في زيارة هي الأولى له لدولة عربية منذ اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، زار الرئيس السوري بشار الأسد، الإمارات العربية المتحدة. وكان ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الحاكم الفعلي للإمارات، في استقبال الأسد، الذي التقى عددا من المسؤولين في الإمارات، وعلى رأسهم رئيس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
واعتبر بن زايد، خلال لقائه الرئيس السوري في قصر الشاطئ، أن "هذه الزيارة تأتي في إطار الحرص المشترك على مواصلة التشاور والتنسيق الأخوي بين البلدين حول مختلف القضايا"، وذلك بحسب ما ذكرت حسابات الرئاسة السورية.
ووسط تساؤلات إن كانت هذه الزيارة تؤكد عودة الدفء في العلاقات بين سوريا والإمارات، أو انها تأتي في إطار العلاقات الأخوية بين البلدين، استبعد الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية، العميد الركن المتقاعد خالد حمادة، في حديث لـ"جسور"، "أن تكون هذه الزيارة روتينية أو عادية".
وقال حمادة: "أتوقع أن سوريا تريد من الإمارات أن تقوم بأي مسعى من أجل استعادة الاهتمام الدولي بها وتفعيل أي قناة دولية لذلك، ربما من أجل إستعادة التقديمات الانسانية التي كانت ترعاها الولايات المتحدة الأميركية وتقدمها الامم المتحدة وتساهم الامارات بها، وكان يستفيد منها النظام السوري".
وتابع: "اليوم سوريا غائبة كلّيّاً عن شاشة الأحداث المهمة خصوصاً بعد الحرب الروسية على أوكرانيا التي انشغل العالم بها، والإمارات أوقفت مبادراتها نحوها بسبب عدم وجود تجاوب دولي حولها أو إجماع عربي للإنفتاح عليها، لذلك فمن المرجح أن يكون هدف هذه الزيارة هو طلب محاولة فتح ثغرة في الجدار المفروض على سوريا".
وأضاف: "وربما أيضاً تريد سوريا إيصال رسالة للغرب عموماً عبر دولة الامارات لتدارك ردود الفعل الدولية على تضامنها المعلن مع روسيا في موضوع الحرب على أوكرانيا، لاسيما بعد صدور موقف أميركي صادم منذ أسبوع تقريباً يستبعد قبول النظام السوري ويصفه بالنظام المجرم".
الحضن العربي
في المقلب الآخر، أشار المحلل السياسي اللبناني فيصل عبد الساتر، في حديث لـ"جسور"، إلى أنه "من وجهة النظر السورية، هذه الزيارة تأتي في إطار تفعيل العلاقات بين البلدين، خصوصاً وان الإمارات كانت من أوائل الدول التي أعادت فتح بعثتها الدبلوماسية في العاصمة السورية دمشق، وكان وزير خارجيتها عبد الله بن زايد آل نهيان قد زار سوريا واجتمع مع الرئيس السوري".
وأشار إلى أن "العتاب الذي كان يرسم العلاقة بين البلدين على خلفية ما حدث في سوريا منذ عام 2011 قد انتهى إلى لقاءات مصارحة بين البلدين، وأعربت الإمارات فيها عن كامل دعمها لسوريا وإعادة العمل بالتعاون العربي المشترك وضرورة عودتها إلى جامعة الدول العربية والحضن العربي".
ولفت عبد الساتر إلى أن "الإمارات استضافت عدداً كبيراً من السوريين وقدمت لهم تسهيلات مهمة حتى للذين يؤيدون الرئيس الأسد، ولم تتعامل معهم كما تعاملت دول عربية أخرى، وهذا ما ترك علامات ارتياح في العلاقة بين البلدين".
ورأى أن "لهذه الزيارة أبعادها، فاختيار الأسد دولة الإمارات لتكون الدولة العربية الأولى التي يزورها بعد أحداث 2011 يحمل حتماً رسالة، خصوصاً وان هذه الزيارة تأتي في ظل تطورات كبيرة على المستوى الدولي، لا سيما حرب روسيا وأوكرانيا وتداعياتها على المنطقة، الأمر الذي يستدعي عملاً مشتركاً بين الدول".
وتابع: "سوريا تمثل مرتكزا أساسيا للعلاقة الاستراتيجية مع روسيا في المنطقة، والإمارات بدأت تظهر انفتاحاً واضحاً على موسكو، في وقت تبدي فيه استياءً واضحاً من السياسة الأميركية في المنطقة. وكل ما يحدث يدل على أن ثمة شيئا ما يتحرك في إطار اللحمة بين الدول العربية وسوريا، ربما يكون الكلام الجدي عن إعادتها إلى جامعة الدول العربية قد بدأ".
وأضاف: "حتى السعودية ربما تكون من الداعين لعودة سوريا الى الجامعة العربية.. إلّا أنني لا أعتقد ان الرئيس السوري يستميت لهذه العودة، ولكن الدول العربية اليوم بحاجة للكشف عن نياتها الحسنة تجاه سوريا وإعادة تفعيل العلاقات أكثر مما تريد سوريا ذلك".
وختم بالقول: "هذه الزيارة ستترك الكثير من الأسئلة والإشارات، ولكنها حتماً إيجابية".
تعاون ثنائي
وأعلنت الرئاسة السورية مساء الجمعة أن الرئيس بشار الأسد زار الإمارات والتقى نائب رئيس الدولة حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم.
وقالت إن الشيخ محمد بن راشد رحّب خلال اللقاء بزيارة الرئيس الأسد والوفد المرافق، والتي تأتي في إطار العلاقات الأخوية بين البلدين.
وتناول اللقاء مجمل العلاقات بين البلدين وآفاق توسيع دائرة التعاون الثنائي لاسيما على الصعيد الاقتصادي والاستثماري والتجاري، بما يرقى إلى مستوى تطلعات الشعبين الشقيقين.
كذلك، أشارت الرئاسة السورية إلى أن "الأسد قال إن الإمارات دولة لها دور كبير نظرا للسياسات المتوازنة التي تنتهجها تجاه القضايا الدولية، ولفت إلى أن العالم يتغير ويسير لمدة طويلة باتجاه حالة اللاستقرار، لذلك فإنه ولحماية منطقتنا علينا الاستمرار بالتمسك بمبادئنا وبسيادة دولنا ومصالح شعوبنا".
وأضافت: "كما بحث الرئيس السوري والشيخ محمد بن زايد آل نهيان العلاقات الأخوية والتعاون والتنسيق المشترك بين البلدين الشقيقين بما يحقق مصالحهما المتبادلة، ويسهم في ترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة، وتبادلا وجهات النظر وموقف البلدين تجاه مُجمل القضايا والتطورات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك".
واعتبر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن "سوريا تُعد ركيزة أساسية من ركائز الأمن العربي، لذلك فإن موقف الإمارات ثابت في دعمها لوحدة أراضي سوريا واستقرارها".
وشدد على "ضرورة انسحاب كلّ القوات الأجنبية الموجودة بشكل لا شرعي على الأراضي السورية، كما أعرب عن حرص دولة الإمارات على تعزيز التعاون مع سوريا في المجالات التي تحقق تطلعات الشعبين الشقيقين".
خيبة أمل
من جهتها، علقت الخارجية الأميركية على زيارة الأسد إلى الإمارات، قائلة إنها "تشعر بخيبة أمل شديدة ومقلقة من هذه المحاولة الواضحة لإضفاء الشرعية على الأسد".
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس: "نحث الدول التي تفكر في التعامل مع نظام الأسد على أن تزن بعناية الفظائع المروعة للنظام على السوريين على مدار العقد الماضي، فضلا عن جهود النظام المستمرة لمنع وصول الكثير من البلاد إلى المساعدات الإنسانية والأمن".
وتضرر الاقتصاد السوري بسبب عقد من النزاع والعقوبات المرهقة، وكانت جامعة الدول العربية قد علقت عضوية سوريا بعد اندلاع النزاع قبل 11 عاما.
مجزرة جماعية
وفي فبراير/ شباط 2012، أعلنت الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي الخمس الأخرى سحب سفرائها من سوريا، مستنكرة في بيان مشترك "المجزرة الجماعية" التي ارتكبتها السلطات السورية.
لكن في نهاية عام 2018، أعادت أبو ظبي فتح سفارتها في دمشق، فيما لا تزال مسألة عودة سوريا إلى الجامعة العربية موضوع خلاف.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، التقى وزير الخارجية الإماراتية الأسد في دمشق للمرة الأولى منذ بدء الحرب السورية، وهي خطوة أثارت تنديدات أميركية بجهود تطبيع العلاقات مع رئيس تصفه واشنطن بأنه "ديكتاتور".
كما أعلنت البحرين عام 2018 عن "استمرار" العمل في سفارتها في سوريا، في إشارة إلى نيتها إعادة فتحها.
قمع وحشي
ولقي نحو نصف مليون شخص حتفهم ونزح الملايين منذ اندلاع النزاع السوري عام 2011، بعد أن قوبلت الاحتجاجات ضد الحكومة بقمع وحشي في أنحاء البلاد.
وتطور الوضع إلى حرب مدمرة ومعقدة استقطبت العديد من الجهات والأطراف بينها جماعات جهادية وقوى إقليمية ودولية.
وتواجه دمشق صعوبات لتأمين مساعدات دولية، وتحديداً من الدول العربية الغنية بالنفط.
لكن في السنوات الأخيرة، بدأت بعض القوى الإقليمية ترى أن تعزيز العلاقات مع دمشق وسيلة لإبعاد سوريا عن النفوذ الإقليمي الحصري لإيران الداعم القوي لحكومة الأسد والتي عززت وجودها العسكري في سوريا طوال فترة النزاع.