج، وإن صح القول أنه لا يريد خوض الاستحقاق بما يستفزّ الاميركيين والسعوديين، فعليه بحسب التقرير أن يُبادر من ضمن حركة الإتصالات الاقليمية والدولية الجارية إلى طرح جديد يسجّل فيه تنازلات عدة لا بد منها على قاعدة انتخاب رئيس يُحيي الدولة ومؤسساتها، لا لحماية المقاومة فحسب إن كانت ما زالت "خلف الدولة" كما كانت في عملية الترسيم.