بعد أن كانت تحوي مخزون لبنان من المادة الحيوية، تضرّرت صوامع القمح الكبيرة والوحيدة في لبنان بشكلٍ كبير إثر انفجار مرفأ بيروت المدمر في 4 أغسطس/آب 2020. سنة ونصف السنة مرّت على الكارثة، والأهراءات التي حمت بحسب الخبراء نصف العاصمة من الانفجار، يجري التداول باحتمال هدم ما بقي منها، حتى قبل صدور القرار الظني في قضية انفجار مرفأ العاصمة اللبنانية.
هدم الأهراءات، يطرح علامات استفهام كبيرة حول التوقيت والغاية وصوابية هذا القرار، على اعتبار أن الصوامع جزء لا يتجزأ من مسرح الجريمة التي هزت لبنان ومعه العالم.
ولأنها بُينت عام 1969، بقرض تنمية كويتي، سارع مسؤولون كويتيون بعد الانفجار إلى الإعلان عن أن دولتهم مستعدة لإعادة بناء الأهراءات، التي تبلغ سعتها 120 ألف طن، لتستمر في توفير المخزون الاستراتيجي من القمح للشعب اللبناني. إضافة إلى طروحات واقتراحات كانت عرضتها إحدى الوزارات المعنية بشأن تحويل المكان إلى معلم للذكرى.
لكن الاقتراحات كلّها بقيت مجمّدة، تماماً كتجميد التحقيق في قضية انفجار المرفأ، لتخرج السلطة أخيراً باقتراح الهدم، وهو ما يُعارضه معماريّون وحقوقيون في حديثهم لـ"جسور" لاعتبارات مختلفة، فضلاً عن رفض أهالي الضحايا المساس بموقع الجريمة التي خطفت أبناءهم.
الموقف الرسمي
في حديثٍ لإحدى الصحف المحلية، أكد وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام، أنه سيجري مناقصة لاختيار الشركة التي ستتولى عملية هدم الأهراءات لأنها "باتت خطيرة جداً وآيلة للسقوط إذ يمكن أن تنهار اذا هبّت عاصفة قوية". وبحسب سلام، "سيتم اختيار شركة تقوم بعمليات الهدم والتنظيف قبل أن نطلق مناقصة إعادة الاعمار، وكل شيء سيُجمع من عمليات الردم يمكن أن يُباع وقيمته مرتفعة جدا وتقدّر بملايين الدولارات من حديد الى مكونات أخرى بما يسمح بتغطية كلفة هَدمه".
وزير الاقتصاد اللبناني رفض أن يتم ربط الهدم بقضية التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، قائلاً: "هذا عمل مستقل يجب أن ننجزه، وأصلاً تأخّرنا فيه ولا يجب أن نعتبر إنجازه قفزاً فوق دماء الشهداء كما يتم تصوير هذا الأمر". وتابع موضحاً، "أن الاستشاري خطيب وعلمي قدّم دراسة هندسية كاملة حول من يمكن أن يتولى عملية الهدم والكلفة، وأحال هذه الدراسة إلى مجلس الإنماء والإعمار، ولعدم اكتمال النصاب أحيل الى وزارة الأشغال التي طالبت بدورها تشكيل لجنة وزارية لدرس موضوع مبنى الأهراءات ولأخذ القرار قبل نهاية فبراير/شباط الحالي وفي خلال أسبوع يجب أن يكون لدينا تصور مبدئي".
رفض قاطع
حماسة الموقف الرسمي اللبناني لهدم الأهراءات بحجة "السلامة العامة وأحكام الضرورة"، يُقابلها موقف متشدد بالرفض من قبل أهالي الضحايا والوكلاء القانونيين في القضية.
من الناحية القانونية، أكد المحامي جيلبير أبي عبود، أحد وكلاء ضحايا انفجار المرفأ، في حديثٍ لـ "جسور"، أن المحقق العدلي في القضية "القاضي طارق البيطار هو وحده المخوّل في البت بملف هدم الأهراءات من عدمه؛ إلا أن يده مردودة عن التحقيق للأسف، بسبب دعاوى الرد في الملف، لذلك فإن البيطار لا يحقّ له قانونياً إعطاء أي موقف بهذا الإطار في الوقت الراهن".
وبيّن أبي عبود، أن "المعيطيات في هذا الملف يملكها حصراً القاضي البيطار، وله الكلمة الفصل في الملف، على اعتبار أن الإهراءات ضمن ساحة الجريمة وقد يرفض البيطار هدمها لعدم استكمال التحقيقات الفنية، أو ربما أن يكون له موقف معاكس، لكن بجميع الأحوال يجب عدم المساس بهذا البناء لحين صدور القرار الظني في القضية".
أما في ما يخص الحجّة الرسميّة بشأن السلامة العامة؛ يردّ المحامي أبي عبود ساخراً، ويسأل: "أين كان حرص الدولة اللبنانية على السلامة العامة وأمن المواطنين العاملين في المرفأ والمقيمين في بيروت وضواحيها حين خزنت آف الأطنان من المواد المتفجرة في مرفأ مدني وسط العاصمة؟".
موقف معظم أهالي الضحايا الرافض قطعاً لأي عمل داخل المرفأ، ينقله المحامي أبي عبود، على اعتبار أن "أهراءات القمح تشكل بالنسبة لهم رمزاً للجريمة وقذارة المنظومة الحاكمة التي قتلت أبناءهم".
واعتبر أبي عبود، أن "العجلة في هذا الأمر توحي وكأن المنظومة التي دمرت العاصمة وقتلت الأبرياء بالتكافل والتضامن في ما بينها، تستغل هذا الوضع لمسح جرمها القصدي من ذاكرة اللبنانين".
وقدّم أبي عبود حلولاً يمكن للدولة اللبنانية الاستعاضة بها عن الأهراءات الموجودة حالياً، "عبر بناء أهراءات بديلة في محيط المرفأ أم في غير مناطق مثل مدينة طرابلس"، التي تمتلك مرفأ شمالي البلاد.
رأي المعماريين
في شق إعادة إعمار المرفأ وهدم الأهراءات، يؤكد المعمار اللبناني إيلي نجم، في حديثٍ لـ "جسور"، أن "لا ضرورة لهدمها بالكامل بل الأجزاء المتضررة منها فقط".
وأوضح قائلاً: يمكننا وضع مشاريع متكاملة عوضاً عن إعادة الإعمار لأهداف تجارية وتحويل هذا المرفأ إلى مركز لاستقطاب المسابقات الوطنية والعالمية، تخليداً لذكرى الضحايا، فضلاً عن إفساح المجال أمام الزوار في وقت لاحق لزيارة هذا المكان الذي شهد على حادثة مأسوية من تاريخ لبنان".
كما سأل نجم عن سرعة قرار السلطة بهدم الأهراءات، والأهداف الكامنة وراءه، واصفاً إياها بالقول "وكأن السلطة اللبنانية تريد حتى أن تمحو ذكرى تفجير المرفأ".
وعن الاقتراحات البديلة، اعتبر المعمار إيلي نجم أن "ملف إعادة إعمار المرفأ يُفترض أن يتمّ عبر تبنّي دراسات ومشاريع بديلة وحلول عصرية ومستقبلية، مثل أن يتمّ الربط بين استكمال مشروع الاتوستراد العربي (يربط بيروت بالبقاع) توازياً مع إنشاء أنفاق الى منطقة البقاع". وبرأي نجم فإن ذلك "يؤدي إلى إنشاء منطقة حرة جديدة فيها مستوعبات للتخزين، تعوّض عن المساحات الكبرى التي تحتاج إليها العنابر والأهراءات، وتالياً هذا الأمر يمكنه أن ينعكس تخفيفاً للضغط عن العاصمة بيروت وتقليلاً من الأعباء المالية".
وبحسب نجم، "هذه هي الطريقة الأمثل لخلق مساحات تخزين حديثة، أسوة بالدول المتطورة، مع الإبقاء على الأهراءات داخل المرفأ كشاهد حي على الكارثة التي حلت بلبنان".
هدم الأهراءات، يطرح علامات استفهام كبيرة حول التوقيت والغاية وصوابية هذا القرار، على اعتبار أن الصوامع جزء لا يتجزأ من مسرح الجريمة التي هزت لبنان ومعه العالم.
ولأنها بُينت عام 1969، بقرض تنمية كويتي، سارع مسؤولون كويتيون بعد الانفجار إلى الإعلان عن أن دولتهم مستعدة لإعادة بناء الأهراءات، التي تبلغ سعتها 120 ألف طن، لتستمر في توفير المخزون الاستراتيجي من القمح للشعب اللبناني. إضافة إلى طروحات واقتراحات كانت عرضتها إحدى الوزارات المعنية بشأن تحويل المكان إلى معلم للذكرى.
لكن الاقتراحات كلّها بقيت مجمّدة، تماماً كتجميد التحقيق في قضية انفجار المرفأ، لتخرج السلطة أخيراً باقتراح الهدم، وهو ما يُعارضه معماريّون وحقوقيون في حديثهم لـ"جسور" لاعتبارات مختلفة، فضلاً عن رفض أهالي الضحايا المساس بموقع الجريمة التي خطفت أبناءهم.
الموقف الرسمي
في حديثٍ لإحدى الصحف المحلية، أكد وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام، أنه سيجري مناقصة لاختيار الشركة التي ستتولى عملية هدم الأهراءات لأنها "باتت خطيرة جداً وآيلة للسقوط إذ يمكن أن تنهار اذا هبّت عاصفة قوية". وبحسب سلام، "سيتم اختيار شركة تقوم بعمليات الهدم والتنظيف قبل أن نطلق مناقصة إعادة الاعمار، وكل شيء سيُجمع من عمليات الردم يمكن أن يُباع وقيمته مرتفعة جدا وتقدّر بملايين الدولارات من حديد الى مكونات أخرى بما يسمح بتغطية كلفة هَدمه".
وزير الاقتصاد اللبناني رفض أن يتم ربط الهدم بقضية التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، قائلاً: "هذا عمل مستقل يجب أن ننجزه، وأصلاً تأخّرنا فيه ولا يجب أن نعتبر إنجازه قفزاً فوق دماء الشهداء كما يتم تصوير هذا الأمر". وتابع موضحاً، "أن الاستشاري خطيب وعلمي قدّم دراسة هندسية كاملة حول من يمكن أن يتولى عملية الهدم والكلفة، وأحال هذه الدراسة إلى مجلس الإنماء والإعمار، ولعدم اكتمال النصاب أحيل الى وزارة الأشغال التي طالبت بدورها تشكيل لجنة وزارية لدرس موضوع مبنى الأهراءات ولأخذ القرار قبل نهاية فبراير/شباط الحالي وفي خلال أسبوع يجب أن يكون لدينا تصور مبدئي".
رفض قاطع
حماسة الموقف الرسمي اللبناني لهدم الأهراءات بحجة "السلامة العامة وأحكام الضرورة"، يُقابلها موقف متشدد بالرفض من قبل أهالي الضحايا والوكلاء القانونيين في القضية.
من الناحية القانونية، أكد المحامي جيلبير أبي عبود، أحد وكلاء ضحايا انفجار المرفأ، في حديثٍ لـ "جسور"، أن المحقق العدلي في القضية "القاضي طارق البيطار هو وحده المخوّل في البت بملف هدم الأهراءات من عدمه؛ إلا أن يده مردودة عن التحقيق للأسف، بسبب دعاوى الرد في الملف، لذلك فإن البيطار لا يحقّ له قانونياً إعطاء أي موقف بهذا الإطار في الوقت الراهن".
وبيّن أبي عبود، أن "المعيطيات في هذا الملف يملكها حصراً القاضي البيطار، وله الكلمة الفصل في الملف، على اعتبار أن الإهراءات ضمن ساحة الجريمة وقد يرفض البيطار هدمها لعدم استكمال التحقيقات الفنية، أو ربما أن يكون له موقف معاكس، لكن بجميع الأحوال يجب عدم المساس بهذا البناء لحين صدور القرار الظني في القضية".
أما في ما يخص الحجّة الرسميّة بشأن السلامة العامة؛ يردّ المحامي أبي عبود ساخراً، ويسأل: "أين كان حرص الدولة اللبنانية على السلامة العامة وأمن المواطنين العاملين في المرفأ والمقيمين في بيروت وضواحيها حين خزنت آف الأطنان من المواد المتفجرة في مرفأ مدني وسط العاصمة؟".
موقف معظم أهالي الضحايا الرافض قطعاً لأي عمل داخل المرفأ، ينقله المحامي أبي عبود، على اعتبار أن "أهراءات القمح تشكل بالنسبة لهم رمزاً للجريمة وقذارة المنظومة الحاكمة التي قتلت أبناءهم".
واعتبر أبي عبود، أن "العجلة في هذا الأمر توحي وكأن المنظومة التي دمرت العاصمة وقتلت الأبرياء بالتكافل والتضامن في ما بينها، تستغل هذا الوضع لمسح جرمها القصدي من ذاكرة اللبنانين".
وقدّم أبي عبود حلولاً يمكن للدولة اللبنانية الاستعاضة بها عن الأهراءات الموجودة حالياً، "عبر بناء أهراءات بديلة في محيط المرفأ أم في غير مناطق مثل مدينة طرابلس"، التي تمتلك مرفأ شمالي البلاد.
رأي المعماريين
في شق إعادة إعمار المرفأ وهدم الأهراءات، يؤكد المعمار اللبناني إيلي نجم، في حديثٍ لـ "جسور"، أن "لا ضرورة لهدمها بالكامل بل الأجزاء المتضررة منها فقط".
وأوضح قائلاً: يمكننا وضع مشاريع متكاملة عوضاً عن إعادة الإعمار لأهداف تجارية وتحويل هذا المرفأ إلى مركز لاستقطاب المسابقات الوطنية والعالمية، تخليداً لذكرى الضحايا، فضلاً عن إفساح المجال أمام الزوار في وقت لاحق لزيارة هذا المكان الذي شهد على حادثة مأسوية من تاريخ لبنان".
كما سأل نجم عن سرعة قرار السلطة بهدم الأهراءات، والأهداف الكامنة وراءه، واصفاً إياها بالقول "وكأن السلطة اللبنانية تريد حتى أن تمحو ذكرى تفجير المرفأ".
وعن الاقتراحات البديلة، اعتبر المعمار إيلي نجم أن "ملف إعادة إعمار المرفأ يُفترض أن يتمّ عبر تبنّي دراسات ومشاريع بديلة وحلول عصرية ومستقبلية، مثل أن يتمّ الربط بين استكمال مشروع الاتوستراد العربي (يربط بيروت بالبقاع) توازياً مع إنشاء أنفاق الى منطقة البقاع". وبرأي نجم فإن ذلك "يؤدي إلى إنشاء منطقة حرة جديدة فيها مستوعبات للتخزين، تعوّض عن المساحات الكبرى التي تحتاج إليها العنابر والأهراءات، وتالياً هذا الأمر يمكنه أن ينعكس تخفيفاً للضغط عن العاصمة بيروت وتقليلاً من الأعباء المالية".
وبحسب نجم، "هذه هي الطريقة الأمثل لخلق مساحات تخزين حديثة، أسوة بالدول المتطورة، مع الإبقاء على الأهراءات داخل المرفأ كشاهد حي على الكارثة التي حلت بلبنان".