مدفوعًا بزيادة أسعار الغذاء وانخفاض قيمة العملة المحلية أمام الدولار الأميركي إثر تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، ارتفع معدل التضخّم السنوي في مصر ليبلغ 12,1 % لشهر مارس/آذار.
الجهاز المركزي المصري للاحصاء أفاد في بيان الأحد أن "معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية سجل 12,1 % لشهر مارس/ آذار 2022 مقابل 4,8 % للشهر نفسه من العام السابق".
وعزا جهاز الاحصاء الزيادة في معدل التضخّم إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة تخطت 23 % على رأسها الخضروات والزيوت والحبوب.
وتوقعت مصادر متابعة للشأن الإقتصادي المصري، في حديث لـ"جسور"، "حدوث ارتفاع أكبر في التضخم خلال الشهر المقبل".
وبحسب هذه المصادر فإن "أحد أسباب التضخم هو الإقبال على شراء المواد الغذائية مع دخول شهر رمضان المبارك، إضافة إلى الأزمة الأوكرانية الروسية التي ألقت بثقلها على اقتصاد العالم وغذائه".
وبالرغم من التضخّم الحاصل وارتفاع أسعار السلع في هذا الشهر الفضيل، إلّا أن "المصريين يحرصون على ممارسة طقوس شهر رمضان وعيش أجوائه"، بحسب مدير المركز المصري الروسي للدراسات، أشرف كمال، الذي أكد أن "الأوضاع الإقتصادية ستؤثر على طريقة عيش بعض المواطنين خلال هذا الشهر، ولكن شريحة كبيرة من المجتمع المصري قادرة على تجاوز الأزمات سواء من خلال بعض المدخرات النقدية أو من خلال ترشيد الاستهلاك، كذلك لا يمكن تجاهل الدور النشط لمنظمات المجتمع المدني (الجمعيات الخيرية) في تقديم الدعم للأسر الفقيرة خلال شهر رمضان وعيد الفطر".
وأشار في حديث لـ"جسور"، إلى أن "الحلويات ارتفعت أسعارها أيضًا في هذا الشهر، نتيجة ارتفاع الأسعار بصفة عامة متأثرة بالاسواق العالمية، وذلك نتيجة الحرب الاقتصادية التي يشنها الغرب على روسيا التي تعتبر عنصر جوهري في معادلة التوازن الاقتصاد العالمي. والكنافة والقطايف التي تعتبر من الأطباق الرئيسية في شهر رمضان بالنسبة للأسرة المصرية، ارتفع سعرها بسبب إرتفاع أسعار الدقيق الذي يمثل مكوّن رئيسي في صناعتها".
تحديات مختلفة
وقال كمال، "يواجه الاقتصاد المصري تحديات مختلفة، خصوصًا في ظل التداعيات الاقتصادية للأزمة الاوكرانية والعملية العسكرية الروسية على الأسواق العالمية، التي كان لها الأثر المباشر عليه، وعلى أسعار السلع الغذائية المختلفة خصوصًا القمح والزيت واللحوم والطيور والأسماك، إلى جانب المواد اللازمة للصناعات الغذائية المختلفة".
وتابع: "مصر من أكثر الدول المستوردة للقمح، وتستهلك ما يقرب الـ21 مليون طن من القمح سنويًا، حيثُ تستورد من روسيا ما بين 8 الى 10 مليون طن ومن أوكرانيا ما يقرب من 3 مليون طن، إلى جانب الاعتماد على حصاد المحصول المحلي من المزارعين المصريين، هذا إلى جانب ما يمثله ارتفاع أسعار النفط من ضغط على الموازنة العامة المصرية".
وأضاف كمال: "لذلك، فإن الحكومة المصرية اتخذت حزمة من الإجراءات لدعم المواطنين بزيادة الرواتب وطرح برامج ومنافذ لبيع السلع الغذائية بأسعار مخفضة، وتكليف وزارة المالية بإعادة هيكلة موازنة العام المالي المقبل 2023/2022 وترتيب الأولويات في ظل ارتفاع أسعار السلع والنفط في الأسواق العالمية. وستكون الأولوية في الموازنة الجديدة لبرامج الحماية الاجتماعية والتعليم والرعاية الصحية، فضلاً عن دعم الصناعات التحويلية والصادرات.
كذلك سيتم تقديم مشروع الموازنة الى مجلس النواب ومناقشة من اللجان المختصة، وبعد ذلك يطرح للتصويت في جلسة عامة قبل بدء العام المالي الجديد. وإذا لم يقر المجلس الموازنة قبل 30 يونيو/حزيران، سيتم تمديد العمل بالموازنة الحالية لحين إقرار الموازنة الجديدة. وإلى جانب هذا وبهدف الحفاظ على المكتسبات التي جرت خلال السنوات السابقة من الإصلاحات الاقتصادي واستدامة النمو، دخلت الحكومة المصرية في مشاورات جديدة مع صندوق النقد الدولى حول برنامج جديد لتعزيز إصلاحاتنا الهيكلية الشاملة وقدرة اقتصادنا على الصمود أمام الصدمات الخارجية".
مصارف قوية
وكان محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر، قد اعتبر، في حديث صحافي، أن التضخم المستورد من الخارج هو سبب قرار رفع أسعار الفائدة، مشيرًا إلى أن هدف إصدار شهادات بفائدة 18% هو جذب السيولة من السوق وجزء من خطة السيطرة على التضخم.
وأكد عامر ضرورة الحفاظ على استثمارات الأجانب كمصدر للعملة الأجنبية، مضيفًا أن المصارف المصرية قوية ومستمرة في تمويل أوجه التنمية في البلاد كافة.
ويشهد العالم زيادة ملحوظة في أسعار الحبوب والزيوت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا نهاية فبراير/ شباط.
ودفعت هذه الموجة من ارتفاع الأسعار مصر إلى تخفيض قيمة العملة المحلية، إذ خسر الجنيه المصري نحو 17 % من قيمته أمام الدولار في 21 مارس/ آذار ليسجل سعر بيع العملة الخضراء أكثر من 18 جنيها.
إجراءات تقشفية
وسط ذلك أعلن البنك المركزي المصري الاسبوع المنصرم انخفاض احتياطي النقد الأجنبي للبلاد بقيمة أربعة مليارات دولار ليسجل 37 مليار دولار والذي يعد كافيًا لتغطية خمسة أشهر من الواردات السلعية. ويعد هذا الانخفاض الأول منذ قرابة عامين.
وتعد مصر من أكبر مستوردي القمح في العالم، وقد اعتمدت على روسيا وأوكرانيا في استيراد 85 % من احتياجاتها منه، فضلا عن 73 % من واردات زيت دوار الشمس.
ودخلت مصر في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل قرض جديد لتأمين مزيد من النقد الأجنبي، كما أعلنت السعودية إيداع خمسة مليارات دولار بالبنك المركزي المصري.
وعام 2016 منح الصندوق القاهرة قرضًا بقيمة 12 مليار دولار مقابل إجراءات تقشفية صارمة، بما في ذلك خفض قيمة الجنيه وإعادة النظر في نظام دعم المواد الغذائية الأساسية.
وفي عام 2020 وافق صندوق النقد على برنامج بقيمة 5.4 مليارات دولار لمساعدة مصر على مواجهة تداعيات كوفيد، الجائحة التي تضرّرت منها مصر بشدة جراء التوقّف المفاجئ في حركة السياحة والنقل الجوي.
يذكر أن نسبة الفقر في مصر تلامس الـ 30 % من جملة تعداد السكان الذي يتجاوز 103 ملايين نسمة.