في زمن التفلّت من المحاسبة وحماية المرتكبين والفاسدين، يبدو أن العنف الأسري في لبنان أصبح روتينًا، وآخر فصوله جريمة قتل منى العاقوري على يد زوجها وأمام أعين بناتها.
في التفاصيل، يوم الثلاثاء الماضي، عند الساعة الرابعة والنصف من بعد الظهر، أطلق المواطن (غ. خ- من مواليد 1960) النار على زوجته منى العاقوري (من مواليد 1977)، أمام منزلهما في بلدة بلاط قضاء جبيل، وأرداها قتيلة أمام أعين بناتها.
وبحسب معلومات صحفية، "كانت المغدورة في سيارتها عائدة من المدرسة مع بناتها الثلاث حين حضر زوجها وأطلق الرصاص، وذلك على خلفية مشاكل زوجية سابقة، علمًا بأن هناك دعوى طلاق بين الطرفين، وأن المغدورة كانت قد هربت منذ أشهر من تعنيف زوجها وسكنت في منطقة بلاط".
وبعد قتله زوجته، حاول الجاني الهروب والاختباء في حديقة، فأوقفته شرطة البلدية قبل وصول القوى الأمنيّة.
اضطراب وانحراف
في هذا الإطار، اعتبرت الأخصائية النفسية ربى بشارة، في حديث لـ"جسور"، أنه "عندما نتحدث عن جريمة ما، نحن نتحدث عن شخص مضطرب ومتفلت من جميع القيود القانونية، ومتخلّ عن مفهوم السلطة والقانون، ويعاني من انحراف في الشخصية ومشاكل نفسية، بصرف النظر إن كان فعله متعمدا أو غير متعمد".
وقالت: "كما نرى في مجتمعاتنا وعالميا، أن أساليب التعنيف تتطور أسريًّا وإجتماعيًّا، وحتى على مستوى الحروب، لكن الجرائم التي تقع على الصعيد الشخصي تبقى أسبابها خاصة، خصوصًا عند وجود اضطراب معين بالتربية والنشأة وطريقة التفكير أو من الناحية السلوكية والمجتمعية".
وتابعت: "نحن نعيش في مجتمع ذكوري، تسيطر فيه ثقافة تملّك الرجل للمرأة على ثقافة الاستمرارية والشراكة، حيث يظن الرجل أنه يمتلك المرأة، وتظن المرأة أنه عليها السكوت والبقاء مع عائلتها وتحمل شخصية الزوج حتى ولو كانت عنيفة، وهذه الثقافة السائدة إضافة الأوضاع الصعبة تزيد الأمور سوءا وتعقيدا".
وأضافت: "كذلك طريقة تعامل والدَي كل إنسان مع بعضهما في فترة طفولته، والصورة التي يتركاها في ذهنه عن ذلك"، لافتة إلى أنه "في حالات استثنائية، ممكن أن تقع جريمة من دون سابق إنذار، إلّا أنه في أغلب الحالات تتعرض المرأة لتعنيف قبل الجريمة".
أخطاء شائعة
وفي وقت سابق، كشفت المسؤولة عن وحدة العنف الأسري في منظمة "كفى"، المحامية ليلى عواضة، في حديث لـ"جسور"، أن "العنف موجود منذ سنوات عديدة ولكن الآن أصبح الإعلام يتكلم عن تلك الظاهرة وحاليًا هناك تفاقم للعنف بسبب الأوضاع المعيشية والصحية والاقتصادية الصعبة في لبنان".
وعن القوانين اللبنانيّة التي تحمي النساء من العنف الممارس عليهن أكّدت أن "هناك قوانين لبنانية تحمي النساء من العنف مثل قانون 293 لحماية النساء وأفراد الأسرة من العنف الأسري الذي أقّر سنة 2014. فهو يشدّد العقوبات على بعض الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات اللبناني في حال ارتُكبت بين أفراد الأسرة، ويجرّم الضرب والإيذاء. كما يشمل أمر الحماية الذي بإمكان الضحيّة طلبه بهدف إبعاد المعنِّف عنها وعن أطفالها عبر إبعاده عن المنزل، أو نقلها مع أطفالها إلى مكان آمن".
وأضافت "ولكن هذا القانون يحمي نسبيًا المرأة، لأنه يحمل أخطاءً شائعة، مثل حصره بالعنف الممارَس من الزوج على زوجته فيما المذكور في القانون هو العنف الواقع بين جميع أفراد الأسرة، كما أنّه لا يجرّم فعل إكراه الزوجة على الجماع أو الاغتصاب الزوجي بحد ذاته، إنّما الضرب والإيذاء والتهديد الذي يلجأ إليه الزوج للحصول على الحقوق الزوجية."
جريمة مروّعة
يُذكر أن رئيس بلدية بلدة بلاط عبدو عتيّق، قد استنكر في حديث صحفي، الجريمة التي وصفها بالمروّعة، قائلاً: "هذه الجريمة هي الأولى من نوعها في المنطقة، لم نشهد مثلها من قبل، وعلمنا أنها جريمة عائلية جراء خلافات زوجية بين الطرفين، وهما من منطقتين مختلفتين"، مضيفاً: "نتقدّم بأحر التعازي لعائلة الضحية، وننتظر التحقيقات الأوليّة إلى أن ينال الجاني جزاءه".
من جهتها، ندّدت عائلة المعتدي بالجريمة، وأصدرت بيانًا مستنكرة "الفعل المشين الغريب عن العائلة وأدبياتها، والذي ارتُكب بحق الزوجة، كما تقف العائلة إلى جانب العائلة المفجوعة وأهل الزوجة راجيةً من القضاء والأجهزة الأمنية الإسراع في التحقيقات كي ينال المرتكب العقاب اللازم".